nindex.php?page=treesubj&link=28652_30444الدليل على دخول المؤمن الفاسق الجنة بفضل الله
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت - رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657049«من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله ، وابن أمته ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه ، والجنة حق ، والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ، حسنة أو سيئة ، قليلا أو كثيرا» متفق عليه .
قال في الترجمة : هذا الحديث صريح في مذهب أهل السنة والجماعة . انتهى .
يعني : يدل على أن الفساق يعفى عنهم ، ويغفر لهم ، ويدخلون الجنة بفضل الله ورحمته .
قلت : ولولا ذلك ، لم ينج أحد قط من النار; فإن الحال كما قيل :
من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط
بل آل الأمر - منذ زمن طويل - إلى قلة أهل التقوى ، وكثرة أصحاب الفتوى ،
[ ص: 135 ] فإن لم يغفر الله لعباده ، وإمائه المذنبين والمذنبات ، فمن ذا الذي يغفر لهم ويعفو عنهم ! ؟
وهذا الكلام فيمن تصدر منه الآثام بشآمة الأعمال ، وأمر النفس ، وغلبة الهوى ، وإغواء الأبالسة ، ثم يندم ، ويتوب ، ويقلع من الذنوب ، ويخاف ويستحيي .
وأما من فسق وتمرد ، واستخف ولم يبال بشيء من الوعيدات والزواجر ، وتجرأ على الله ، فحكمه آخر ، وأمره إلى الله ، والله أعلم .
وفي الحديث : دلالة على
nindex.php?page=treesubj&link=29618_28656إخلاص التوحيد ، ونفي الشرك والتنديد .
وفي الشهادة بكون
المسيح عبدا له سبحانه ، وابنا لأمته ، رد على النصارى; لأنهم يقولون : إن
عيسى ابن الله ، أو إنه الله .
وفي إثبات الرسالة له رد على اليهود أيضا في إنكارهم الرسالة .
قال في الترجمة : يقال للمرأة : أمة الله ، كما يقال للرجل : عبد الله; لأن الرجال كلهم عباد الله ، والنساء كلهن إماء الله . انتهى .
وأقول : ما أحب هذه الألقاب ، وما أصدقها عند أولي الألباب !! .
اللهم حققنا بهذه ، واجعل ذكراننا من عبادك الصالحين ، وإناثنا من إمائك الصالحات ، آمين يا رب العالمين .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص - رضي الله عنه ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657181أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ابسط يمينك فلأبايعك ، فبسط ، فقبضت يدي ، فقال : ما لك يا عمرو ؟» ، قلت : أردت أن أشترط ، قال : «تشترط ماذا ؟» ، قلت : أن يغفر لي ، قال : «أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله ؟» من المظالم وغيرها ، «وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها» من الذنوب صغائرها وكبائرها ، وأن الحج يهدم ما كان قبله» من المعاصي والآثام .
[ ص: 136 ] وقال السيد : هدم الإسلام لما كان قبله مطلق ، مظلمة كانت ، أو غيرها ، صغيرة أو كبيرة .
وأما الهجرة ، والحج; فإنهما لا يكفران المظالم ، ولا يقطع فيهما بغفران الكبائر التي بين العبد ومولاه .
فيحمل الحديث على هدمهما الصغائر . انتهى .
وفي الترجمة : هدم الهجرة والحج مخصوص بغير المظالم ، وورد في الحج قول بهدم المظالم أيضا ، وجاء فيه حديث أيضا . والله أعلم . انتهى .
قلت : سياق الحديث في الإسلام ، وفي الهجرة والحج واحد ، فالقول بعموم الهدم في الأول لا في الأخيرين من باب تحجرت واسعا .
أليس رحمة الله أوسع من ذلك ، لاسيما لمن أسلم ، أو هاجر ، أو حج ، تائبا نادما ، قالعا فيما يستقبل ؟
وإن كان لابد من التأويل لمثل هذا الحديث ، فالذي يستحسن أن يؤول ما ورد خلاف هذا الحديث ، لا هذا الحديث; حماية لجانب توسيع الرحمة ، ورعاية لسبقها على غضبه سبحانه .
وقد دلت على ذلك دلائل من الأحاديث الصحيحة كما دلت الأدلة على عدم عفو الكبائر وهدمها بهما مثلا ، والله أعلم رواه مسلم .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664911قلت : يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ، ويباعدني من النار ، قال : «لقد سألت عن عظيم» ; أي شيء عظيم ، أو سؤال عظيم ، «وإنه ليسير على من يسره الله عليه : تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت» .
هذه خمسة أعمال ، إذا عمل بها أحد ممن يشهد بالشهادتين ، فالله يدخله الجنة ، ويباعده من النار .
[ ص: 137 ] ولكن الحفظ من الشرك لكمال خفائه ، ودقته ، عسير جدا ، وكذا الإتيان بسائر ما ذكر على وجه الاتباع ، يعسر جدا; فإن النقص فيها قد سرى منذ ضعف الإسلام ، وصار أهله غرباء في الأنام ، ودخلت فيها أقسام البدع والفسادات ، ولم يعصم منها إلا من رحمه الله وعصمه ، ووفقه لأسوة الكتاب والسنة ، وترك الآراء وأهواء الرجال الشديدة المنة .
ثم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664911«ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة» من إصابة سهم المعصية إلى الصائم; لمنعه الشهوات ، وسده طريق الشيطان ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=664911«والصدقة تطفئ الخطيئة» ، وتمحو نار العصيان
nindex.php?page=hadith&LINKID=664911«كما يطفئ الماء النار» ; لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين [هود : 114] .
وسميت صدقة; لدلالتها على صدق دعوى الإيمان ، ومحبة الله تعالى لصاحبها ، وفيها إيصال النفع إلى الغير ، وخير الناس من ينفع الناس ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=664911«وصلاة الرجل في جوف الليل» ; لأنها طريق لدخول الفيوض والأنوار ، وسبب لإطفاء نائرة الخطيات .
الليل للعاشقين ستر يا ليت أوقاته تدوم
ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية استشهادا بها على فضيلة صلاة الليل والصدقة ،
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تتجافى جنوبهم عن المضاجع ، حتى بلغ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17يعملون [السجدة : 16 17] .
وحاصلها : أن الله تعالى أثنى على الذين يقومون من مضاجعهم ، فيصلون في الليل ، يتركون الراحة ، ويؤثرون المحنة لرضاء الله تعالى ، وينفقون المال في سبيله .
ثم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664911«ألا أدلك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟» الذروة - بكسر الذال ، وضمها - : المكان المرتفع ، وأعلى الشيء .
والسنام - بفتح السين والنون : ما ارتفع من ظهر الجمل قريب عنقه .
[ ص: 138 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=664911قلت : بلى يا رسول الله ، قال : «رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد» ، ثم قال : «ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟» الملاك - بكسر الميم وفتحها - في اللغة ، وفي الرواية بكسر الميم - ، وهو ما به إحكام الشيء وتقويته .
nindex.php?page=hadith&LINKID=664911قلت : بلى يا نبي الله ، فأخذ بلسانه فقال : nindex.php?page=treesubj&link=32618_19137_30437«كف عليك هذا» ; أي : مما لا يعني ، فقلت : يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال : ثكلتك أمك يا nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم ، أو على مناخرهم ، إلا حصائد ألسنتهم ؟» ; أي : محصوداتها ، شبه ما يتكلم به الإنسان بالزرع المحصود بالمنجل ، وهو من بلاغة النبوة; أي : كأن يقطع ، ولا يميز بين الرطب واليابس ، والجيد والرديء ، فكذلك لسان بعض الناس ، يتكلم بكل نوع من الكلام ، حسنا أو قبيحا . كذا في «المرقاة» .
قال في الترجمة : هذا باعتبار الأكثر والأغلب; فإن غالب البلايا التي تصيب الإنسان في الدنيا والآخرة تأتي من طريق اللسان .
مرجيه بر آدمى رسدز زيان مه آذ آفت زبان باشد
انتهى .
قلت : وفي التنزيل الكريم :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [ق : 18] .
وإذا كتب كل لفظ ملفوظ به ، من كل إنسان ، وأخذ عليه ، فالهلاك أقرب من شراك نعله ، إلا من رحمه الله وحفظه من تلك الحصائد . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه .
