الكلام الفصيح قسمان: مزية اللفظ ومزية النظم
504- واعلم أنه ليس للحجج والدلائل في صحة ما نحن عليه حد ونهاية . وكلما انتهى منه باب انفتح فيه باب آخر . وقد أردت أن آخذ في نوع آخر من الحجاج ، ومن البسط والشرح، فتأمل ما أكتبه لك :
505- اعلم أن الكلام الفصيح ينقسم قسمين : قسم تعزى المزية والحسن فيه إلى اللفظ . وقسم يعزى ذلك فيه إلى النظم .
[ ص: 430 ]
القسم الأول " الكناية " و " الاستعارة " و " التمثيل على حد الاستعارة "
فالقسم الأول : " الكناية " و " الاستعارة " و " التمثيل الكائن على حد الاستعارة " وكل ما كان فيه، على الجملة، مجاز واتساع وعدول باللفظ عن الظاهر ، فما من ضرب من هذه الضروب إلا وهو إذا وقع على الصواب وعلى ما ينبغي، أوجب الفضل والمزية .
فإذا قلت : “ هو كثير رماد القدر " . كان له موقع وحظ من القبول لا يكون إذا قلت : “ هو كثير القرى والضيافة " .
وكذا إذا قلت : “ هو طويل النجاد " كان له تأثير في النفس لا يكون إذا قلت : “ هو طويل القامة " .
وكذا إذا قلت : “ رأيت أسدا " . كان له مزية لا تكون إذا قلت : “ رأيت رجلا يشبه الأسد ويساويه في الشجاعة " .
وكذلك إذا قلت : “ أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى " ، كان له موقع لا يكون إذا قلت : “ أراك تتردد في الذي دعوتك إليه كمن يقول : أخرج ولا أخرج، فيقدم رجلا ويؤخر أخرى " .
وكذلك إذا قلت : “ ألقى حبله على غاربه " . كان له مأخذ من القلب لا يكون إذا قلت : “ هو كالبعير الذي يلقى حبله على غاربه حتى يرعى كيف يشاء ويذهب حيث يريد " .
لا يجهل المزية فيه إلا عديم الحس ميت النفس، وإلا من لا يكلم لأنه من مبادئ المعرفة التي من عدمها لم يكن للكلام معه معنى .