وحاصل ما ذكره الشيخ قاسم في تصحيحه : أنه لا فرق بين المفتي والقاضي إلا أن المفتي مخبر عن الحكم والقاضي ملزم به ، وأن الحكم والفتيا بالقول المرجوح جهل وخرق للإجماع ، [ ص: 75 ] وأن بالإجماع ، وأن الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل اتفاقا ، وهو المختار في المذهب ، وأن الخلاف خاص بالقاضي المجتهد ، وأما المقلد فلا ينفذ قضاؤه ، بخلاف مذهبه أصلا كما في القنية . [ ص: 76 ] الحكم الملفق باطل
قلت : ولا سيما في زماننا ، فإن السلطان ينص في منشوره على نهيه عن القضاء بالأقوال الضعيفة ، فكيف بخلاف مذهبه فيكون معزولا بالنسبة لغير المعتمد من مذهبه ، فلا ينفذ قضاؤه فيه وينقض كما بسط في قضاء الفتح والبحر والنهر وغيرها . قال في البرهان : وهذا صريح الحق الذي يعض عليه بالنواجذ ، نعم أمر الأمير متى صادف فصلا مجتهدا فيه نفذ أمره ، كما في سير التتارخانية وشرح السير الكبير فليحفظ . [ ص: 77 ] وقد ذكروا أن المجتهد المطلق قد فقد ، وأما المقيد فعلى سبع مراتب مشهورة . وأما نحن فعلينا اتباع ما رجحوه وما صححوه كما لو أفتوا في حياتهم .
فإن قلت : قد يحكون أقوالا بلا ترجيح ، وقد يختلفون في الصحيح . قلت : يعمل بمثل ما عملوا من اعتبار [ ص: 78 ] تغير العرف وأحوال الناس ، وما هو الأوفق وما ظهر عليه التعامل وما قوي وجهه ، ولا يخلو الوجود عمن يميز هذا حقيقة لا ظنا ، وعلى من لم يميز أن يرجع لمن يميز لبراءة ذمته ، فنسأل الله تعالى التوفيق والقبول ، بجاه الرسول ، كيف لا وقد يسر الله تعالى ابتداء تبييضه في الروضة المحروسة ، والبقعة المأنوسة ، تجاه وجه صاحب الرسالة ، وحائز الكمال والبسالة ، وضجيعيه الجليلين الضرغامين الكاملين رضي الله عنهما ، وعن سائر الصحابة أجمعين ، ووالدينا ومقلديهم بإحسان إلى يوم الدين ، ثم تجاه الكعبة الشريفة تحت الميزاب ، وفي الحطيم والمقام ، والله الميسر للتمام .