[ ص: 225 ] ( باب ، الإجماع لغة العزم والاتفاق ) قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=71فأجمعوا أمركم } أي اعزموه . ويصح إطلاقه على الواحد ، يقال : أجمع فلان على كذا ، أي عزم عليه ، ويقال : أجمع القوم على كذا ، أي اتفقوا عليه . فكل أمر من الأمور اتفقت عليه طائفة فهو إجماع في إطلاق أهل اللغة . وأجمعت السير والأمر وأجمعت عليه ، يتعدى بنفسه وبالحرف [ عزمت عليه ] . وفي حديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37325من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له } أي من لم يعزم عليه فينويه ( و ) الإجماع ( اصطلاحا ) أي في اصطلاح علماء الشريعة ( اتفاق مجتهدي الأمة في عصر على أمر ، ولو ) كان الأمر ( فعلا ) اتفاقا كائنا ( بعد النبي صلى الله عليه وسلم ) والمراد باتفاقهم : اتحاد اعتقادهم . واحترز بالاتفاق عن الاختلاف ، وبقيد " الاجتهاد " عن غير المجتهد . فلا يكون اتفاق غير المجتهد من أصولي وفروعي ونحوي ولا من لم يكمل فيه شروط الاجتهاد إجماعا ، ولا تقدح مخالفته في انعقاد الإجماع ، وبقيد " الأمة " المنصرف إطلاق لفظها إلى أمة
محمد صلى الله عليه وسلم عن اتفاق مجتهدي بقية الأمم . ودخل في قوله " على أمر " جميع الأمور من الأقوال والأفعال الدينية والدنيوية والاعتقادات والسكوت والتقرير وغير ذلك . وإنما أبرز قوله " ولو فعلا " مع دخوله في مسمى الأمر للبيان والتأكيد . وقد
nindex.php?page=treesubj&link=21612_21632_21617اختلف العلماء فيما إذا اتفق مجتهدو العصر على فعل فعلوه ، أو فعله بعضهم . وسكت الباقون مع علمهم . هل يكون إجماعا أم لا ؟ والأرجح : أنه ينعقد به الإجماع لعصمة الأمة . فيكون كالقول المجمع عليه . وكفعل الرسول صلى الله عليه وسلم . اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب من أصحابنا . وقطع به
nindex.php?page=showalam&ids=11815أبو إسحاق الشيرازي . واختاره
الغزالي في المنخول . وصرح به
أبو الحسين البصري في المعتمد ، وتبعه في المحصول . قال بعض أصحابنا : هو قول الجمهور . حتى أحالوا الخطأ منهم إذا لم يشترط انقراض العصر ، وقيل : لا ينعقد الإجماع بذلك . ويتفرع على المسألة : إذا فعلوا فعلا قربة ، ولكن لا يعلم هل فعلوه واجبا أو مستحبا ؟ فمقتضى القياس : أنه كفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ;
[ ص: 226 ] لأنا أمرنا باتباعهم ، كما أمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم . وللعلماء في تعريف الإجماع حدود غير ذلك يطول الكلام بذكرها ، وأنكر
nindex.php?page=showalam&ids=15414النظام وبعض
الرافضة ثبوت الإجماع . وروي عن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رضي الله عنه . وحمل على الورع ، أو على غير عالم بالخلاف ، أو على تعذر معرفة الكل ، أو على العام النطقي ، أو على بعده ، أو على غير الصحابة لحصرهم . وانتشار غيرهم ( وهو ) أي الإجماع ( حجة قاطعة بالشرع ) أي بدليل الشرع كونه حجة قاطعة . وهذا مذهب الأئمة الأعلام ، منهم الأربعة وأتباعهم وغيرهم من
المتكلمين . وقال
الآمدي والرازي : هو حجة ظنية لا قطعية .
وقيل : ظنية في السكوتي ونحوه ، دون النطقي . واستدل للقول الأول بقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=115ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } احتج بها الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره . لأنه توعد على متابعة غير سبيل المؤمنين . وإنما يجوز لمفسدة متعلقة به ، وليست من جهة المشاقة . وإلا كانت كافية . والسبيل : الطريق . فلو خص بكفر أو غيره .
كان اللفظ مبهما ، وهو خلاف الأصل . و " المؤمن " حقيقة في الحي المتصف بالإيمان ، ثم عمومه إلى يوم القيامة يبطل المراد . وهو الحث على متابعة سبيلهم .
