[ ص: 1655 ] nindex.php?page=treesubj&link=19640_27521_28723_32491_34334_34361_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=30ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=32ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما
في الآيات السابقة بين سبحانه وتعالى الأسس التي يقوم عليها بناء الأسرة، وكيف يختار كل واحد من الزوجين صاحبه، وبين الآفات التي قد تعتري الأسرة في ابتداء تكونها، وبين أن دعائم الأسرة التي يقيمها عليها هي من الفطرة، وهي سنن الذين كانوا قبل الإسلام. وبعد هذا انتقل إلى العلاقات الاجتماعية العامة، وذلك تدرج من الخاص إلى العام، فالعلاقات في الأسرة خاصة والعلاقات بالمعاملات المالية علاقة عامة، ولذا قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل أكل المال معناه أخذه، وأطلق الأكل وأريد به الأخذ للإشارة إلى الأصل في وظيفة المال الإنسانية وهو أن يكون وسيلة لمتع الحياة التي أخصها الأكل، وإذا تحول المال من كونه وسيلة لنيل المطامع إلى أن يقصد لذاته ليكون متعة مطلوبة كالأكل، فعندئذ يكون الشح
[ ص: 1656 ] والحرص والتنازع على طلبه بحل أو بغير حل، وهذا شأن من يأخذون الباطل يستمتعون به كما يستمتع الآكل بالطعام. وعبر بأموالكم للإشارة إلى أن مال آحاد الأمة مال الأمة موزعا بين آحادها بتوزيع الله تعالى الذي قسم الأرزاق، وأن المال كله في حماية المجتمع، ولو كان مملوكا ملكا خاصا. وذكر كلمة " بينكم " للإشارة إلى أن التبادل بين الآحاد يكون على أساس من الحق، ولا يكون بالباطل، والباطل هو الطرق المحرمة لجمع المال كالربا والرشوة والسرقة والغصب والنصب والتزوير والغش والتدليس والاحتكار الآثم، وغير هذا من الأساليب التي لا تبيحها شريعة ولا يبيحها قانون.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم الاستثناء هنا منقطع، والمعنى لكن يباح لكم أخذ المال بالتجارة الناشئة عن تراض، فلا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفس أخيه ، كما ورد في بعض الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد يسأل سائل: لماذا جاء هذا بعد
nindex.php?page=treesubj&link=18081_27133_33513النهي عن أكل مال الناس بالباطل؟ والجواب عن ذلك أن بعض ما يستباح مما حرمه الله يشبه بالتجارة، فالذين يأكلون الربا يشبهون الزيادة بالكسب الذي يجيء من البيع والشراء، ولذلك حكى الله سبحانه عن المشركين أنهم قالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275إنما البيع مثل الربا ورد الله قولهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وأحل الله البيع وحرم الربا وبهذا بين الله سبحانه وتعالى حل التجارة حتى لا يتوهم أحد أن مكاسب التجارة من أكل أموال الناس بالباطل، فإنها مال حلال ما دام أساسها التراضي وطيب النفس.
والتراضي أساس العقود عامة وأساس المبادلات المالية خاصة، فلا بيع من غير تراض ولا شراء ولا إجارة ولا شركة ولا غيرها من عقود التجارة ما لم يتحقق الرضا. وقد وسع الفقهاء الباب للرضا، فأباحوا للعاقد أن يفسخ العقد إذا خفيت العيوب ولم تظهر؛ لأن الرضا لم يكن على أساس سليم، وأباحوا للعاقد
[ ص: 1657 ] أن يشترط لنفسه حق الفسخ، ومن الفقهاء من أباح له الفسخ طول مدة مجلس العقد، ولو أعلن الرضا، وذلك كله للاحتياط، ولكي يكون الرضا على أساس من العلم الصحيح والجزم القاطع، والبت القائم على بينة ومعرفة.
وهل التراضي أساس حر للتعاقد من غير قيد يقيده إلا التحريم؛ بمعنى أن كل ما يشترط ويتعاقد عليه المتعاقدون يكون حلالا ملزما للعاقدين ولو لم يرد به نص خاص. للفقهاء في ذلك منهاجان مختلفان أحدهما: أن التراضي أساس للإلزام وال التزام ولو لم يرد نص لكل عقد وشرط ما دام لا نص يمنع، فكل ما يشترطه العاقدان ويتراضيان عليه يكون لازما لا يصح نقضه، إذا لم يكن نص يحرمه، ولقد قال في ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه -: مقاطع الحقوق عند الشروط. وأكثر الحنابلة وبعض المالكية على ذلك المنهاج. والمنهاج الثاني: أنه لا يلزم من الشروط والعقود إلا ما جاء الدليل على وجوب احترامه، وهذا منهاج الشافعية والحنفية، فعندهم لا يلزم الشرط إلا إذا قام الدليل على وجوب الوفاء به.
والتجارة باب من أبواب الكسب الطيب وفيها فائدة للناس، وهي تنقل ما فيه الحاجة الإنسانية من مكان إلى مكان، وبهذا النقل تتغير قيمة الأشياء، وزيادة القيمة بهذا النقل تقارب زيادة الأشياء بالزرع، وزيادة قيم الأشياء بالتحويل الصناعي، فإن الحديد مثلا إذا تحول إلى آلة زادت قيمته بما زادت الصناعة فيه، فكذلك بنقل البضائع من مكان إلى مكان تزيد القيمة بهذا النقل.
وإن علماء المسلمين كانوا يرحبون بالتجارة التي تنقل البضائع من بلد إلى بلد ومن إقليم إلى إقليم، ولا يرحبون بالتجارة في البلد الواحد؛ لأن هذا ليس فيه طلب للأرزاق، ولأنه قد يؤدي إلى الاحتكار، وقد جاء في
القرطبي : " والبياعات التي تحصل بها الأغراض نوعان: تقلب في الحضر من غير نقلة ولا سفر، وهذا تربص واحتكار، قد رغب عنه أولو الأقدار، وزهد فيه ذوو الأخطار.
[ ص: 1658 ] والثاني: تقلب المال بالأسفار، ونقله إلى الأمصار، وهذا أليق بأهل المروءة وأعم جدوى ومنفعة " .
وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حث على الاتجار بالنقل من بلد إلى بلد، ومنع الاحتكار وما يؤدي إليه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=14008المحتكر خاطئ والجالب مرزوق " .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما جاء هذا بعد النهي عن أكل أموال الناس بالباطل؛ لأن المال عند الناس بمنزلة النفس أو قريب منها، وقد اختلف العلماء في معنى قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29ولا تقتلوا أنفسكم فقال بعضهم: معناه:
nindex.php?page=treesubj&link=9133_33481_25124_27530_9286لا يقتل أحدكم نفسه، فإن ذلك إثم، ومن قتل نفسه فقد اعتدى على نفس حرم الله قتلها، وهذا تأويل غير متفق مع السياق، وإن كان ظاهر اللفظ ربما يفيده، وقال بعضهم: إن المعنى ولا يقتل بعضكم بعضا، فإن قتل واحد منكم للآخر قتل لأنفسكم، وتحريض على الدماء بينكم، وقتل نفس كقتل الناس جميعا، ومن ذلك قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=32من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا وإن السياق على هذا يكون فيه ترق في النهي عن الاعتداء، ابتدأ بمنع الاعتداء على المال، ثم بمنع الاعتداء على النفس، فهو انتقال من الكبيرة إلى أكبر منها. وقال بعضهم إن المعنى: لا تقتلوا أنفسكم بأكل بعضكم أموال بعض، وبارتكاب المعاصي، فإن ذلك مفرق لجماعتكم مفسد لأمركم مذهب لوحدتكم، وبذلك تقتل الأمم والجماعات، وقد ارتضى هذا
ابن بشير فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29ولا تقتلوا أنفسكم أي: بارتكاب محارم الله تعالى ومعاصيه، وأكل أموالكم بينكم. وإن هذا هو الذي نرتضيه، وهو يتضمن في ثناياه النهي عن القتل بكل ضروبه؛ لأنه داخل في محارم الله.
[ ص: 1659 ] وقد ذيل الله سبحانه وتعالى النص بقوله تعالت كلماته:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29إن الله كان بكم رحيما للإشارة إلى أن الله نهى عن هذه المحرمات وأباح هذه المباحات من التجارة بكل أنواعها رحمة بكم، فكل شرع الله رحمة، وكل شرع صادر عن رحمة الله التي هي شأن من شئونه ، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
[ ص: 1655 ] nindex.php?page=treesubj&link=19640_27521_28723_32491_34334_34361_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=30وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=32وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْأُسُسَ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا بِنَاءُ الْأُسْرَةِ، وَكَيْفَ يَخْتَارُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ، وَبَيَّنَ الْآفَاتِ الَّتِي قَدْ تَعْتَرِي الْأُسْرَةَ فِي ابْتِدَاءِ تَكَوُّنِهَا، وَبَيَّنَ أَنَّ دَعَائِمَ الْأُسْرَةِ الَّتِي يُقِيمُهَا عَلَيْهَا هِيَ مِنَ الْفِطْرَةِ، وَهِيَ سُنَنُ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ. وَبَعْدَ هَذَا انْتَقَلَ إِلَى الْعَلَاقَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الْعَامَّةِ، وَذَلِكَ تَدَرُّجٌ مِنَ الْخَاصِّ إِلَى الْعَامِّ، فَالْعَلَاقَاتُ فِي الْأُسْرَةِ خَاصَّةٌ وَالْعَلَاقَاتُ بِالْمُعَامَلَاتِ الْمَالِيَّةِ عَلَاقَةٌ عَامَّةٌ، وَلِذَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ أَكْلُ الْمَالِ مَعْنَاهُ أَخْذُهُ، وَأُطْلِقَ الْأَكْلُ وَأُرِيدَ بِهِ الْأَخْذُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى الْأَصْلِ فِي وَظِيفَةِ الْمَالِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَسِيلَةً لِمُتَعِ الْحَيَاةِ الَّتِي أَخَصَّهَا الْأَكْلُ، وَإِذَا تَحَوَّلَ الْمَالُ مِنْ كَوْنِهِ وَسِيلَةً لِنَيْلِ الْمَطَامِعِ إِلَى أَنْ يُقْصَدَ لِذَاتِهِ لِيَكُونَ مُتْعَةً مَطْلُوبَةً كَالْأَكْلِ، فَعِنْدَئِذٍ يَكُونُ الشُّحُّ
[ ص: 1656 ] وَالْحِرْصُ وَالتَّنَازُعُ عَلَى طَلَبِهِ بِحِلٍّ أَوْ بِغَيْرِ حِلٍّ، وَهَذَا شَأْنُ مَنْ يَأْخُذُونَ الْبَاطِلَ يَسْتَمْتِعُونَ بِهِ كَمَا يَسْتَمْتِعُ الْآكِلُ بِالطَّعَامِ. وَعَبَّرَ بِأَمْوَالِكُمْ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ مَالَ آحَادِ الْأُمَّةِ مَالُ الْأُمَّةِ مُوَزَّعًا بَيْنَ آحَادِهَا بِتَوْزِيعِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي قَسَّمَ الْأَرْزَاقَ، وَأَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ فِي حِمَايَةِ الْمُجْتَمَعِ، وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا مِلْكًا خَاصًّا. وَذِكْرُ كَلِمَةِ " بَيْنَكُمْ " لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ التَّبَادُلَ بَيْنَ الْآحَادِ يَكُونُ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ الْحَقِّ، وَلَا يَكُونُ بِالْبَاطِلِ، وَالْبَاطِلُ هُوَ الطُّرُقُ الْمُحَرَّمَةُ لِجَمْعِ الْمَالِ كَالرِّبَا وَالرِّشْوَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ وَالنَّصْبِ وَالتَّزْوِيرِ وَالْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ وَالِاحْتِكَارِ الْآثِمِ، وَغَيْرِ هَذَا مِنَ الْأَسَالِيبِ الَّتِي لَا تُبِيحُهَا شَرِيعَةٌ وَلَا يُبِيحُهَا قَانُونٌ.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ الِاسْتِثْنَاءُ هُنَا مُنْقَطِعٌ، وَالْمَعْنَى لَكِنْ يُبَاحُ لَكُمْ أَخْذُ الْمَالِ بِالتِّجَارَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ تَرَاضٍ، فَلَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِ أَخِيهِ ، كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ يَسْأَلُ سَائِلٌ: لِمَاذَا جَاءَ هَذَا بَعْدَ
nindex.php?page=treesubj&link=18081_27133_33513النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ مَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؟ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ مَا يُسْتَبَاحُ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ يُشَبَّهُ بِالتِّجَارَةِ، فَالَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا يُشَبِّهُونَ الزِّيَادَةَ بِالْكَسْبِ الَّذِي يَجِيءُ مِنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَلِذَلِكَ حَكَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَرَدَّ اللَّهُ قَوْلَهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا وَبِهَذَا بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حِلَّ التِّجَارَةِ حَتَّى لَا يَتَوَهَّمَ أَحَدٌ أَنَّ مَكَاسِبَ التِّجَارَةِ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، فَإِنَّهَا مَالٌ حَلَالٌ مَا دَامَ أَسَاسُهَا التَّرَاضِي وَطِيبُ النَّفْسِ.
