[ ص: 89 ] سد الذرائع . قال الباجي : ذهب إلى المنع من سد الذرائع ، وهي المسألة التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل المحظور ، مثل أن يبيع السلعة بمائة إلى أجل ، ويشتريها بخمسين نقدا ، فهذا قد توصل إلى خمسين بذكر السلعة . وقال مالك أبو حنيفة : لا يجوز المنع من والشافعي . قلنا : قوله تعالى : { سد الذرائع يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا } وقوله : { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر } وقوله عليه السلام : { اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا أثمانها } ، وقوله عليه السلام : { لعن الله } وقوله عليه السلام : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
[ ص: 90 ] { } . انتهى . وقال الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات القرطبي : وسد الذرائع ذهب إليه وأصحابه وخالفه أكثر الناس تأصيلا ، وعملوا عليه في أكثر فروعهم تفصيلا ، ثم حرر موضع الخلاف فقال : اعلم أن مالك إما أن يلزم منه الوقوع قطعا أو لا ، والأول ليس من هذا الباب ، بل من باب ما لا خلاص من الحرام إلا باجتنابه ففعله حرام من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . والذي لا يلزم إما أن يفضي إلى المحظور غالبا أو ينفك عنه غالبا أو يتساوى الأمران وهو المسمى ب " الذرائع " عندنا : فالأول لا بد من مراعاته ، والثاني والثالث اختلف الأصحاب فيه ، فمنهم من يراعيه ، ومنهم من لا يراعيه ، وربما يسميه التهمة البعيدة والذرائع الضعيفة . وقريب من هذا التقرير قول ما يفضي إلى الوقوع في المحظور القرافي في القواعد " : إن لم ينفرد بذلك ، بل كل واحد يقول بها ، ولا خصوصية للمالكية بها إلا من حيث زيادته فيها . قال : فإن مالكا ، كالمنع من حفر الآبار في طريق المسلمين ، وإلقاء السم في طعامهم ، وسب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله . من الذرائع ما هو معتبر إجماعا ، كزراعة العنب ، فإنها لا تمنع خشية الخمر وإن كان وسيلة إلى المحرم ، و ( منها ) ما هو ملغي إجماعا ، كبيوع الآجال ، فنحن نعتبر الذريعة فيها وخالفنا غيرنا . فحاصل القضية أنا قلنا بسد الذرائع أكثر من غيرنا ، لا أنها خاصة . قال : وبهذا نعلم بطلان استدلال أصحابنا على الشافعية في هذه المسألة بقوله { و ( منها ) ما هو مختلف فيه ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا } وقوله : { ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت } فقد ذمهم بكونهم تذرعوا للصيد يوم السبت المحرم .
[ ص: 91 ] عليهم بحبس الصيد يوم الجمعة . وقوله عليه السلام : { اليهود حرمت عليهم الشحوم } الحديث . وبالإجماع على جواز لعن الله ، وتحريمهما مجتمعين للذريعة إليها . وبقوله عليه السلام : { البيع والسلف مفترقين شهادة خصم وظنين } خشية الشهادة بالباطل ، ومنع لا تقبل . وإنما قلنا : إن هذه الأدلة لا تفيد في محل النزاع لأنها تدل على اعتبار الشرع سد الذرائع في الجملة ، وهذا أمر مجمع عليه ، وإنما النزاع في ذريعة خاصة ، وهي شهادة الآباء للأبناء ونحوها ، فينبغي أن تذكر أدلة خاصة بمحل النزاع . وإن قصدوا القياس على هذه الذرائع المجمع عليها فينبغي أن تكون حجتهم القياس ، وحينئذ فليذكروا الجامع حتى يتعرض الخصم لرفعه بالفارق . وهم لا يعتقدون أن دليلهم القياس ، فإن من أدلة محل النزاع حديث بيوع الآجال أن أمة قالت زيد بن أرقم لعائشة : إني بعت منه عبدا بثمانمائة إلى العطاء واشتريته نقدا بستمائة فقالت عائشة : بئس ما اشتريت ، وأخبري أنه أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب . زيد بن أرقم
[ ص: 92 ] قال أبو الوليد بن رشد : وهذه المبالغة كانت من أم ولد زيد بن أرقم ومولاها قبل العتق ، فيتخرج قول عائشة على تحريم ، مع القول بتحريم هذه الذرائع ولعل الربا بين السيد وعبده لا يعتقد تحريم الربا بين السيد وعبده قال : ولا يحل لأحد أن يعتقد في زيدا أنه واطأ أم ولده على الذهب بالذهب متفاضلا إلى أجل . وقول زيد عائشة : أحبط عمله . مع أن الإحباط لا يكون إلا بالشرك ، لم ترد إحباط الإسقاط بل إحباط الموازنة ، وهو وزن العمل الصالح بشيء ، كقوله : { } والقصد ثم المبالغة في الإنكار لا التحقيق ، وأن مجموع الثواب المتحصل من الجهاد ليس باقيا بعد هذه السيئة ، بل بعضه ، فيكون الإحباط في المجموع من حيث هو مجموع ، بحيث لو اقتدى به الناس انفتح باب الربا نسيئة . . من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله