nindex.php?page=treesubj&link=28787 ( وعليه ) : أي على القول بنفي العلة ( مجرد مشيئته ) تعالى ( مرجح ) لإيجاد فعل ما شاءه . فإذا شاء
[ ص: 101 ] سبحانه وتعالى شيئا من الأشياء ترجح بمجرد تلك الإشاءة . ويقولون :
nindex.php?page=treesubj&link=20691علل الشرع أمارات محضة ، وبعضهم يقول بالمناسبة ، ثبت الحكم عندها لا بها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب وابن المنى nindex.php?page=showalam&ids=13439والشيخ الموفق والغزالي ، بقول الشارع : جعل الوصف المناسب موجبا لحسن الفعل وقبحه ، لا أنه كان حسنا وقبيحا قبله ، كما يقول المثبتون . ( وهي ) أي
nindex.php?page=treesubj&link=29700_28722_28779مشيئة الله سبحانه وتعالى ( وإرادته ليستا بمعنى محبته ، ورضاه وسخطه وبغضه ) ( فيحب ويرضى ما أمر به فقط ، وخلق كل شيء بمشيئته تعالى ) فيكون ما يشاء لمشيئته ، وإن كان قد لا يحبه ، وهذا مذهب أئمة السلف من الفقهاء والمحدثين
والصوفية والنظار nindex.php?page=showalam&ids=13464وابن كلاب .
وذهبت
المعتزلة والقدرية والأشعري وأكثر أصحابه ومن وافقهم من المالكية والشافعية ومن أصحابنا -
كابن حمدان في نهاية المبتدئين - إلى أن الكل بمعنى واحد ، ثم قالت
المعتزلة : هو لا يحب الكفر والفسوق والعصيان فلا يشاؤه ، وإنه يكون بلا مشيئته وقالت
الجهمية : بل هو يشاء ذلك . فهو يحبه ويرضاه ،
وأبو الحسن وأكثر أصحابه وافقوا هؤلاء .
وذكر
أبو المعالي الجويني : أن
أبا الحسن أول من خالف
السلف في هذه المسألة .
وأما سلف الأمة وأئمتها ، وأكابر الفقه والحديث والتصوف ، وكثير من طوائف
النظار كالكلابية والكرامية وغيرهم : فيفرقون بين هذا وهذا ، ويقولون :
nindex.php?page=treesubj&link=28779إن الله تعالى يحب الإيمان والعمل الصالح ويرضى به ، كما يأمر به . ولا يرضى بالكفر والفسوق والعصيان ولا يحبه ، كما لا يأمر به ، وإن كان قد يشاؤه .
ولهذا كان حملة الشرع من
السلف والخلف متفقين على أنه لو حلف ليفعلن واجبا أو مستحبا . كقضاء دين تضيق وقته أو عبادة تضيق وقتها . وقال : إن شاء الله ثم لم يفعله لم يحنث . وهذا يبطل قول
القدرية . ولو قال : إن كان الله يحب ذلك ويرضاه فإنه يحنث . كما لو قال : إن كان يندب إلى ذلك ويرغب فيه ، أو يأمر به أمر إيجاب أو استحباب قال
nindex.php?page=showalam&ids=13889البغوي في تفسيره عند قوله تعالى ( سيقول السفهاء ) ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء } ) والرد عليهم في ذلك أن أمر الله تعالى بمعزل عن مشيئته
[ ص: 102 ] وإرادته . فإنه مريد لجميع الكائنات ، غير آمر بجميع ما يريد ، وعلى العبد أن يتبع أمره وليس له أن يتعلق بمشيئة . فإن مشيئته لا تكون عذرا لأحد .
وقال في سورة التغابن عند قوله تعالى ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } ) وجملة القول فيه : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28783_28785الله سبحانه خلق الكافر ، وكفره فعل له وكسب ، وخلق المؤمن وإيمانه فعل له وكسب . فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار . وكسبه واختياره بتقدير الله تعالى ومشيئته انتهى .
ثم اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28783_28779إرادة الله سبحانه وتعالى في كتابه نوعان : نوع بمعنى المشيئة لما خلق . نحو قوله تعالى ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=125فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء } ) ونوع بمعنى محبته ورضاه لما أمر به ، وإن لم يخلقه . نحو قوله تعالى ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ) وقوله تعالى ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } ) في آي كثيرة . وبهذا يفصل النزاع في
nindex.php?page=treesubj&link=28779مسألة الأمر : هل هو مستلزم للإرادة أم لا ؟ فإن
القدرية تزعم أنه مستلزم للمشيئة . فيكون قد شاء المأمور به و [ لو ] لم يكن ،
والجهمية قالوا : إنه غير مستلزم لشيء من الإرادة . ولا محبته له ولا رضاه به إلا إذا وقع . فإنه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن .
nindex.php?page=treesubj&link=28787 ( وَعَلَيْهِ ) : أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِ الْعِلَّةِ ( مُجَرَّدُ مَشِيئَتِهِ ) تَعَالَى ( مُرَجِّحٌ ) لِإِيجَادِ فِعْلِ مَا شَاءَهُ . فَإِذَا شَاءَ
[ ص: 101 ] سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ تَرَجَّحَ بِمُجَرَّدِ تِلْكَ الْإِشَاءَةِ . وَيَقُولُونَ :
nindex.php?page=treesubj&link=20691عِلَلُ الشَّرْعِ أَمَارَاتٌ مَحْضَةٌ ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ بِالْمُنَاسَبَةِ ، ثَبَتَ الْحُكْمُ عِنْدَهَا لَا بِهَا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الْمُنَى nindex.php?page=showalam&ids=13439وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالْغَزَالِيُّ ، بِقَوْلِ الشَّارِعِ : جُعِلَ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ مُوجِبًا لِحُسْنِ الْفِعْلِ وَقُبْحِهِ ، لَا أَنَّهُ كَانَ حَسَنًا وَقَبِيحًا قَبْلَهُ ، كَمَا يَقُولُ الْمُثْبِتُونَ . ( وَهِيَ ) أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=29700_28722_28779مَشِيئَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ( وَإِرَادَتُهُ لَيْسَتَا بِمَعْنَى مَحَبَّتِهِ ، وَرِضَاهُ وَسَخَطِهِ وَبُغْضِهِ ) ( فَيُحِبُّ وَيَرْضَى مَا أَمَرَ بِهِ فَقَطْ ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى ) فَيَكُونُ مَا يَشَاءُ لِمَشِيئَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ لَا يُحِبُّهُ ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ
وَالصُّوفِيَّةِ وَالنُّظَّارِ nindex.php?page=showalam&ids=13464وَابْنِ كُلَّابٍ .
وَذَهَبَتْ
الْمُعْتَزِلَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَالْأَشْعَرِيُّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا -
كَابْنِ حَمْدَانَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ - إلَى أَنَّ الْكُلَّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، ثُمَّ قَالَتْ
الْمُعْتَزِلَةُ : هُوَ لَا يُحِبُّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ فَلَا يَشَاؤُهُ ، وَإِنَّهُ يَكُونُ بِلَا مَشِيئَتِهِ وَقَالَتْ
الْجَهْمِيَّةُ : بَلْ هُوَ يَشَاءُ ذَلِكَ . فَهُوَ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ ،
وَأَبُو الْحَسَنِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَافَقُوا هَؤُلَاءِ .
وَذَكَرَ
أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ : أَنَّ
أَبَا الْحَسَنِ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ
السَّلَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
وَأَمَّا سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا ، وَأَكَابِرُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ طَوَائِفِ
النُّظَّارِ كَالْكُلَّابِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ : فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا ، وَيَقُولُونَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28779إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ وَيَرْضَى بِهِ ، كَمَا يَأْمُرُ بِهِ . وَلَا يَرْضَى بِالْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ وَلَا يُحِبُّهُ ، كَمَا لَا يَأْمُرُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَشَاؤُهُ .
وَلِهَذَا كَانَ حَمَلَةُ الشَّرْعِ مِنْ
السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا . كَقَضَاءِ دَيْنٍ تَضَيَّقَ وَقْتُهُ أَوْ عِبَادَةٍ تَضَيَّقَ وَقْتُهَا . وَقَالَ : إنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْهُ لَمْ يَحْنَثْ . وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ
الْقَدَرِيَّةِ . وَلَوْ قَالَ : إنْ كَانَ اللَّهُ يُحِبُّ ذَلِكَ وَيَرْضَاهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ . كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ كَانَ يَنْدُبُ إلَى ذَلِكَ وَيُرَغِّبُ فِيهِ ، أَوْ يَأْمُرُ بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13889الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى ( سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ ) ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ } ) وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْزِلٍ عَنْ مَشِيئَتِهِ
[ ص: 102 ] وَإِرَادَتِهِ . فَإِنَّهُ مُرِيدٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ ، غَيْرُ آمِرٍ بِجَمِيعِ مَا يُرِيدُ ، وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَتَّبِعَ أَمْرَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَشِيئَةٍ . فَإِنَّ مَشِيئَتَهُ لَا تَكُونُ عُذْرًا لِأَحَدٍ .
وَقَالَ فِي سُورَةِ التَّغَابُنِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=2هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ } ) وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28783_28785اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْكَافِرَ ، وَكُفْرُهُ فِعْلٌ لَهُ وَكَسْبٌ ، وَخَلَقَ الْمُؤْمِنَ وَإِيمَانُهُ فِعْلٌ لَهُ وَكَسْبٌ . فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ كَسْبٌ وَاخْتِيَارٌ . وَكَسْبُهُ وَاخْتِيَارُهُ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ انْتَهَى .
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28783_28779إرَادَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ نَوْعَانِ : نَوْعٌ بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ لِمَا خَلَقَ . نَحْوُ قَوْله تَعَالَى ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=125فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } ) وَنَوْعٌ بِمَعْنَى مَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ لِمَا أَمَرَ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَخْلُقْهُ . نَحْوُ قَوْله تَعَالَى ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ } ) وقَوْله تَعَالَى ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ) فِي آيٍ كَثِيرَةٍ . وَبِهَذَا يُفْصَلُ النِّزَاعُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28779مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ : هَلْ هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِرَادَةِ أَمْ لَا ؟ فَإِنَّ
الْقَدَرِيَّةَ تَزْعُمُ أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمَشِيئَةِ . فَيَكُونُ قَدْ شَاءَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَ [ لَوْ ] لَمْ يَكُنْ ،
وَالْجَهْمِيَّةُ قَالُوا : إنَّهُ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِشَيْءٍ مِنْ الْإِرَادَةِ . وَلَا مَحَبَّتُهُ لَهُ وَلَا رِضَاهُ بِهِ إلَّا إذَا وَقَعَ . فَإِنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ .