[ ص: 341 ] تفسير سورة الانفطار
وهي مكية
قال أخبرنا النسائي محمد بن قدامة حدثنا جرير عن الأعمش عن عن محارب بن دثار جابر قال قام معاذ فصلى العشاء الآخرة فطول فقال النبي صلى الله عليه وسلم سبح اسم ربك الأعلى والضحى وإذا السماء انفطرت ؟! أفتان يا معاذ [ أفتان يا معاذ أين كنت عن
وأصل الحديث مخرج في الصحيحين ولكن ذكر " إذا السماء انفطرت في أفراد وتقدم من رواية النسائي عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال إذا الشمس كورت " و " إذا السماء انفطرت " و " إذا السماء انشقت . من سره أن ينظر إلى القيامة رأي عين فليقرأ : (
بسم الله الرحمن الرحيم
( إذا السماء انفطرت ( 1 ) وإذا الكواكب انتثرت ( 2 ) وإذا البحار فجرت ( 3 ) وإذا القبور بعثرت ( 4 ) علمت نفس ما قدمت وأخرت ( 5 ) يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ( 6 ) الذي خلقك فسواك فعدلك ( 7 ) في أي صورة ما شاء ركبك ( 8 ) كلا بل تكذبون بالدين ( 9 ) وإن عليكم لحافظين ( 10 ) كراما كاتبين ( 11 ) يعلمون ما تفعلون ( 12 ) )
يقول تعالى ( إذا السماء انفطرت ) أي انشقت كما قال ( السماء منفطر به ) الزمر : 18
( وإذا الكواكب انتثرت ) أي تساقطت
( وإذا البحار فجرت ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فجر الله بعضها في بعض وقال الحسن فجر الله بعضها في بعض فذهب ماؤها وقال قتادة اختلط مالحها بعذبها وقال الكلبي ملئت
( وإذا القبور بعثرت ) قال ابن عباس بحثت وقال تبعثر تحرك فيخرج من فيها . السدي
( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) أي إذا كان هذا حصل هذا
وقوله ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) ؟ : هذا تهديد لا كما يتوهمه بعض الناس [ ص: 342 ] من أنه إرشاد إلى الجواب حيث قال : ( الكريم ) حتى يقول قائلهم غره كرمه بل المعنى في هذه الآية ما غرك يا ابن آدم بربك الكريم - أي العظيم حتى أقدمت على معصيته وقابلته بما لا يليق كما جاء في الحديث ابن آدم ما غرك بي ابن آدم ماذا أجبت المرسلين يوم القيامة يقول الله
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا حدثنا ابن أبي عمر سفيان أن عمر سمع رجلا يقرأ ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) فقال عمر الجهل .
وقال أيضا حدثنا عمر بن شبة حدثنا أبو خلف حدثنا يحيى البكاء سمعت ابن عمر يقول وقرأ هذه الآية ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) قال ابن عمر غره والله جهله
قال وروي عن ابن عباس والربيع بن خثيم والحسن مثل ذلك
وقال قتادة ( ما غرك بربك الكريم ) شيء ما غر ابن آدم غير هذا العدو الشيطان
وقال الفضيل بن عياض لو قال لي ما غرك بي لقلت ستورك المرخاة
وقال أبو بكر الوراق لو قال لي ( ما غرك بربك الكريم ) لقلت غرني كرم الكريم
قال البغوي وقال بعض أهل الإشارة إنما قال ( بربك الكريم ) دون سائر أسمائه وصفاته كأنه لقنه الإجابة .
وهذا الذي تخيله هذا القائل ليس بطائل لأنه إنما أتى باسمه ( الكريم ) ; لينبه على أنه لا ينبغي أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة وأعمال السوء
و قد حكى البغوي عن الكلبي ومقاتل أنهما قالا نزلت هذه الآية في الأسود بن شريق ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعاقب في الحالة الراهنة فأنزل الله ( ما غرك بربك الكريم ) ؟ .
وقوله ( الذي خلقك فسواك فعدلك ) أي ما غرك بالرب الكريم ( الذي خلقك فسواك فعدلك ) أي جعلك سويا معتدل القامة منتصبها في أحسن الهيئات والأشكال
قال حدثنا الإمام أحمد أبو النضر حدثنا حريز حدثني عبد الرحمن بن ميسرة عن عن جبير بن نفير بسر بن جحاش القرشي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق يوما في كفه فوضع عليها إصبعه ثم قال قال الله عز وجل ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى [ ص: 343 ] إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة
وكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عن يزيد بن هارون حريز بن عثمان به .
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي وتابعه يحيى بن حمزة عن عن ثور بن يزيد عبد الرحمن بن ميسرة .
