nindex.php?page=treesubj&link=29555والفناء يراد به ثلاثة أمور : أحدها : هو الفناء الديني الشرعي الذي جاءت به الرسل وأنزلت به الكتب وهو أن يفنى عما لم يأمر الله به بفعل ما أمر الله به : فيفنى عن عبادة غيره بعبادته وعن طاعة غيره بطاعته وطاعة رسوله وعن التوكل على غيره بالتوكل عليه وعن محبة ما سواه بمحبته ومحبة رسوله ; وعن خوف غيره بخوفه بحيث لا يتبع العبد هواه بغير هدى من الله ، وبحيث يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1268&ayano=9قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره } فهذا كله هو مما أمر الله به ورسوله
وأما ( الفناء الثاني : وهو الذي يذكره بعض
الصوفية وهو أن يفنى عن شهود ما سوى الله تعالى فيفنى بمعبوده عن عبادته وبمذكوره عن ذكره
[ ص: 119 ] وبمعروفه عن معرفته بحيث قد يغيب عن شهود نفسه لما سوى الله تعالى فهذا حال ناقص قد يعرض لبعض السالكين وليس هو من لوازم طريق الله
ولهذا لم يعرف مثل هذا للنبي صلى الله عليه وسلم وللسابقين الأولين ومن جعل هذا نهاية السالكين فهو ضال ضلالا مبينا وكذلك من جعله من لوازم طريق الله فهو مخطئ بل هو من عوارض طريق الله التي تعرض لبعض الناس دون بعض ليس هو من اللوازم التي تحصل لكل سالك
وأما الثالث : فهو
nindex.php?page=treesubj&link=29555الفناء عن وجود السوي بحيث يرى أن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق وأن الوجود واحد بالعين فهو قول
أهل الإلحاد والاتحاد الذين هم من أضل العباد
وأما مخالفتهم لضرورة العقل والقياس : فإن الواحد من هؤلاء لا يمكنه أن يطرد قوله فإنه إذا كان مشاهدا للقدر من غير تمييز بين المأمور والمحظور فعومل بموجب ذلك مثل أن يضرب ويجاع حتى يبتلى بعظيم الأوصاب والأوجاع فإن لام من فعل ذلك به وعابه فقد نقض قوله وخرج عن أصل مذهبه وقيل له : هذا الذي فعله مقضي مقدور فخلق الله وقدره ومشيئته : متناول لك وله وهو يعمكما فإن كان القدر حجة لك فهو حجة لهذا وإلا فليس بحجة لا لك ولا له
فقد تبين بضرورة العقل فساد قول من ينظر إلى القدر ويعرض
[ ص: 120 ] عن الأمر والنهي والمؤمن مأمور بأن يفعل المأمور ويترك المحظور ويصبر على المقدور كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=416&ayano=3وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا } . وقال في قصة
يوسف : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1698&ayano=12إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } فالتقوى فعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه ولهذا قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4228&ayano=40فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار }
فأمره مع الاستغفار بالصبر ; فإن العباد لا بد لهم من الاستغفار أولهم وآخرهم قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=43368يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فوالذي نفسي بيده إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة } وقال : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595406إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة } . وكان يقول " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70320اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني ; اللهم اغفر لي خطئي وعمدي وهزلي وجدي وكل ذلك عندي ; اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر }
وقد ذكر عن
آدم أبي البشر أنه استغفر ربه وتاب إليه فاجتباه ربه فتاب عليه وهداه ; وعن إبليس أبي الجن - لعنه الله - أنه أصر متعلقا بالقدر فلعنه وأقصاه فمن
nindex.php?page=treesubj&link=19704_19718أذنب وتاب وندم فقد أشبه أباه ومن أشبه أباه فما ظلم
[ ص: 121 ] قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3638&ayano=33وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3639&ayano=33ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما }
ولهذا قرن الله سبحانه بين التوحيد والاستغفار في غير آية كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4611&ayano=47فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4265&ayano=41فاستقيموا إليه واستغفروه } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1485&ayano=11الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1486&ayano=11ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1487&ayano=11وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى }
وفي الحديث الذي رواه
ابن أبي عاصم وغيره : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70294يقول الشيطان أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار ; فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يتوبون لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا }
وقد ذكر سبحانه عن
ذي النون أنه نادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2592&ayano=21فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين } قال النبي صلى الله عليه وسلم " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70276دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه }
وجماع ذلك أنه لا بد له في الأمر من أصلين ولا بد له في القدر من أصلين .