وهذا الحديث من جوامع الكلم ، وفيه من الفوائد ما لا يأتي عليه الحصر ، إن ذهبت أشرحه ، لجاء مؤلفا مستقلا ، فإن كل جملة من جمله دفتر من دفاتر الحكمة الإيمانية ، وباب وسيع من أبواب الخيرات الإحسانية . والله أعلم بمن يوفق لذلك ، ومن يحرم مما هنالك .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657046«من مات وهو [ ص: 139 ] يعلم أنه لا إله إلا الله» ; أي : علما يقينيا ، سواء قدر على الإقرار باللسان ، أو لم يقدر عليه ، واكتفى بالقلب ، أو جهل وجوبه ، أو لم يطالب به ، أو أتى به; إذ ليس فيه ما ينفي تلفظه . كذا في «المرقاة» .
والمراد : القول بالشهادتين ، لا بواحدة منهما ، كما هنا; لأن التوحيد لا بد له من الإقرار بالرسالة .
والكلمة الأولى عنوان للشهادة الأخرى ، وهي مشهورة شائعة ذائعة .
فلهذا قد يكتفى بذكر إحداهما ، ويكون المراد كلتيهما
nindex.php?page=hadith&LINKID=657046«دخل الجنة» ، وإن دخل النار في مقابلة المعاصي ، ويرى العذاب .
ويمكن أن يعفى عنه بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يدخل النار أصلا . قاله في الترجمة .
وعلى كل تقدير ، الحديث بشارة عظمى لمن يوحد الله بقلبه ولسانه ، أو بقلبه فقط عند عدم القدرة على اللسان والتلفظ به من خرس ، وفي حالة حضور الموت ونحوهما . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
ويؤيده حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الطويل مرفوعا ، وفيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657054«من لقي الله يشهد أن لا إله إلا الله ، مستيقنا بها قلبه ، بشره بالجنة» أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أيضا ، وفي آخره :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657054«فخلهم يعملون» يعني : أن العامة إذا بشروا بهذه البشارة يتركون العمل ، بخلاف الخاصة; فإنهم إذا بشروا ، يزدادون عملا .
وبالجملة : حاصل الحديث : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30416الجنة حصولها موقوف على التوحيد وإخلاصه ، وعلى الشهادة بالرسالة .
وليس موقوفا على العمل ، حتى يظن أن من ليس له عمل صالح لا يدخل الجنة ، وإن كان مستيقنا بها قلبه .
بل مقتضى رحمة الله أن يدخل أهل التوحيد فيها على ما كان منهم من العمل .
وهذه بشارة لا تساويها نعمة ، وفضيلة رحمانية لا توازيها مزية .
[ ص: 140 ] اللهم أحينا على إخلاص التوحيد ، وأمتنا على صالح العمل ، فإن الاعتبار بالخواتيم .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل يرفعه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=701931«مفاتيح الجنة : شهادة أن لا إله إلا الله» رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، يعني : مع:
محمد رسول الله .
والمعنى : أن مفتاح كل أحد من المسلمين والمسلمات لدخول الجنة وفتح بابها ، هي هذه الشهادة .
لكن قيل
لوهب بن منبه : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ، ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان ، فتح لك ، وإلا ، لم يفتح لك . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في ترجمة الباب .
ويزيده إيضاحا حديث آخر عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=701864«من لقي الله لا يشرك به شيئا ، ويصلي الخمس ، ويصوم رمضان غفر له» ، قلت : أفلا أبشرهم يا رسول الله ؟ قال : «دعهم يعملون» رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
أي : يجتهدوا في زيادة العبادة ، ولا يتكلوا على هذه الأعمال ، ولا يرتكبوا قبائح الأفعال .
nindex.php?page=treesubj&link=28652_30444الدَّلِيلُ عَلَى دُخُولِ الْمُؤْمِنِ الْفَاسِقِ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ اللَّهِ
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657049«مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَابْنُ أَمَتِهِ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ، وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ ، حَسَنَةً أَوْ سَيِّئَةً ، قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ فِي التَّرْجَمَةِ : هَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ . انْتَهَى .
يَعْنِي : يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفُسَّاقَ يُعْفَى عَنْهُمْ ، وَيُغْفَرُ لَهُمْ ، وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ .
قُلْتُ : وَلَوْلَا ذَلِكَ ، لَمْ يَنْجُ أَحَدٌ قَطُّ مِنَ النَّارِ; فَإِنَّ الْحَالَ كَمَا قِيلَ :
مَنْ ذَا الَّذِي مَا سَاءَ قَطُّ وَمَنْ لَهُ الْحُسْنَى فَقَطْ
بَلْ آلَ الْأَمْرُ - مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ - إِلَى قِلَّةِ أَهْلِ التَّقْوَى ، وَكَثْرَةِ أَصْحَابِ الْفَتْوَى ،
[ ص: 135 ] فَإِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لِعِبَادِهِ ، وَإِمَائِهِ الْمُذْنِبِينَ وَالْمُذْنِبَاتِ ، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَغْفِرُ لَهُمْ وَيَعْفُو عَنْهُمْ ! ؟
وَهَذَا الْكَلَامُ فِيمَنْ تَصْدُرُ مِنْهُ الْآثَامُ بِشَآمَةِ الْأَعْمَالِ ، وَأَمْرِ النَّفْسِ ، وَغَلَبَةِ الْهَوَى ، وَإِغْوَاءِ الْأَبَالِسَةِ ، ثُمَّ يَنْدَمُ ، وَيَتُوبُ ، وَيُقْلِعُ مِنَ الذُّنُوبِ ، وَيَخَافُ وَيَسْتَحْيِي .
وَأَمَّا مَنْ فَسَقَ وَتَمَرَّدَ ، وَاسْتَخَفَّ وَلَمْ يُبَالِ بِشَيْءٍ مِنَ الْوَعِيدَاتِ وَالزَّوَاجِرِ ، وَتَجَرَّأَ عَلَى اللَّهِ ، فَحُكْمُهُ آخَرُ ، وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِي الْحَدِيثِ : دَلَالَةٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29618_28656إِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ ، وَنَفْيِ الشِّرْكِ وَالتَّنْدِيدِ .
وَفِي الشَّهَادَةِ بِكَوْنِ
الْمَسِيحِ عَبْدًا لَهُ سُبْحَانَهُ ، وَابْنًا لِأَمَتِهِ ، رَدٌّ عَلَى النَّصَارَى; لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ
عِيسَى ابْنُ اللَّهِ ، أَوْ إِنَّهُ اللَّهُ .
وَفِي إِثْبَاتِ الرِّسَالَةِ لَهُ رَدٌّ عَلَى الْيَهُودِ أَيْضًا فِي إِنْكَارِهِمُ الرِّسَالَةَ .
قَالَ فِي التَّرْجَمَةِ : يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ : أَمَةُ اللَّهِ ، كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ : عَبْدُ اللَّهِ; لِأَنَّ الرِّجَالَ كُلَّهُمْ عِبَادُ اللَّهِ ، وَالنِّسَاءَ كُلَّهُنَّ إِمَاءُ اللَّهِ . انْتَهَى .
وَأَقُولُ : مَا أَحَبَّ هَذِهِ الْأَلْقَابَ ، وَمَا أَصْدَقَهَا عِنْدَ أُولِي الْأَلْبَابِ !! .
اللَّهُمَّ حَقِّقْنَا بِهَذِهِ ، وَاجْعَلْ ذُكْرَانَنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ، وَإِنَاثَنَا مِنْ إِمَائِكَ الصَّالِحَاتِ ، آمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=59عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657181أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ ، فَبَسَطَ ، فَقَبَضْتُ يَدِي ، فَقَالَ : مَا لَكَ يَا عَمْرُو ؟» ، قُلْتُ : أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ ، قَالَ : «تَشْتَرِطُ مَاذَا ؟» ، قُلْتُ : أَنْ يُغْفَرَ لِي ، قَالَ : «أَمَا عَلِمْتَ يَا عَمْرُو أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ؟» مِنَ الْمَظَالِمِ وَغَيْرِهَا ، «وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا» مِنَ الذُّنُوبِ صَغَائِرِهَا وَكَبَائِرِهَا ، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» مِنَ الْمَعَاصِي وَالْآثَامِ .
[ ص: 136 ] وَقَالَ السَّيِّدُ : هَدْمُ الْإِسْلَامِ لِمَا كَانَ قَبْلَهُ مُطْلَقٌ ، مَظْلَمَةً كَانَتْ ، أَوْ غَيْرَهَا ، صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً .
وَأَمَّا الْهِجْرَةُ ، وَالْحَجُّ; فَإِنَّهُمَا لَا يُكَفِّرَانِ الْمَظَالِمَ ، وَلَا يُقْطَعُ فِيهِمَا بِغُفْرَانِ الْكَبَائِرِ الَّتِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَمَوْلَاهُ .
فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى هَدْمِهِمَا الصَّغَائِرَ . انْتَهَى .
