ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=28659_31743الدليل على وجود الخالق سبحانه وتعالى
قد ثبت عند العقول السليمة أن العالم كله حادث ، وكل حادث فلحدوثه سبب ، والدليل على أن العالم حادث أن العالم كل موجود سوى الله عز وجل والموجود إذا كان متحيزا غير مؤتلف سمي جوهرا فردا فإن ائتلف إلى غيره سمي جسما . والعرض ما قام بغيره: كاللون ، والطعم ، وهذه الموجودات لا تخلو من الحوادث ، كالحركة والسكون ، وكل ما يخلو من الحوادث حادث .
ومعنى قولنا "حادث" أنه وجد بعد عدمه ، فلا يخلو وجوده قبل أن يكون محالا أو ممكنا ، ولا يجوز أن يكون محالا ، لأن المحال لا يوجد أبدا .
فثبت أنه ممكن ، والممكن ما يجوز أن يوجد ، ويجوز أن لا يوجد ، فلا بد
[ ص: 119 ] لوجوده من مرجح له على العدم ، وهذا أمر ضروري في العقل لا نزاع فيه ، فظهر منه أنه لا بد للموجودات من موجد أوجده .
فإن قيل: يبطل هذا بالخالق فإنه موجود لا بموجد .
قلنا: الخالق واجب الوجود لم يزل ، وهذه الأشياء جائزة الوجود وبدت بعد عدم فافتقر إلى موجد .
ويزيد ما قلنا إيضاحا فنقول: اعلم أن الأدلة على إثبات الصانع بعدد أجزاء أعيان الموجودات كلها ، إذ ما من شيء إلا وفيه دليل على صانعه ، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد ، وقد ثبت في الأزمان أنه لا كتابة إلا بكاتب ، ولا بناء إلا ببان .
nindex.php?page=treesubj&link=28659_29426ومن الدليل عليه نظم العالم وتركيبه وترتيبه وإحكام صنعته ، فإن تفكرت في هذه على لطف جرمها ، كيف كونت وركبت أعضاؤها ، ثم قد ركبت فيها علم مصالحها ، واجتناب مضارها ، ومناقد أغذيتها ، وسمعها وبصرها .
ومن أعجب الأدلة عليه تفاوت الهمم والطباع والصور ، فإن تكونت بالطبع لتساوت . وقد أشار عز وجل إلى ذلك ، بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=4يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل .
فإن قال قائل جاهل: منها ومن فعل الطبيعة .
قلنا: إن كانت حية عالمة قادرة حكيمة فليس خلافنا إلا في الاسم ، وإن لم يكن على هذه الأوصاف لم يتصور عنها فعل محكم .
ومن ألطف الأدلة على وجوده: وله النفوس ، وقرع القلوب إذا نابت نائبة إليه ، والكلام في هذا المعنى قد استوفي في مسائل الأصول ، ولما كان هذا الكتاب لم يوضع لذلك اقتصرنا على هذه النبذة ، وقد قال الله عز وجل: -
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=3هو الأول والآخر والظاهر والباطن . . . الآية .
وأخبرنا
هبة الله بن محمد بن الحصين ، أخبرنا
أبو علي الحسن بن علي بن [ ص: 120 ]
المذهب ، أخبرنا
أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني
أبي ، أخبرنا
أبو معاوية ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن
جامع بن شداد ، عن
صفوان بن محرز ، عن
عمران بن الحصين ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652953 "اقبلوا البشرى يا بني تميم " ، قالوا: قد بشرتنا فأعطنا ، فقال: "اقبلوا البشرى يا أهل اليمن " ، قالوا: قد قبلنا فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان ، فقال: nindex.php?page=treesubj&link=31743_28782_31748 "كان الله عز وجل قبل كل شيء ، وكان عرشه على الماء وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء" .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=28659_31743الدَّلِيلِ عَلَى وُجُودِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
قَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ حَادِثٌ ، وَكُلُّ حَادِثٍ فَلِحُدُوثِهِ سَبَبٌ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ حَادِثٌ أَنَّ الْعَالَمَ كُلُّ مَوْجُودٍ سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمَوْجُودُ إِذَا كَانَ مُتَحَيِّزًا غَيْرَ مُؤْتَلِفٍ سُمِّي جَوْهَرًا فَرْدًا فَإِنِ ائْتَلَفَ إِلَى غَيْرِهِ سُمِّيَ جِسْمًا . وَالْعَرْضُ مَا قَامَ بِغَيْرِهِ: كَاللَّوْنِ ، وَالطَّعْمِ ، وَهَذِهِ الْمَوْجُودَاتُ لَا تَخْلُو مِنَ الْحَوَادِثِ ، كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ ، وَكُلُّ مَا يَخْلُو مِنَ الْحَوَادِثِ حَادِثٌ .
وَمَعْنَى قَوْلِنَا "حَادِثٌ" أَنَّهُ وُجِدَ بَعْدَ عَدَمِهِ ، فَلَا يَخْلُو وُجُودُهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مُحَالًا أَوْ مُمْكِنًا ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحَالًا ، لِأَنَّ الْمُحَالَ لَا يُوجَدُ أَبَدًا .
فَثَبَتَ أَنَّهُ مُمْكِنٌ ، وَالْمُمْكِنُ مَا يَجُوزُ أَنْ يُوجِدَ ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُوجَدُ ، فَلَا بُدَّ
[ ص: 119 ] لِوُجُودِهِ مِنْ مُرَجِّحٍ لَهُ عَلَى الْعَدَمِ ، وَهَذَا أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ فِي الْعَقْلِ لَا نِزَاعَ فِيهِ ، فَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمَوْجُودَاتِ مِنْ مُوجِدٍ أَوْجَدَهُ .
فَإِنْ قِيلَ: يَبْطُلُ هَذَا بِالْخَالِقِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ لَا بِمُوجِدٍ .
قُلْنَا: الْخَالِقُ وَاجِبُ الْوُجُودِ لَمْ يَزَلْ ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ جَائِزَةُ الْوُجُودِ وَبَدَتْ بَعْدَ عَدَمٍ فَافْتَقَرَ إِلَى مُوجِدٍ .
وَيَزِيدُ مَا قُلْنَا إِيضَاحًا فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَدِلَّةَ عَلَى إِثْبَاتِ الصَّانِعِ بِعَدَدِ أَجْزَاءِ أَعْيَانِ الْمَوْجُودَاتِ كُلِّهَا ، إِذْ مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صَانِعِهِ ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَزْمَانِ أَنَّهُ لَا كِتَابَةَ إِلَّا بِكَاتِبٍ ، وَلَا بِنَاءَ إِلَّا بِبَانٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=28659_29426وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ نَظْمُ الْعَالَمِ وَتَرْكِيبُهُ وَتَرْتِيبُهُ وَإِحْكَامُ صَنْعَتِهِ ، فَإِنْ تَفَكَّرْتَ فِي هَذِهِ عَلَى لُطْفِ جِرْمِهَا ، كَيْفَ كُوِّنَتْ وَرُكِّبَتْ أَعْضَاؤُهَا ، ثُمَّ قَدْ رُكِّبَتْ فِيهَا عِلْمُ مَصَالِحِهَا ، وَاجْتِنَابُ مَضَارِّهَا ، وَمَنَاقِدُ أَغْذِيَتِهَا ، وَسَمْعُهَا وَبَصَرُهَا .
وَمِنْ أَعْجَبِ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ تَفَاوُتُ الْهِمَمِ وَالطِّبَاعِ وَالصُّوَرِ ، فَإِنْ تَكَوَّنَتْ بِالطَّبْعِ لَتَسَاوَتْ . وَقَدْ أَشَارَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى ذَلِكَ ، بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=4يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ جَاهِلٌ: مِنْهَا وَمِنْ فِعْلِ الطَّبِيعَةِ .
قُلْنَا: إِنْ كَانَتْ حَيَّةً عَالِمَةً قَادِرَةً حَكِيمَةً فَلَيْسَ خِلَافُنَا إِلَّا فِي الِاسْمِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ لَمْ يُتَصَوَّرْ عَنْهَا فِعْلٌ مُحْكَمٌ .
وَمِنْ أَلْطَفِ الْأَدِلَّةِ عَلَى وُجُودِهِ: وَلَهُ النُّفُوسُ ، وَقُرْعُ الْقُلُوبِ إِذَا نَابَتْ نَائِبَةٌ إِلَيْهِ ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَعْنَى قَدِ اسْتُوفِيَ فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْكِتَابُ لَمْ يُوضَعْ لِذَلِكَ اقْتَصَرْنَا عَلَى هَذِهِ النُّبْذَةِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: -
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=3هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ . . . الْآيَةَ .
وَأَخْبَرَنَا
هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ ، أَخْبَرَنَا
أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ [ ص: 120 ]
الْمُذْهِبِ ، أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ ، أَخْبَرَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16408عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبِي ، أَخْبَرَنَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ ، أَخْبَرَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ ، عَنْ
جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ ، عَنْ
صَفْوَانَ بْنِ مِحْرِزٍ ، عَنِ
عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652953 "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ " ، قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا ، فَقَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ " ، قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا فَأَخْبِرْنَا عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ كَيْفَ كَانَ ، فَقَالَ: nindex.php?page=treesubj&link=31743_28782_31748 "كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ كُلِ شَيْءٍ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ذِكْرَ كُلِ شَيْءٍ" .