المسألة الخامسة والعشرون : قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38فاقطعوا أيديهما } اعلموا أن هذه المسائل المتقدمة في هذه الآية لم يتعرض في القرآن لذكرها ، ولكن العموم لما كان يتناول كل ذلك ونظراءه ذكرنا أمهات النظائر ، لئلا يطول عليكم الاستيفاء ، وبينا كيفية التخصيص لهذا العموم ، لتعلموا كيفية استنباط الأحكام من كتاب الله تعالى ، وهكذا عقدنا في كل آية وسردنا ، فافهموه من آيات هذا الكتاب ; إذ لو ذهبنا إلى ذكر كل ما يتعلق بها من الأحكام لصعب المرام . ومن أهم المسائل في هذه الآية ما وقع التنصيص عليه فيها ، وهو قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38فاقطعوا أيديهما } ، فنذكر وجه إيرادها لغة ، وهي :
المسألة السادسة والعشرون : ثم نفيض بعد ذلك في تمامها ، فإنها عظيمة الإشكال لغة لا فقها ، فنقول : إن قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=10244كيف قال : فاقطعوا أيديهما ، وإنما هما يمينان " ؟
[ ص: 117 ] قلت : لما توجه هذا السؤال وسمعه الناس لم يحل أحد منهم بطائل من فهمه . أما أهل اللغة فتقبلوه ، وتكلموا عليه ، وتابعهم الفقهاء على ما ذكروه حسن ظن بهم من غير تحقيق لكلامهم ، وذكروا في ذلك خمسة أوجه :
الوجه الأول : أن أكثر ما في الإنسان من الأعضاء اثنان ، فحمل الأقل على الأكثر ; ألا ترى أنك تقول : بطونهما وعيونهما ، وهما اثنان ; فجعل ذلك مثله .
الثاني : أن
العرب فعلت ذلك للفصل بين ما في الشيء منه واحد وبين ما فيه منه اثنان ، فجعل ما في الشيء منه واحد جمعا إذا ثني ، ومعنى ذلك أنه وإن جعل جمعا فالإضافة تثنية ، لا سيما والتثنية جمع ، وكان الأصل أن يقال اثنان رجلان ، ولكن رجلان يدل على الجنس والتثنية جميعا ، وذكر كذلك اختصارا ، وكذلك إذا قلت : قلوبهما فالتثنية فيهما قد بينت لك عدد قلب ، وقد قال الشاعر فجمع بين الأمرين :
ومهمهين قذفين مرتين
ظهراهما مثل ظهور الترسين
الثالث : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : إذا كان مفردا قد يجمع إذا أردت به التثنية ، كقول
العرب : وضعا رحالهما ، وتريد رحلي راحلتيهما ، وإلى معنى الثاني يرجع في البيان الرابع ، ويشترك الفقهاء معهم فيه أنه في كل جسد يدان ، فهي أيديهما معا حقيقة ، ولكن لما أراد اليمنى من كل جسد ، وهي واحدة ، جرى هذا الجمع على هذه الصفة ، وتؤول كذلك . الخامس : أن ذكر الواحد بلفظ الجميع عند التثنية أفصح من ذكره بلفظ التثنية مع التثنية ; فهذا منتهى ما تحصل لي من أقوالهم ، وقد تتقارب وتتباعد ، وهذا كله بناء على ما أشرنا إليه عنهم في الخامس ، من أنهم بنوا الأمر على أن اليمين وحدها هي التي تقطع ، وليس كذلك ; بل تقطع الأيدي والأرجل ، فيعود قوله : أيديهما إلى أربعة ، وهي جمع في الآيتين ، وهي تثنية ; فيأتي الكلام على فصاحته ، ولو قال : فاقطعوا
[ ص: 118 ] أيديهم لكان وجها ; لأن السارق والسارقة لم يرد بهما شخصين خاصة ، وإنما هما اسما جنس يعمان ما لا يحصى إلا بالفعل المنسوب إليه ، ولكنه جمع لحقيقة الجمع فيه .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } اعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَمْ يُتَعَرَّضْ فِي الْقُرْآنِ لِذِكْرِهَا ، وَلَكِنَّ الْعُمُومَ لَمَّا كَانَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ ذَلِكَ وَنُظَرَاءَهُ ذَكَرْنَا أُمَّهَاتِ النَّظَائِرِ ، لِئَلَّا يَطُولَ عَلَيْكُمْ الِاسْتِيفَاءُ ، وَبَيَّنَّا كَيْفِيَّةَ التَّخْصِيصِ لِهَذَا الْعُمُومِ ، لِتَعْلَمُوا كَيْفِيَّةَ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَكَذَا عَقَدْنَا فِي كُلِّ آيَةٍ وَسَرَدْنَا ، فَافْهَمُوهُ مِنْ آيَاتِ هَذَا الْكِتَابِ ; إذْ لَوْ ذَهَبْنَا إلَى ذِكْرِ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ لَصَعُبَ الْمَرَامُ . وَمِنْ أَهَمِّ الْمَسَائِلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا وَقَعَ التَّنْصِيصُ عَلَيْهِ فِيهَا ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } ، فَنَذْكُرُ وَجْهَ إيرَادِهَا لُغَةً ، وَهِيَ :
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : ثُمَّ نُفِيضُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَمَامِهَا ، فَإِنَّهَا عَظِيمَةُ الْإِشْكَالِ لُغَةً لَا فِقْهًا ، فَنَقُولُ : إنْ قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=10244كَيْفَ قَالَ : فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ، وَإِنَّمَا هُمَا يَمِينَانِ " ؟
[ ص: 117 ] قُلْت : لَمَّا تَوَجَّهَ هَذَا السُّؤَالُ وَسَمِعَهُ النَّاسُ لَمْ يَحُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِطَائِلٍ مِنْ فَهْمِهِ . أَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ فَتَقَبَّلُوهُ ، وَتَكَلَّمُوا عَلَيْهِ ، وَتَابَعَهُمْ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ حُسْنَ ظَنٍّ بِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ لِكَلَامِهِمْ ، وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ خَمْسَةَ أَوْجُهٍ :
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ : أَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْ الْأَعْضَاءِ اثْنَانِ ، فَحُمِلَ الْأَقَلُّ عَلَى الْأَكْثَرِ ; أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُولُ : بُطُونُهُمَا وَعُيُونُهُمَا ، وَهُمَا اثْنَانِ ; فَجَعَلَ ذَلِكَ مِثْلَهُ .