وَفِي التَّرْجَمَةِ : هَدْمُ الْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْمَظَالِمِ ، وَوَرَدَ فِي الْحَجِّ قَوْلٌ بِهَدْمِ الْمَظَالِمِ أَيْضًا ، وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ أَيْضًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . انْتَهَى .
قُلْتُ : سِيَاقُ الْحَدِيثِ فِي الْإِسْلَامِ ، وَفِي الْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ وَاحِدٌ ، فَالْقَوْلُ بِعُمُومِ الْهَدْمِ فِي الْأَوَّلِ لَا فِي الْأَخِيرَيْنِ مِنْ بَابِ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا .
أَلَيْسَ رَحْمَةُ اللَّهِ أَوْسَعَ مِنْ ذَلِكَ ، لَاسِيَّمَا لِمَنْ أَسْلَمَ ، أَوْ هَاجَرَ ، أَوْ حَجَّ ، تَائِبًا نَادِمًا ، قَالِعًا فِيمَا يَسْتَقْبِلُ ؟
وَإِنْ كَانَ لَابُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ لِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَالَّذِي يُسْتَحْسَنُ أَنْ يُؤَوَّلَ مَا وَرَدَ خِلَافَ هَذَا الْحَدِيثِ ، لَا هَذَا الْحَدِيثُ; حِمَايَةً لِجَانِبِ تَوْسِيعِ الرَّحْمَةِ ، وَرِعَايَةً لِسَبْقِهَا عَلَى غَضَبِهِ سُبْحَانَهُ .
وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ دَلَائِلُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَمَا دَلَّتِ الْأَدِلَّةُ عَلَى عَدَمِ عَفْوِ الْكَبَائِرِ وَهَدْمِهَا بِهِمَا مَثَلًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664911قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ ، قَالَ : «لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ» ; أَيْ شَيْءٍ عَظِيمٍ ، أَوْ سُؤَالٍ عَظِيمٍ ، «وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ : تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ» .
هَذِهِ خَمْسَةُ أَعْمَالٍ ، إِذَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ مِمَّنْ يَشْهَدُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، فَاللَّهُ يَدْخُلُهُ الْجَنَّةَ ، وَيُبَاعِدُهُ مِنَ النَّارِ .
[ ص: 137 ] وَلَكِنَّ الْحِفْظَ مِنَ الشِّرْكِ لِكَمَالِ خَفَائِهِ ، وَدِقَّتِهِ ، عَسِيرٌ جِدًّا ، وَكَذَا الْإِتْيَانُ بِسَائِرِ مَا ذُكِرَ عَلَى وَجْهِ الِاتِّبَاعِ ، يَعْسُرُ جِدًّا; فَإِنَّ النَّقْصَ فِيهَا قَدْ سَرَى مُنْذُ ضَعْفِ الْإِسْلَامِ ، وَصَارَ أَهْلُهُ غُرَبَاءَ فِي الْأَنَامِ ، وَدَخَلَتْ فِيهَا أَقْسَامُ الْبِدَعِ وَالْفَسَادَاتِ ، وَلَمْ يُعْصَمْ مِنْهَا إِلَّا مَنْ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَصَمَهُ ، وَوَفَّقَهُ لِأُسْوَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَتَرْكِ الْآرَاءِ وَأَهْوَاءِ الرِّجَالِ الشَّدِيدَةِ الْمِنَّةِ .
ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664911«أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ» مِنْ إِصَابَةِ سَهْمِ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الصَّائِمِ; لِمَنْعِهِ الشَّهَوَاتِ ، وَسَدِّهِ طَرِيقَ الشَّيْطَانِ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=664911«وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ» ، وَتَمْحُو نَارَ الْعِصْيَانِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=664911«كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ» ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هُودٍ : 114] .
وَسُمِّيَتْ صَدَقَةً; لِدَلَالَتِهَا عَلَى صِدْقِ دَعْوَى الْإِيمَانِ ، وَمَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِصَاحِبِهَا ، وَفِيهَا إِيصَالُ النَّفْعِ إِلَى الْغَيْرِ ، وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ يَنْفَعُ النَّاسَ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=664911«وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ» ; لِأَنَّهَا طَرِيقٌ لِدُخُولِ الْفَيُوضِ وَالْأَنْوَارِ ، وَسَبَبٌ لِإِطْفَاءِ نَائِرَةِ الْخَطِيَّاتِ .