وَالتَّرَاضِي أَسَاسُ الْعُقُودِ عَامَّةً وَأَسَاسُ الْمُبَادَلَاتِ الْمَالِيَّةِ خَاصَّةً، فَلَا بَيْعَ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ وَلَا شِرَاءَ وَلَا إِجَارَةَ وَلَا شَرِكَةَ وَلَا غَيْرَهَا مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقِ الرِّضَا. وَقَدْ وَسَّعَ الْفُقَهَاءُ الْبَابَ لِلرِّضَا، فَأَبَاحُوا لِلْعَاقِدِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ إِذَا خَفِيَتِ الْعُيُوبُ وَلَمْ تَظْهَرْ؛ لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يَكُنْ عَلَى أَسَاسٍ سَلِيمٍ، وَأَبَاحُوا لِلْعَاقِدِ
[ ص: 1657 ] أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ حَقَّ الْفَسْخِ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ أَبَاحَ لَهُ الْفَسْخَ طُولَ مُدَّةِ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَلَوْ أَعْلَنَ الرِّضَا، وَذَلِكَ كُلُّهُ لِلِاحْتِيَاطِ، وَلِكَيْ يَكُونَ الرِّضَا عَلَى أَسَاسٍ مِنَ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالْجَزْمِ الْقَاطِعِ، وَالْبَتِّ الْقَائِمِ عَلَى بَيِّنَةٍ وَمَعْرِفَةٍ.
وَهَلِ التَّرَاضِي أَسَاسٌ حُرٌّ لِلتَّعَاقُدِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ يُقَيِّدُهُ إِلَّا التَّحْرِيمُ؛ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَا يُشْتَرَطُ وَيَتَعَاقَدُ عَلَيْهِ الْمُتَعَاقِدُونَ يَكُونُ حَلَالًا مُلْزِمًا لِلْعَاقِدِينَ وَلَوْ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ خَاصٌّ. لِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ مِنْهَاجَانِ مُخْتَلِفَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّرَاضِيَ أَسَاسٌ لِلْإِلْزَامِ وَالِ الْتِزَامِ وَلَوْ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ لِكُلِّ عَقْدٍ وَشَرْطٍ مَا دَامَ لَا نَصَّ يَمْنَعُ، فَكُلُّ مَا يَشْتَرِطُهُ الْعَاقِدَانِ وَيَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ يَكُونُ لَازِمًا لَا يَصِحُّ نَقْضُهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ نَصٌّ يَحَرِّمُهُ، وَلَقَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ. وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ الْمِنْهَاجِ. وَالْمِنْهَاجُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُلْزِمُ مِنَ الشُّرُوطِ وَالْعُقُودِ إِلَّا مَا جَاءَ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ احْتِرَامِهِ، وَهَذَا مِنْهَاجُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ، فَعِنْدَهُمْ لَا يُلْزِمُ الشَّرْطُ إِلَّا إِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ.
وَالتِّجَارَةُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْكَسْبِ الطَّيِّبِ وَفِيهَا فَائِدَةٌ لِلنَّاسِ، وَهِيَ تَنْقُلُ مَا فِيهِ الْحَاجَةُ الْإِنْسَانِيَّةُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَبِهَذَا النَّقْلِ تَتَغَيَّرُ قِيمَةُ الْأَشْيَاءِ، وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ بِهَذَا النَّقْلِ تُقَارِبُ زِيَادَةَ الْأَشْيَاءِ بِالزَّرْعِ، وَزِيَادَةُ قِيَمِ الْأَشْيَاءِ بِالتَّحْوِيلِ الصِّنَاعِيِّ، فَإِنَّ الْحَدِيدَ مَثَلًا إِذَا تَحَوَّلَ إِلَى آلَةٍ زَادَتْ قِيمَتَهُ بِمَا زَادَتِ الصِّنَاعَةُ فِيهِ، فَكَذَلِكَ بِنَقْلِ الْبَضَائِعِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ تَزِيدُ الْقِيمَةُ بِهَذَا النَّقْلِ.
