[ ص: 235 ] وسابعها - : مخالفة أن يقع في الحكم بالمنسوخ المتروك ولهذا قال معرفة الناسخ والمنسوخ رضي الله عنه ، لقاض : أتعرف الناسخ والمنسوخ ؟ قال : لا ، قال : هلكت وأهلكت وكذلك معرفة وجوه النص في العموم والخصوص ، والمفسر والمجمل ، والمبين ، والمقيد والمطلق فإن قصر فيها لم يجز وثامنها - علي : وتمييز الصحيح عن الفاسد ، والمقبول عن المردود قال معرفة حال الرواة في القوة والضعف الشيخ أبو إسحاق والغزالي : ويقول على قول أئمة الحديث ، كأحمد والبخاري ومسلم والدارقطني وأبي داود ، لأنهم أهل المعرفة بذلك ، فجاز الأخذ بقولهم ، كما نأخذ بقول المقومين في القيم ، قال ابن دقيق العيد : وهذا مضطر إليه في الأحكام المبنية على الأحاديث التي هي في باب الآحاد ، فإنه الطريق الموصل إلى معرفة الصحيح من السقيم قال الصيرفي : ومن عرف هذه العلوم فهو في الرتبة العليا ، ومن قصر عنه فمقداره ما أحسن ، ولن يجوز أن يحيط بجميع هذه العلوم أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو متفرق في جملتهم والغرض اللازم من علم ما وصفت ما لا يقدر العبد بترك فعله وكلما ازداد علما ازداد منزلة قال الله تعالى : { وفوق كل ذي علم عليم } ، قال : والشرط في ذلك كله معرفة جمله لا جميعه حتى لا يبقى عليه شيء ، لأن هذا لم نره في السادة القدوة من الصحابة ، فقد كان يخفى على كثير ، من أدلة الأحكام فيعرفونها من الغير .
[ ص: 236 ] وقال الغزالي : وهذه العلوم التي يستفاد منها منصب الاجتهاد ، وعظم ذلك يشتمل على ثلاثه فنون : الحديث واللغة وأصول الفقه وقال الإمام : أهم العلوم للمجتهد أصول الفقه وشرط الغزالي والرازي أن يكون عارفا بالدليل العقلي وبأننا مكلفون وشرط الماوردي وإلكيا الطبري فيه الفطنة والذكاء ، ليصل بهما إلى معرفة المسكوت عنه من أمارات المنطوق ، فإن قلت فيه الفطنة والذكاء لم يصح وشرط الأستاذ أبو منصور والغزالي وإلكيا وغيرهم العدالة بالنسبة إلى جواز الاعتماد على قوله .
قالوا : وأما هو في نفسه إذا كان عالما فله أن يجتهد لنفسه ويأخذ باجتهاده لنفسه ، لا لصحة الاجتهاد وقضية كلام غيرهم أن العدالة ركن وقال فالعدالة شرط لقبول الفتوى الماوردي والروياني وابن السمعاني : إن قصد بالاجتهاد العلم صح اجتهاده وإن لم يكن عدلا ، وإن قصد به الحكم والفتيا كانت العدالة شرطا في نفوذ حكمه وقبول فتياه ، لأن شرائط الحكم أغلظ من شرائط الفتيا قال ابن السمعاني : لكن يشترط كونه ثقة مأمونا ، قال : وما ذكره الأصحاب من عدم اشتراط العدالة مرادهم به ما وراء هذا واختلفوا في اشتراط تبحره في أصول الدين على وجهين حكاهما غير متساهل في أمر الدين الأستاذ أبو إسحاق : ( أحدهما ) الاشتراط ، وهو قول القدرية و ( الثاني ) لا يشترط بل من أشرف منه على وصف المؤمن كفاه قال : وعلى هذا القول جل أصحاب كتب الحديث والفقه وغيرهم وأطلق الرازي عدم اشتراط علم الكلام ، وفصل الآمدي فشرط الضروريات ، كالعلم بوجود الرب سبحانه وصفاته وما يستحقه وجوب [ ص: 237 ] وجوده لذاته ، والتصديق بالرسول وما جاء به ، ليكون فيما يسنده إليه من الأحكام محقا ولا يشترط علمه بدقائق الكلام ولا بالأدلة التفصيلية وأجوبتها كالنحارير من علمائه .
وكلام الرازي محمول على هذا التفصيل واختلفوا في اشتراط التفاريع في الفقه والأصح أنه لا يشترط وإلا لزم الدور وكيف يحتاج إليها وهو الذي يولدها بعد حيازة منصب الاجتهاد ؟ ، فكيف يكون شرطا لما تقدم وجوده عليها وذهب الأستاذ أبو إسحاق وأبو منصور إلى اشتراطه وحمل على اشتراط ممارسته الفقه كما صرح به الغزالي فقال : إنما يحصل الاجتهاد في زماننا بممارسته فهو طريق تحصيل الدربة في هذا الزمان ، ولم يكن الطريق في زمن الصحابة وكلام الأستاذ أبي إسحاق يخالفه ، فإنه قال : يشترط معرفته بجمل من فروع الفقه يحيط بالمشهور وببعض الغامض كفروع الحيض والرضاع والدور والوصايا والعين والدين قال : واختلف أصحابنا في المتعلق بالحساب والصحيح أنه شرط ، لأن منها ما لا يمكن استخراج الجواب منه إلا بالحساب وكذلك قال الأستاذ أبو إسحاق : معرفة أصول الفرائض والحساب والضرب والقسمة لا بد منه والحاصل أنه لا بد أن يكون محيطا بأدلة الشرع في غالب الأمر ، متمكنا من اقتباس الأحكام منها ، عارفا بحقائقها ورتبها ، عالما بتقديم ما يتقدم منها وتأخير ما يتأخر وقد عبر رحمه الله عن الشروط كلها بعبارة وجيزة جامعة فقال : " من عرف كتاب الله نصا واستنباطا استحق الإمامة في الدين " وليس من شرط المجتهد أن يكون عالما بكل مسألة ترد عليه ، فقد سئل الشافعي عن أربعين مسألة فقال في ست وثلاثين : لا أدري وكثيرا ما يقول مالك : لا أدري وتوقف كثير من الصحابة في مسائل وقال [ ص: 238 ] بعضهم : من أفتى في كل ما سئل عنه فهو مجنون وهذا كله في المجتهد المطلق . الشافعي