اللَّيْلُ لِلْعَاشِقِينَ سِتْرٌ يَا لَيْتَ أَوْقَاتُهُ تَدُومُ
ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ اسْتِشْهَادًا بِهَا عَلَى فَضِيلَةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالصَّدَقَةِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ، حَتَّى بَلَغَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17يَعْمَلُونَ [السَّجْدَةِ : 16 17] .
وَحَاصِلُهَا : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى الَّذِينَ يَقُومُونَ مِنْ مَضَاجِعِهِمْ ، فَيُصَلُّونَ فِي اللَّيْلِ ، يَتْرُكُونَ الرَّاحَةَ ، وَيُؤْثِرُونَ الْمِحْنَةَ لِرِضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَيُنْفِقُونَ الْمَالَ فِي سَبِيلِهِ .
ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664911«أَلَا أَدُلَّكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ ؟» الذُّرْوَةُ - بِكَسْرِ الذَّالِ ، وَضَمِّهَا - : الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ ، وَأَعْلَى الشَّيْءِ .
وَالسَّنَامُ - بِفَتْحِ السِّينِ وَالنُّونِ : مَا ارْتَفَعَ مِنْ ظَهْرِ الْجَمَلِ قُرَيْبَ عُنُقِهِ .
[ ص: 138 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=664911قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : «رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ ، وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ» ، ثُمَّ قَالَ : «أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟» الْمِلَاكُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا - فِي اللُّغَةِ ، وَفِي الرِّوَايَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ - ، وَهُوَ مَا بِهِ إِحْكَامُ الشَّيْءِ وَتَقْوِيَتُهُ .
nindex.php?page=hadith&LINKID=664911قُلْتُ : بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ : nindex.php?page=treesubj&link=32618_19137_30437«كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا» ; أَيْ : مِمَّا لَا يَعْنِي ، فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ! وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ قَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟» ; أَيْ : مَحْصُودَاتُهَا ، شَبَّهَ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ الْإِنْسَانُ بِالزَّرْعِ الْمَحْصُودِ بِالْمِنْجَلِ ، وَهُوَ مِنْ بَلَاغَةِ النُّبُوَّةِ; أَيْ : كَأَنْ يَقْطَعَ ، وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ ، وَالْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ ، فَكَذَلِكَ لِسَانُ بَعْضِ النَّاسِ ، يَتَكَلَّمُ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْكَلَامِ ، حَسَنًا أَوْ قَبِيحًا . كَذَا فِي «الْمِرْقَاةِ» .
قَالَ فِي التَّرْجَمَةِ : هَذَا بِاعْتِبَارِ الْأَكْثَرِ وَالْأَغْلَبِ; فَإِنَّ غَالِبَ الْبَلَايَا الَّتِي تُصِيبُ الْإِنْسَانَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَأْتِي مِنْ طَرِيقِ اللِّسَانِ .
مرجيه بر آدمى رسدز زيان مه آذ آفت زبان باشد
انْتَهَى .
قُلْتُ : وَفِي التَّنْزِيلِ الْكَرِيمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق : 18] .
وَإِذَا كُتِبَ كُلُّ لَفْظٍ مَلْفُوظٍ بِهِ ، مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ ، وَأُخِذَ عَلَيْهِ ، فَالْهَلَاكُ أَقْرَبُ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ، إِلَّا مَنْ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَفِظَهُ مِنْ تِلْكَ الْحَصَائِدِ . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ .
وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ ، وَفِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَا لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْحَصْرُ ، إِنْ ذَهَبْتُ أَشْرَحُهُ ، لَجَاءَ مُؤَلَّفًا مُسْتَقِلًّا ، فَإِنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ مِنْ جُمَلِهِ دَفْتَرٌ مِنْ دَفَاتِرِ الْحِكْمَةِ الْإِيمَانِيَّةِ ، وَبَابٌ وَسِيعٌ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرَاتِ الْإِحْسَانِيَّةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُوَفَّقُ لِذَلِكَ ، وَمَنْ يُحْرَمُ مِمَّا هُنَالِكَ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657046«مَنْ مَاتَ وَهُوَ [ ص: 139 ] يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ; أَيْ : عِلْمًا يَقِينِيًّا ، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ، وَاكْتَفَى بِالْقَلْبِ ، أَوْ جَهِلَ وُجُوبَهُ ، أَوْ لَمْ يُطَالَبْ بِهِ ، أَوْ أَتَى بِهِ; إِذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي تَلَفُّظَهُ . كَذَا فِي «الْمِرْقَاةِ» .
وَالْمُرَادُ : الْقَوْلُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، لَا بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، كَمَا هُنَا; لِأَنَّ التَّوْحِيدَ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْإِقْرَارِ بِالرِّسَالَةِ .
وَالْكَلِمَةُ الْأُولَى عُنْوَانٌ لِلشَّهَادَةِ الْأُخْرَى ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ شَائِعَةٌ ذَائِعَةٌ .
فَلِهَذَا قَدْ يُكْتَفَى بِذِكْرِ إِحْدَاهُمَا ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ كِلْتَيْهِمَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=657046«دَخَلَ الْجَنَّةَ» ، وَإِنْ دَخَلَ النَّارَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَعَاصِي ، وَيَرَى الْعَذَابَ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ بِشَفَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَا يَدْخُلُ النَّارَ أَصْلًا . قَالَهُ فِي التَّرْجَمَةِ .
وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ ، الْحَدِيثُ بِشَارَةٌ عُظْمَى لِمَنْ يُوَحِّدُ اللَّهَ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ ، أَوْ بِقَلْبِهِ فَقَطْ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اللِّسَانِ وَالتَّلَفُّظِ بِهِ مِنْ خَرَسٍ ، وَفِي حَالَةِ حُضُورِ الْمَوْتِ وَنَحْوِهِمَا . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ .
وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ الطَّوِيلُ مَرْفُوعًا ، وَفِيهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657054«مَنْ لَقِيَ اللَّهَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ ، بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ» أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ أَيْضًا ، وَفِي آخِرِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657054«فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ» يَعْنِي : أَنَّ الْعَامَّةَ إِذَا بُشِّرُوا بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ يَتْرُكُونَ الْعَمَلَ ، بِخِلَافِ الْخَاصَّةِ; فَإِنَّهُمْ إِذَا بُشِّرُوا ، يَزْدَادُونَ عَمَلًا .
وَبِالْجُمْلَةِ : حَاصِلُ الْحَدِيثِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30416الْجَنَّةَ حُصُولُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى التَّوْحِيدِ وَإِخْلَاصِهِ ، وَعَلَى الشَّهَادَةِ بِالرِّسَالَةِ .
وَلَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَى الْعَمَلِ ، حَتَّى يُظَنَّ أَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ .
بَلْ مُقْتَضَى رَحْمَةِ اللَّهِ أَنْ يَدْخُلَ أَهْلُ التَّوْحِيدِ فِيهَا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنَ الْعَمَلِ .
وَهَذِهِ بِشَارَةٌ لَا تُسَاوِيهَا نِعْمَةٌ ، وَفَضِيلَةٌ رَحْمَانِيَّةٌ لَا تُوَازِيهَا مَزِيَّةٌ .
[ ص: 140 ] اللَّهُمَّ أَحْيِنَا عَلَى إِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ ، وَأَمِتْنَا عَلَى صَالِحِ الْعَمَلِ ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْخَوَاتِيمِ .
وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ يَرْفَعُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=701931«مَفَاتِيحُ الْجَنَّةِ : شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ ، يَعْنِي : مَعَ:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ .
وَالْمَعْنَى : أَنَّ مِفْتَاحَ كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَفَتْحِ بَابِهَا ، هِيَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ .
لَكِنْ قِيلَ
لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ : أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِفْتَاحَ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : بَلَى ، وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلَّا وَلَهُ أَسْنَانٌ ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ ، فُتِحَ لَكَ ، وَإِلَّا ، لَمْ يُفْتَحْ لَكَ . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ .
وَيَزِيدُهُ إِيضَاحًا حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مَرْفُوعًا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=701864«مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَيُصَلِّي الْخَمْسَ ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ غُفِرَ لَهُ» ، قُلْتُ : أَفَلَا أُبَشِّرُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : «دَعْهُمْ يَعْمَلُونَ» رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ .
أَيْ : يَجْتَهِدُوا فِي زِيَادَةِ الْعِبَادَةِ ، وَلَا يَتَّكِلُوا عَلَى هَذِهِ الْأَعْمَالِ ، وَلَا يَرْتَكِبُوا قَبَائِحَ الْأَفْعَالِ .