وَإِنَّ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُرَحِّبُونَ بِالتِّجَارَةِ الَّتِي تَنْقُلُ الْبَضَائِعَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَمِنْ إِقْلِيمٍ إِلَى إِقْلِيمٍ، وَلَا يُرَحِّبُونَ بِالتِّجَارَةِ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ طَلَبٌ لِلْأَرْزَاقِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى الِاحْتِكَارِ، وَقَدْ جَاءَ فِي
الْقُرْطُبِيِّ : " وَالْبِيَاعَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ بِهَا الْأَغْرَاضُ نَوْعَانِ: تَقَلَّبٌ فِي الْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ نَقْلَةٍ وَلَا سَفَرٍ، وَهَذَا تَرَبُّصٌ وَاحْتِكَارٌ، قَدْ رَغِبَ عَنْهُ أُولُو الْأَقْدَارِ، وَزَهِدَ فِيهِ ذَوُو الْأَخْطَارِ.
[ ص: 1658 ] وَالثَّانِي: تَقَلُّبُ الْمَالِ بِالْأَسْفَارِ، وَنَقْلُهُ إِلَى الْأَمْصَارِ، وَهَذَا أَلْيَقُ بِأَهْلِ الْمُرُوءَةِ وَأَعَمُّ جَدْوَى وَمَنْفَعَةً " .
وَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَثَّ عَلَى الِاتِّجَارِ بِالنَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَمَنَعَ الِاحْتِكَارِ وَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=14008الْمُحْتَكِرُ خَاطِئٌ وَالْجَالِبُ مَرْزُوقٌ " .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا جَاءَ هَذَا بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ عِنْدَ النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ النَّفْسِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ:
nindex.php?page=treesubj&link=9133_33481_25124_27530_9286لَا يَقْتُلْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِثْمٌ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ فَقَدِ اعْتَدَى عَلَى نَفْسٍ حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَهَا، وَهَذَا تَأْوِيلٌ غَيْرُ مُتَّفِقٍ مَعَ السِّيَاقِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ رُبَّمَا يُفِيدُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمَعْنَى وَلَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَإِنَّ قَتْلَ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لِلْآخَرِ قَتْلٌ لِأَنْفُسِكُمْ، وَتَحْرِيضٌ عَلَى الدِّمَاءِ بَيْنَكُمْ، وَقَتْلُ نَفْسٍ كَقَتْلِ النَّاسِ جَمِيعًا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=32مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَإِنَّ السِّيَاقَ عَلَى هَذَا يَكُونُ فِيهِ تَرَقٍّ فِي النَّهْيِ عَنِ الِاعْتِدَاءِ، ابْتَدَأَ بِمَنْعِ الِاعْتِدَاءِ عَلَى الْمَالِ، ثُمَّ بِمَنْعِ الِاعْتِدَاءِ عَلَى النَّفْسِ، فَهُوَ انْتِقَالٌ مِنَ الْكَبِيرَةِ إِلَى أَكْبَرَ مِنْهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْمَعْنَى: لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَكْلِ بَعْضِكُمْ أَمْوَالَ بَعْضٍ، وَبِارْتِكَابِ الْمَعَاصِي، فَإِنَّ ذَلِكَ مُفَرِّقٌ لِجَمَاعَتِكُمْ مُفْسِدٌ لِأَمْرِكُمْ مُذْهِبٌ لِوَحْدَتِكُمْ، وَبِذَلِكَ تُقْتَلُ الْأُمَمُ وَالْجَمَاعَاتُ، وَقَدِ ارْتَضَى هَذَا
ابْنُ بَشِيرٍ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَيْ: بِارْتِكَابِ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعَاصِيهِ، وَأَكْلِ أَمْوَالِكُمْ بَيْنَكُمْ. وَإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي نَرْتَضِيهِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ فِي ثَنَايَاهُ النَّهْيَ عَنِ الْقَتْلِ بِكُلِّ ضُرُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي مَحَارِمِ اللَّهِ.
[ ص: 1659 ] وَقَدْ ذَيَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى النَّصَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ اللَّهَ نَهَى عَنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَبَاحَ هَذِهِ الْمُبَاحَاتِ مِنَ التِّجَارَةِ بِكُلِّ أَنْوَاعِهَا رَحْمَةً بِكُمْ، فَكُلُّ شَرْعِ اللَّهِ رَحْمَةٌ، وَكُلُّ شَرْعٍ صَادِرٌ عَنِ رَحْمَةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ شَأْنٌ مِنْ شُئُونِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