الثَّانِي : أَنَّ
الْعَرَبَ فَعَلَتْ ذَلِكَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ مَا فِي الشَّيْءِ مِنْهُ وَاحِدٌ وَبَيْنَ مَا فِيهِ مِنْهُ اثْنَانِ ، فَجَعَلَ مَا فِي الشَّيْءِ مِنْهُ وَاحِدٌ جَمْعًا إذَا ثُنِّيَ ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَإِنْ جُعِلَ جَمْعًا فَالْإِضَافَةُ تَثْنِيَةٌ ، لَا سِيَّمَا وَالتَّثْنِيَةُ جَمْعٌ ، وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يُقَالَ اثْنَانِ رَجُلَانِ ، وَلَكِنْ رَجُلَانِ يَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ وَالتَّثْنِيَةِ جَمِيعًا ، وَذُكِرَ كَذَلِكَ اخْتِصَارًا ، وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت : قُلُوبُهُمَا فَالتَّثْنِيَةُ فِيهِمَا قَدْ بَيَّنَتْ لَك عَدَدَ قَلْبٍ ، وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ :
وَمَهْمَهَيْنِ قَذْفَيْنِ مَرَّتَيْنِ
ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ
الثَّالِثُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : إذَا كَانَ مُفْرَدًا قَدْ يُجْمَعْ إذَا أَرَدْت بِهِ التَّثْنِيَةَ ، كَقَوْلِ
الْعَرَبِ : وَضَعَا رِحَالَهُمَا ، وَتُرِيدُ رَحْلَيْ رَاحِلَتَيْهِمَا ، وَإِلَى مَعْنَى الثَّانِي يَرْجِعُ فِي الْبَيَانِ الرَّابِعِ ، وَيَشْتَرِكُ الْفُقَهَاءُ مَعَهُمْ فِيهِ أَنَّهُ فِي كُلِّ جَسَدٍ يَدَانِ ، فَهِيَ أَيْدِيهِمَا مَعًا حَقِيقَةٌ ، وَلَكِنْ لَمَّا أَرَادَ الْيُمْنَى مِنْ كُلِّ جَسَدٍ ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ ، جَرَى هَذَا الْجَمْعُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ، وَتُؤَوَّلُ كَذَلِكَ . الْخَامِسُ : أَنَّ ذِكْرَ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الْجَمِيعِ عِنْدَ التَّثْنِيَةِ أَفْصَحُ مِنْ ذِكْرِهِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ مَعَ التَّثْنِيَةِ ; فَهَذَا مُنْتَهَى مَا تَحَصَّلَ لِي مِنْ أَقْوَالِهِمْ ، وَقَدْ تَتَقَارَبُ وَتَتَبَاعَدُ ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ عَنْهُمْ فِي الْخَامِسِ ، مِنْ أَنَّهُمْ بَنَوْا الْأَمْرَ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ وَحْدَهَا هِيَ الَّتِي تُقْطَعُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; بَلْ تُقْطَعُ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ ، فَيَعُودُ قَوْلُهُ : أَيْدِيَهُمَا إلَى أَرْبَعَةٍ ، وَهِيَ جَمْعٌ فِي الْآيَتَيْنِ ، وَهِيَ تَثْنِيَةٌ ; فَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى فَصَاحَتِهِ ، وَلَوْ قَالَ : فَاقْطَعُوا
[ ص: 118 ] أَيْدِيَهُمْ لَكَانَ وَجْهًا ; لِأَنَّ السَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ لَمْ يُرَدْ بِهِمَا شَخْصَيْنِ خَاصَّةً ، وَإِنَّمَا هُمَا اسْمًا جِنْسٍ يَعُمَّانِ مَا لَا يُحْصَى إلَّا بِالْفِعْلِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ ، وَلَكِنَّهُ جَمْعٌ لِحَقِيقَةِ الْجَمْعِ فِيهِ .