وقوله ( في أي صورة ما شاء ركبك ) قال مجاهد في أي شبه أب أو أم أو خال أو عم
وقال ابن جرير حدثني محمد بن سنان القزاز حدثنا مطهر بن الهيثم حدثنا موسى بن علي بن رباح حدثني أبي عن جدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في أي صورة ما شاء ركبك ) " قال سلكك . ما ولد لك قال يا رسول الله ما عسى أن يولد لي إما غلام وإما جارية قال فمن يشبه ؟ قال يا رسول الله من عسى أن يشبه إما أباه وإما أمه فقال النبي صلى الله عليه وسلم عندها : مه لا تقولن هكذا إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم أما قرأت هذه الآية في كتاب الله (
وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث والطبراني مطهر بن الهيثم به وهذا الحديث لو صح لكان فيصلا في هذه الآية ولكن إسناده ليس بالثابت لأن مطهر بن الهيثم قال فيه أبو سعيد بن يونس كان متروك الحديث وقال يروى عن ابن حبان موسى بن علي وغيره ما لا يشبه حديث الأثبات ولكن في الصحيحين عن أن رجلا قال أبي هريرة يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود قال هل لك من إبل قال نعم . قال فما ألوانها قال حمر . قال فهل فيها من أورق قال نعم . قال فأنى أتاها ذلك ؟ قال عسى أن يكون نزعة عرق . قال وهذا عسى أن يكون نزعة عرق "
وقد قال عكرمة في قوله ( في أي صورة ما شاء ركبك ) إن شاء في صورة قرد وإن شاء في صورة خنزير وكذا قال أبو صالح إن شاء في صورة كلب وإن شاء في صورة حمار وإن شاء في صورة خنزير
وقال قتادة ( في أي صورة ما شاء ركبك ) قال : قادر والله ربنا على ذلك ومعنى هذا القول عند هؤلاء أن الله عز وجل قادر على على شكل قبيح من الحيوانات [ ص: 344 ] المنكرة الخلق ولكن بقدرته ولطفه وحلمه يخلقه على شكل حسن مستقيم معتدل تام حسن المنظر والهيئة . خلق النطفة
وقوله ( كلا بل تكذبون بالدين ) أي : بل إنما يحملكم على مواجهة الكريم ومقابلته بالمعاصي تكذيب في قلوبكم بالمعاد والجزاء والحساب .
وقوله تعالى ( وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ) يعني وإن عليكم لملائكة حفظة كراما فلا تقابلوهم بالقبائح فإنهم يكتبون عليكم جميع أعمالكم .
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا وكيع سفيان ومسعر عن علقمة بن مرثد عن مجاهد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين الجنابة والغائط فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بحرم حائط أو ببعيره أو ليستره أخوه
وقد رواه فوصله بلفظ آخر فقال : حدثنا الحافظ أبو بكر البزار محمد بن عثمان بن كرامة حدثنا عن عبيد الله بن موسى حفص بن سليمان عن علقمة بن مرثد عن مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات الغائط والجنابة ، والغسل فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بحرم حائط أو ببعيره الكرام الكاتبين إن الله ينهاكم عن التعري فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم
ثم قال حفص بن سليمان لين الحديث وقد روي عنه واحتمل حديثه .
وقال حدثنا الحافظ أبو بكر البزار زياد بن أيوب حدثنا حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي تمام بن نجيح عن عن الحسن يعني البصري أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من حافظين يرفعان إلى الله عز وجل ما حفظا في يوم فيرى في أول الصحيفة وفي آخرها استغفار إلا قال الله تعالى قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة
ثم قال : تفرد به تمام بن نجيح وهو صالح الحديث .
قلت وثقه ابن معين وضعفه البخاري وأبو زرعة وابن أبي حاتم والنسائي ورماه وابن عدي بالوضع . وقال ابن حبان لا أعرف حقيقة أمره . الإمام أحمد
وقال حدثنا الحافظ أبو بكر البزار إسحاق بن سليمان البغدادي المعروف بالقلوسي حدثنا بيان بن حمران حدثنا سلام عن منصور بن زاذان عن عن محمد بن سيرين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي هريرة إن لله ملائكة يعرفون بني آدم وأحسبه قال ويعرفون أعمالهم فإذا نظروا إلى عبد يعمل بطاعة الله ذكروه بينهم وسموه وقالوا أفلح الليلة فلان نجا الليلة فلان وإذا نظروا إلى عبد يعمل بمعصية الله وذكروه بينهم وسموه وقالوا : هلك الليلة فلان "
[ ص: 345 ] ثم قال البزار سلام هذا ، أحسبه سلام المدائني وهو لين الحديث .