والجاهل غير مراد ، ثم المخصوص حجة ، والسبيل عام . والتأويل بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو بمتابعتهم في الإيمان ، أو الاجتهاد : لا ضرورة إليه فلا يقبل ، وليس تبيين الهدى شرطا للوعيد بالاتباع ، بل للمشاقة ; لأن إطلاقها لمن عرف الهدى أولا ، ولأن تبيين الأحكام الفروعية ليس شرطا في المشاقة . فإن من تبين له صدق الرسول وتركه . فقد شاقه ، ولو جهلها . وما قيل : من أن الآية ظاهرة ، ولا دليل على أن الظاهر حجة إلا الإجماع . فيلزم الدور : ممنوع لجواز نص قاطع على أنه حجة ، أو استدلال قطعي ; لأن الظاهر مظنون ، وهو حجة لئلا يلزم رفع النقيضين أو اجتماعهما ، أو العمل بالمرجوح ، وهو خلاف العقل ، وبقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } والمشروط عدم عند عدم
[ ص: 227 ] شرطه . فاتفاقهم كاف ، واعترض عدم الرد إلى الكتاب والسنة عند الإجماع : أنه إن بني الإجماع على أحدهما فهو كاف . وإلا ففيه تجويز الإجماع بلا دليل ، ثم لا نسلم عدم الشرط . فإن الكلام مفروض في نزاع مجتهدين متأخرين ، لإجماع سابق . رد الأول بأن الإجماع إن احتاج إلى مستند فقد يكون قياسا . والثاني مشكل جدا . قاله
الآمدي . واختار
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب أن مراد الآية فيما لا نعلم أنه خطأ ، وإن ظنناه رددناه إلى الله والرسول . وبقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103ولا تفرقوا } وخلاف الإجماع تفرق . والنهي عن التفرق ليس في الاعتصام للتأكيد . ومخالفة الظاهر وتخصيصه بها قبل الإجماع لا يمنع الاحتجاج به ، ولا يختص الخطاب بالموجودين زمنه صلى الله عليه وسلم ; لأن التكليف لكل من وجد مكلفا ، كما سبق . وبقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كنتم خير أمة أخرجت للناس } فلو اجتمعوا على باطل كانوا قد اجتمعوا على منكر لم ينهوا عنه ، ومعروف لم يؤمروا به ، وهو خلاف ما وصفهم الله تعالى به ، ولأنه جعلهم أمة وسطا أي عدولا ، ورضي بشهادتهم مطلقا .
وعلى ذلك اعتراضات وأجوبة يطول الكتاب بذكرها . وعن
أبي مالك الأشعري رضي الله عنه مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46613إن الله تعالى أجاركم من ثلاث خلال : أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعا ، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق ، وأن لا تجتمعوا على ضلالة } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30024لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة أبدا } رواه
الترمذي .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46614لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة . فإن رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم ، الحق وأهله } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ،
nindex.php?page=showalam&ids=12510وابن أبي عاصم ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46615عليكم بالجماعة . إن الله تعالى لا يجمع أمتي إلا على هدى } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36876من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود ، ولهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46616ألا إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين يعني : فرقة ثنتان وسبعون في النار . وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة } وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46617إن الله لا يجمع أمتي - أو قال أمة محمد - على ضلالة ، ويد الله على الجماعة . ومن شذ [ ص: 228 ] شذ في النار } رواه
الترمذي . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=99ثوبان مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30216لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك } وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46618إلى يوم القيامة } وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=98جابر بن سمرة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46619حتى تقوم الساعة } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46620عليكم بالجماعة ، وإياكم والفرقة . فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد . من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد والترمذي وغيرهم . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46621ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي .
قال
الآمدي وغيره : السنة أقرب الطرق إلى كون الإجماع حجة قاطعة . واستدل أيضا لكونه حجة قاطعة بأن العادة تحيل إجماع مجتهدي العصر على قطع بحكم شرعي من غير اطلاع على دليل قاطع في ذلك الحكم . فوجب في ذلك الحكم تقرير نص قاطع فيه ، ولأن الإجماع مقدم على الدليل القاطع . فكان قاطعا ، وإلا تعارض الإجماعان لتقديم القاطع على غيره إجماعا
[ ص: 225 ] ( بَابٌ ، الْإِجْمَاعُ لُغَةً الْعَزْمُ وَالِاتِّفَاقُ ) قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=71فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ } أَيْ اعْزِمُوهُ . وَيَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى الْوَاحِدِ ، يُقَالُ : أَجْمَعَ فُلَانٌ عَلَى كَذَا ، أَيْ عَزَمَ عَلَيْهِ ، وَيُقَالُ : أَجْمَعَ الْقَوْمُ عَلَى كَذَا ، أَيْ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ . فَكُلُّ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ فَهُوَ إجْمَاعٌ فِي إطْلَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ . وَأَجْمَعْت السَّيْرَ وَالْأَمْرَ وَأَجْمَعْت عَلَيْهِ ، يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ [ عَزَمْتُ عَلَيْهِ ] . وَفِي حَدِيثٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37325مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ } أَيْ مَنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِ فَيَنْوِيَهُ ( وَ ) الْإِجْمَاعُ ( اصْطِلَاحًا ) أَيْ فِي اصْطِلَاحِ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ ( اتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي الْأُمَّةِ فِي عَصْرٍ عَلَى أَمْرٍ ، وَلَوْ ) كَانَ الْأَمْرُ ( فِعْلًا ) اتِّفَاقًا كَائِنًا ( بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَالْمُرَادُ بِاتِّفَاقِهِمْ : اتِّحَادُ اعْتِقَادِهِمْ . وَاحْتَرَزَ بِالِاتِّفَاقِ عَنْ الِاخْتِلَافِ ، وَبِقَيْدِ " الِاجْتِهَادِ " عَنْ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ . فَلَا يَكُونُ اتِّفَاقُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ مِنْ أُصُولِيٍّ وَفُرُوعِيٍّ وَنَحْوِيٍّ وَلَا مَنْ لَمْ يَكْمُلْ فِيهِ شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ إجْمَاعًا ، وَلَا تَقْدَحُ مُخَالَفَتُهُ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ ، وَبِقَيْدِ " الْأُمَّةِ " الْمُنْصَرِفِ إطْلَاقُ لَفْظِهَا إلَى أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اتِّفَاقِ مُجْتَهِدِي بَقِيَّةِ الْأُمَمِ . وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ " عَلَى أَمْرِ " جَمِيعُ الْأُمُورِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَالِاعْتِقَادَاتِ وَالسُّكُوتِ وَالتَّقْرِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَإِنَّمَا أَبْرَزَ قَوْلَهُ " وَلَوْ فِعْلًا " مَعَ دُخُولِهِ فِي مُسَمَّى الْأَمْرِ لِلْبَيَانِ وَالتَّأْكِيدِ . وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=21612_21632_21617اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا اتَّفَقَ مُجْتَهِدُو الْعَصْرِ عَلَى فِعْلٍ فَعَلُوهُ ، أَوْ فَعَلَهُ بَعْضُهُمْ . وَسَكَتَ الْبَاقُونَ مَعَ عِلْمِهِمْ . هَلْ يَكُونُ إجْمَاعًا أَمْ لَا ؟ وَالْأَرْجَحُ : أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ لِعِصْمَةِ الْأُمَّةِ . فَيَكُونُ كَالْقَوْلِ الْمَجْمَعِ عَلَيْهِ . وَكَفِعْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . اخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِنَا . وَقَطَعَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=11815أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ . وَاخْتَارَهُ
الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ . وَصَرَّحَ بِهِ
أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ فِي الْمُعْتَمَدِ ، وَتَبِعَهُ فِي الْمَحْصُولِ . قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ . حَتَّى أَحَالُوا الْخَطَأَ مِنْهُمْ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ ، وَقِيلَ : لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِذَلِكَ . وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ : إذَا فَعَلُوا فِعْلًا قُرْبَةً ، وَلَكِنْ لَا يُعْلَمُ هَلْ فَعَلُوهُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا ؟ فَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ : أَنَّهُ كَفِعْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ;
[ ص: 226 ] لِأَنَّا أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهِمْ ، كَمَا أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلِلْعُلَمَاءِ فِي تَعْرِيفِ الْإِجْمَاعِ حُدُودٌ غَيْرُ ذَلِكَ يَطُولُ الْكَلَامُ بِذِكْرِهَا ، وَأَنْكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=15414النَّظَّامُ وَبَعْضُ
الرَّافِضَةِ ثُبُوتَ الْإِجْمَاعِ . وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَحُمِلَ عَلَى الْوَرَعِ ، أَوْ عَلَى غَيْرِ عَالِمٍ بِالْخِلَافِ ، أَوْ عَلَى تَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ الْكُلِّ ، أَوْ عَلَى الْعَامِّ النُّطْقِيِّ ، أَوْ عَلَى بُعْدِهِ ، أَوْ عَلَى غَيْرِ الصَّحَابَةِ لِحَصْرِهِمْ . وَانْتِشَارِ غَيْرِهِمْ ( وَهُوَ ) أَيْ الْإِجْمَاعُ ( حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ بِالشَّرْعِ ) أَيْ بِدَلِيلِ الشَّرْعِ كَوْنُهُ حُجَّةً قَاطِعَةً . وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ ، مِنْهُمْ الْأَرْبَعَةُ وَأَتْبَاعُهُمْ وَغَيْرُهُمْ مِنْ
الْمُتَكَلِّمِينَ . وَقَالَ
الْآمِدِيُّ وَالرَّازِيُّ : هُوَ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ لَا قَطْعِيَّةٌ .
وَقِيلَ : ظَنِّيَّةٌ فِي السُّكُوتِيِّ وَنَحْوِهِ ، دُونَ النُّطْقِيِّ . وَاسْتُدِلَّ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=115وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } احْتَجَّ بِهَا الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ . لِأَنَّهُ تَوَعَّدَ عَلَى مُتَابَعَةِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ . وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِمَفْسَدَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِهِ ، وَلَيْسَتْ مِنْ جِهَةِ الْمُشَاقَّةِ . وَإِلَّا كَانَتْ كَافِيَةً . وَالسَّبِيلُ : الطَّرِيقُ . فَلَوْ خُصَّ بِكُفْرٍ أَوْ غَيْرِهِ .
كَانَ اللَّفْظُ مُبْهَمًا ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ . وَ " الْمُؤْمِنُ " حَقِيقَةٌ فِي الْحَيِّ الْمُتَّصِفِ بِالْإِيمَانِ ، ثُمَّ عُمُومُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يُبْطِلُ الْمُرَادَ . وَهُوَ الْحَثُّ عَلَى مُتَابَعَةِ سَبِيلِهِمْ .
وَالْجَاهِلُ غَيْرُ مُرَادٍ ، ثُمَّ الْمَخْصُوصُ حُجَّةٌ ، وَالسَّبِيلُ عَامٌّ . وَالتَّأْوِيلُ بِمُتَابَعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ بِمُتَابَعَتِهِمْ فِي الْإِيمَانِ ، أَوْ الِاجْتِهَادِ : لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ ، وَلَيْسَ تَبْيِينُ الْهُدَى شَرْطًا لِلْوَعِيدِ بِالِاتِّبَاعِ ، بَلْ لِلْمُشَاقَّةِ ; لِأَنَّ إطْلَاقَهَا لِمَنْ عَرَفَ الْهُدَى أَوَّلًا ، وَلِأَنَّ تَبْيِينَ الْأَحْكَامِ الْفُرُوعِيَّةِ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْمُشَاقَّةِ . فَإِنَّ مَنْ تَبَيَّنَ لَهُ صِدْقُ الرَّسُولِ وَتَرَكَهُ . فَقَدْ شَاقَّهُ ، وَلَوْ جَهِلَهَا . وَمَا قِيلَ : مِنْ أَنَّ الْآيَةَ ظَاهِرَةٌ ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ حُجَّةٌ إلَّا الْإِجْمَاعَ . فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ : مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ نَصٍّ قَاطِعٍ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ ، أَوْ اسْتِدْلَالٌ قَطْعِيٌّ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَظْنُونٌ ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِئَلَّا يَلْزَمَ رَفْعُ النَّقِيضَيْنِ أَوْ اجْتِمَاعُهُمَا ، أَوْ الْعَمَلُ بِالْمَرْجُوحِ ، وَهُوَ خِلَافُ الْعَقْلِ ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } وَالْمَشْرُوطُ عُدِمَ عِنْدَ عَدَمِ
[ ص: 227 ] شَرْطِهِ . فَاتِّفَاقُهُمْ كَافٍ ، وَاعْتُرِضَ عَدَمُ الرَّدِّ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ : أَنَّهُ إنْ بُنِيَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَهُوَ كَافٍ . وَإِلَّا فَفِيهِ تَجْوِيزُ الْإِجْمَاعِ بِلَا دَلِيلٍ ، ثُمَّ لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الشَّرْطِ . فَإِنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِي نِزَاعِ مُجْتَهِدِينَ مُتَأَخِّرِينَ ، لِإِجْمَاعٍ سَابِقٍ . رُدَّ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنْ احْتَاجَ إلَى مُسْتَنَدٍ فَقَدْ يَكُونُ قِيَاسًا . وَالثَّانِي مُشْكِلٌ جِدًّا . قَالَهُ
الْآمِدِيُّ . وَاخْتَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ مُرَادَ الْآيَةِ فِيمَا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ خَطَأٌ ، وَإِنْ ظَنَنَّاهُ رَدَدْنَاهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وَلَا تَفَرَّقُوا } وَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ تَفَرُّقٌ . وَالنَّهْيُ عَنْ التَّفَرُّقِ لَيْسَ فِي الِاعْتِصَامِ لِلتَّأْكِيدِ . وَمُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ وَتَخْصِيصُهُ بِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ لَا يَمْنَعُ الِاحْتِجَاجَ بِهِ ، وَلَا يَخْتَصُّ الْخِطَابُ بِالْمَوْجُودِينَ زَمَنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ التَّكْلِيفَ لِكُلِّ مَنْ وُجِدَ مُكَلَّفًا ، كَمَا سَبَقَ . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } فَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى بَاطِلٍ كَانُوا قَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى مُنْكَرٍ لَمْ يُنْهَوْا عَنْهُ ، وَمَعْرُوفٍ لَمْ يُؤْمَرُوا بِهِ ، وَهُوَ خِلَافُ مَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَهُمْ أُمَّةً وَسَطًا أَيْ عُدُولًا ، وَرَضِيَ بِشَهَادَتِهِمْ مُطْلَقًا .
وَعَلَى ذَلِكَ اعْتِرَاضَاتٌ وَأَجْوِبَةٌ يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهَا . وَعَنْ
أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46613إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَارَكُمْ مِنْ ثَلَاثِ خِلَالٍ : أَنْ لَا يَدْعُوَ عَلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ فَتَهْلَكُوا جَمِيعًا ، وَأَنْ لَا يَظْهَرَ أَهْلُ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ ، وَأَنْ لَا تَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ } رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبُو دَاوُد . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30024لَا تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ضَلَالَةٍ أَبَدًا } رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسٍ مَرْفُوعًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46614لَا تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ضَلَالَةٍ . فَإِنْ رَأَيْتُمْ الِاخْتِلَافَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ ، الْحَقِّ وَأَهْلِهِ } رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12510وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ ، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=1584أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46615عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ . إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي إلَّا عَلَى هُدًى } رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=1584أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36876مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ } رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=11998وَأَبُو دَاوُد ، وَلَهُمَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46616أَلَا إنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ يَعْنِي : فِرْقَةً ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ . وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ } وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46617إنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي - أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ . وَمَنْ شَذَّ [ ص: 228 ] شَذَّ فِي النَّارِ } رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=99ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30216لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ } وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46618إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=98جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46619حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ } رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46620عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ . فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ . مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ } رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=16298وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46621مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ } رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14724أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ .
قَالَ
الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ : السُّنَّةُ أَقْرَبُ الطُّرُقِ إلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً قَاطِعَةً . وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا لِكَوْنِهِ حُجَّةً قَاطِعَةً بِأَنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ إجْمَاعَ مُجْتَهِدِي الْعَصْرِ عَلَى قَطْعٍ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ مِنْ غَيْرِ اطِّلَاعٍ عَلَى دَلِيلٍ قَاطِعٍ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ . فَوَجَبَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ تَقْرِيرُ نَصٍّ قَاطِعٍ فِيهِ ، وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُقَدَّمٌ عَلَى الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ . فَكَانَ قَاطِعًا ، وَإِلَّا تَعَارَضَ الْإِجْمَاعَانِ لِتَقْدِيمِ الْقَاطِعِ عَلَى غَيْرِهِ إجْمَاعًا