nindex.php?page=treesubj&link=30563_30569_30797_32872_34103_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=168الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا في هذا النص قولهم بعد انتهاء الحرب، وقد قالوه ليبعثوا الريب في جماهير المؤمنين، وليعلنوا تخلي الله عن نصرتهم، والمعنى: هؤلاء قالوا لإخوانهم الذين هم مثلهم لو أطاعنا المؤمنون ما قتلوا، فقد دعوناهم إلى العودة إلى
المدينة والامتناع عن الخروج ولكنهم خالفونا، فانتهوا إلى القتل، فالتقاول كان بين المنافقين أنفسهم، أو نقول: إن
[ ص: 1499 ] إخوانهم هم ذوو رحمهم وعشائرهم من المؤمنين الذين استشهدوا في أحد، والمعنى على هذا أن الذي قالوه لأجل أو في شأن إخوانهم، فاللام للتعليل وبيان الباعث على القول، فهم لا يتألمون لإخوانهم وذوي رحمهم، ولكن يلقون باللوم عليهم.
وخلاصة القول: إنهم فرحون بأنهم لم يقتلوا لأنهم لم يخرجوا، ولائمون لمن خرجوا وقتلوا، شامتون فيهم، وهم بهذا يقررون أن موتهم سببه الخروج للقتال، وقد رد الله سبحانه وتعالى ذلك عليهم ببيان أن
nindex.php?page=treesubj&link=29661_32872الموت مكتوب على الإنسان، وتقدر أسبابه، فقد يكون قتال ولا موت، وقد يكون موت من غير قتال، فقال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=168قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين
الفاء هنا هي التي تسمى فاء الإفصاح وهي تفصح عن شرط مقدر، والمعنى: إذا كنتم تظنون أنكم دفعتم عن أنفسكم الموت بامتناعكم عن الذهاب إلى الميدان وقعودكم في الديار، فادرءوا أي: ادفعوا عن أنفسكم الموت المكتوب الذي لا تفرون منه أبدا وهذا كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة والمرمى في هذا النص أنهم يعتقدون أنهم نجوا من الموت بقعودهم، فهل يعتقدون أنهم نجوا منه نهائيا؛ إنه ملاحقهم، وما دام ملاحقهم وهو حقيقة مقررة يثبتها الحس المستمر، فلماذا تفرون من القتال؟ والتعليق في قوله تعالى: " إن كنتم صادقين " لإفادة كذب حسهم، وكذب قولهم في زعمهم إن القعود سبب للنجاة، فإن الله سبحانه وتعالى يذكر لهم أنهم إن كانوا صادقين في أن القعود سبب للنجاة فليدفعوا عن أنفسهم الموت؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=32872_29661الموت لا يدفعه قعود ولا يستعجله خروج، ولتوضيح هذا الذي نقصده نقول: إن كلام هؤلاء المنافقين ككلام الكافرين الذي حكاه الله تعالى آنفا في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=156يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم [ ص: 1500 ] وإن هؤلاء قد زعموا أن القعود دافع للموت مانع من نزوله، فإن كان في إمكانهم بقعود أو نحوه أن يدفعوه فليدفعوه إذا جاء إن كانوا صادقين في هذا الزعم الذي زعموه، والمؤدى أن الموت إذا جاء الأجل ليس له من دفاع، فلا ينجي منه القعود، ولا ينزله الخروج، فزعمهم بأنهم كانوا ينجون لو لم يخرجوا زعم باطل، وإن كانوا صادقين فليدفعوه إذا نزل.
اللهم اجعل لنا في الموت عبرة، واجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم لقائك يارب العالمين.
nindex.php?page=treesubj&link=30563_30569_30797_32872_34103_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=168الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا فِي هَذَا النَّصِّ قَوْلُهُمْ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْحَرْبِ، وَقَدْ قَالُوهُ لِيَبْعَثُوا الرَّيْبَ فِي جَمَاهِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِيُعْلِنُوا تَخَلِّي اللَّهِ عَنْ نُصْرَتِهِمْ، وَالْمَعْنَى: هَؤُلَاءِ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ هُمْ مِثْلُهُمْ لَوْ أَطَاعَنَا الْمُؤْمِنُونَ مَا قُتِلُوا، فَقَدْ دَعَوْنَاهُمْ إِلَى الْعَوْدَةِ إِلَى
الْمَدِينَةِ وَالِامْتِنَاعِ عَنِ الْخُرُوجِ وَلَكِنَّهُمْ خَالَفُونَا، فَانْتَهَوْا إِلَى الْقَتْلِ، فَالتَّقَاوُلُ كَانَ بَيْنَ الْمُنَافِقِينَ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ نَقُولُ: إِنَّ
[ ص: 1499 ] إِخْوَانَهُمْ هُمْ ذَوُو رَحِمِهِمْ وَعَشَائِرُهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا فِي أُحُدٍ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّ الَّذِي قَالُوهُ لِأَجْلِ أَوْ فِي شَأْنِ إِخْوَانِهِمْ، فَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ وَبَيَانُ الْبَاعِثِ عَلَى الْقَوْلِ، فَهُمْ لَا يَتَأَلَّمُونَ لِإِخْوَانِهِمْ وَذَوِي رَحِمِهِمْ، وَلَكِنْ يُلْقُونَ بِاللَّوْمِ عَلَيْهِمْ.
وَخُلَاصَةُ الْقَوْلِ: إِنَّهُمْ فَرِحُونَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُقْتَلُوا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا، وَلَائِمُونَ لِمَنْ خَرَجُوا وَقُتِلُوا، شَامِتُونَ فِيهِمْ، وَهُمْ بِهَذَا يُقَرِّرُونَ أَنَّ مَوْتَهُمْ سَبَبُهُ الْخُرُوجُ لِلْقِتَالِ، وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِبَيَانِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29661_32872الْمَوْتَ مَكْتُوبٌ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَتُقَدَّرُ أَسْبَابُهُ، فَقَدْ يَكُونُ قِتَالٌ وَلَا مَوْتَ، وَقَدْ يَكُونُ مَوْتٌ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=168قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
الْفَاءُ هُنَا هِيَ الَّتِي تُسَمَّى فَاءَ الْإِفْصَاحِ وَهِيَ تُفْصِحُ عَنْ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ، وَالْمَعْنَى: إِذَا كُنْتُمْ تَظُنُّونَ أَنَّكُمْ دَفَعْتُمْ عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ بِامْتِنَاعِكُمْ عَنِ الذَّهَابِ إِلَى الْمَيْدَانِ وَقُعُودِكُمْ فِي الدِّيَارِ، فَادْرَءُوا أَيْ: ادْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ الْمَكْتُوبَ الَّذِي لَا تَفِرُّونَ مِنْهُ أَبَدًا وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَالْمَرْمَى فِي هَذَا النَّصِّ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ نَجَوْا مِنَ الْمَوْتِ بِقُعُودِهِمْ، فَهَلْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ نَجَوْا مِنْهُ نِهَائِيًّا؛ إِنَّهُ مُلَاحِقُهُمْ، وَمَا دَامَ مُلَاحِقَهُمْ وَهُوَ حَقِيقَةٌ مُقَرَّرَةٌ يُثْبِتُهَا الْحِسُّ الْمُسْتَمِرُّ، فَلِمَاذَا تَفِرُّونَ مِنَ الْقِتَالِ؟ وَالتَّعْلِيقُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: " إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " لِإِفَادَةِ كَذِبِ حِسِّهِمْ، وَكَذِبِ قَوْلِهِمْ فِي زَعْمِهِمْ إِنَّ الْقُعُودَ سَبَبٌ لِلنَّجَاةِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَذْكُرُ لَهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فِي أَنَّ الْقُعُودَ سَبَبٌ لِلنَّجَاةِ فَلْيَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمُ الْمَوْتَ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32872_29661الْمَوْتَ لَا يَدْفَعُهُ قُعُودٌ وَلَا يَسْتَعْجِلُهُ خُرُوجٌ، وَلِتَوْضِيحِ هَذَا الَّذِي نَقْصِدُهُ نَقُولُ: إِنَّ كَلَامَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ كَكَلَامِ الْكَافِرِينَ الَّذِي حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى آنِفًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=156يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ [ ص: 1500 ] وَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ زَعَمُوا أَنَّ الْقُعُودَ دَافِعٌ لِلْمَوْتِ مَانِعٌ مِنْ نُزُولِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي إِمْكَانِهِمْ بِقُعُودٍ أَوْ نَحْوِهِ أَنْ يَدْفَعُوهُ فَلْيَدْفَعُوهُ إِذَا جَاءَ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فِي هَذَا الزَّعْمِ الَّذِي زَعَمُوهُ، وَالْمُؤَدَّى أَنَّ الْمَوْتَ إِذَا جَاءَ الْأَجَلُ لَيْسَ لَهُ مِنْ دِفَاعٍ، فَلَا يُنْجِي مِنْهُ الْقُعُودُ، وَلَا يُنْزِلُهُ الْخُرُوجُ، فَزَعْمُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْجُونَ لَوْ لَمْ يَخْرُجُوا زَعْمٌ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فَلْيَدْفَعُوهُ إِذَا نَزَلَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنَا فِي الْمَوْتِ عِبْرَةً، وَاجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِيمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ لِقَائِكَ يَارَبَّ الْعَالَمِينَ.