[ ص: 122 ] ففي " الأمر " عليه الاجتهاد في الامتثال علما وعملا فلا تزال تجتهد في العلم بما أمر الله به والعمل بذلك . ثم عليه أن يستغفر ويتوب من تفريطه في المأمور وتعديه الحدود
ولهذا كان من المشروع أن
nindex.php?page=treesubj&link=19709_20023يختم جميع الأعمال بالاستغفار فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقد قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=313&ayano=3والمستغفرين بالأسحار } فقاموا بالليل وختموه بالاستغفار ، وآخر سورة نزلت قول الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6324&ayano=110إذا جاء نصر الله والفتح } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6325&ayano=110ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6326&ayano=110فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } وفي الصحيح أنه كان صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595407سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي } يتأول القرآن
وأما في " القدر " فعليه أن يستعين بالله في فعل ما أمر به ويتوكل عليه ويدعوه ; ويرغب إليه ويستعيذ به ويكون مفتقرا إليه في طلب الخير وترك الشر
وعليه أن يصبر على المقدور ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ; وإذا آذاه الناس علم أن ذلك مقدر عليه
ومن هذا الباب احتجاج
آدم وموسى لما قال : يا
آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته ; لماذا أخرجتنا
[ ص: 123 ] ونفسك من الجنة ؟ فقال له
آدم : أنت
موسى الذي اصطفاك الله بكلامه فبكم وجدت مكتوبا علي من قبل أن أخلق : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2489&ayano=20وعصى آدم ربه فغوى } قال : بكذا وكذا فحج
آدم موسى
وذلك أن
موسى لم يكن عتبه
لآدم لأجل الذنب فإن
آدم قد كان تاب منه والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ; ولكن لأجل المصيبة التي لحقتهم من ذلك . وهم مأمورون أن ينظروا إلى القدر في المصائب وأن يستغفروا من المعائب كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4228&ayano=40فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك }
فمن راعى الأمر والقدر كما ذكر : كان عابدا لله مطيعا له مستعينا به متوكلا عليه من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ; وحسن أولئك رفيقا
وقد جمع الله سبحانه بين هذين الأصلين في مواضع كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1إياك نعبد وإياك نستعين } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1607&ayano=11فاعبده وتوكل عليه } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1572&ayano=11عليه توكلت وإليه أنيب } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5284&ayano=65ومن يتق الله يجعل له مخرجا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5285&ayano=65ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا }
فالعبادة لله والاستعانة به {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595408وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند الأضحية [ ص: 124 ] اللهم منك ولك } فما لم يكن بالله لا يكون ; فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله وما لم يكن بالله فلا ينفع ولا يدوم
nindex.php?page=treesubj&link=29555وَالْفَنَاءُ يُرَادُ بِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ : أَحَدُهَا : هُوَ الْفَنَاءُ الدِّينِيُّ الشَّرْعِيُّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَأُنْزِلَتْ بِهِ الْكُتُبُ وَهُوَ أَنْ يَفْنَى عَمَّا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ بِفِعْلِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ : فَيَفْنَى عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِهِ بِعِبَادَتِهِ وَعَنْ طَاعَةِ غَيْرِهِ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَعَنْ التَّوَكُّلِ عَلَى غَيْرِهِ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَعَنْ مَحَبَّةِ مَا سِوَاهُ بِمَحَبَّتِهِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ ; وَعَنْ خَوْفِ غَيْرِهِ بِخَوْفِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَّبِعُ الْعَبْدُ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ ، وَبِحَيْثُ يَكُونُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1268&ayano=9قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } فَهَذَا كُلُّهُ هُوَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ
وَأَمَّا ( الْفَنَاءُ الثَّانِي : وَهُوَ الَّذِي يَذْكُرُهُ بَعْضُ
الصُّوفِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَفْنَى عَنْ شُهُودِ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَفْنَى بِمَعْبُودِهِ عَنْ عِبَادَتِهِ وَبِمَذْكُورِهِ عَنْ ذِكْرِهِ
[ ص: 119 ] وَبِمَعْرُوفِهِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِحَيْثُ قَدْ يَغِيبُ عَنْ شُهُودِ نَفْسِهِ لِمَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا حَالٌ نَاقِصٌ قَدْ يَعْرِضُ لِبَعْضِ السَّالِكِينَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ لَوَازِمَ طَرِيقِ اللَّهِ
وَلِهَذَا لَمْ يُعْرَفْ مِثْلُ هَذَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَمَنْ جَعَلَ هَذَا نِهَايَةَ السَّالِكِينَ فَهُوَ ضَالٌّ ضَلَالًا مُبِينًا وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ لَوَازِمِ طَرِيقِ اللَّهِ فَهُوَ مُخْطِئٌ بَلْ هُوَ مِنْ عَوَارِضِ طَرِيقِ اللَّهِ الَّتِي تَعْرِضُ لِبَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ لَيْسَ هُوَ مِنْ اللَّوَازِمِ الَّتِي تَحْصُلُ لِكُلِّ سَالِكٍ
وَأَمَّا الثَّالِثُ : فَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=29555الْفَنَاءُ عَنْ وُجُودِ السَّوِيِّ بِحَيْثُ يَرَى أَنَّ وُجُودَ الْمَخْلُوقِ هُوَ عَيْنُ وُجُودِ الْخَالِقِ وَأَنَّ الْوُجُودَ وَاحِدٌ بِالْعَيْنِ فَهُوَ قَوْلُ
أَهْلِ الْإِلْحَادِ وَالِاتِّحَادِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَضَلِّ الْعِبَادِ
وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُمْ لِضَرُورَةِ الْعَقْلِ وَالْقِيَاسِ : فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَطْرُدَ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُشَاهِدًا لِلْقَدَرِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ فَعُومِلَ بِمُوجِبِ ذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يُضْرَبَ وَيُجَاعَ حَتَّى يُبْتَلَى بِعَظِيمِ الْأَوْصَابِ وَالْأَوْجَاعِ فَإِنْ لَامَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ وَعَابَهُ فَقَدْ نَقَضَ قَوْلُهُ وَخَرَجَ عَنْ أَصْلِ مَذْهَبِهِ وَقِيلَ لَهُ : هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ مَقْضِيٌّ مَقْدُورٌ فَخَلْقُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ وَمَشِيئَتُهُ : مُتَنَاوَلٌ لَك وَلَهُ وَهُوَ يَعُمُّكُمَا فَإِنْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً لَك فَهُوَ حُجَّةٌ لِهَذَا وَإِلَّا فَلَيْسَ بِحُجَّةِ لَا لَك وَلَا لَهُ
فَقَدْ تَبَيَّنَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ يَنْظُرُ إلَى الْقَدَرِ وَيُعْرِضُ
[ ص: 120 ] عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَفْعَلَ الْمَأْمُورَ وَيَتْرُكَ الْمَحْظُورَ وَيَصْبِرَ عَلَى الْمَقْدُورِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=416&ayano=3وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا } . وَقَالَ فِي قِصَّةِ
يُوسُفَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1698&ayano=12إنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } فَالتَّقْوَى فِعْلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَتَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4228&ayano=40فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ }
فَأَمَرَهُ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ بِالصَّبْرِ ; فَإِنَّ الْعِبَادَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=43368يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إلَى رَبِّكُمْ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِر اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةٍ } وَقَالَ : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595406إنَّهُ ليغان عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِر اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ } . وَكَانَ يَقُولُ " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70320اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ; اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَئِي وَعَمْدِي وَهَزْلِي وَجِدِّي وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي ; اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت وَمَا أَسْرَرْت وَمَا أَعْلَنْت وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ }
وَقَدْ ذَكَرَ عَنْ
آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَتَابَ إلَيْهِ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَاهُ ; وَعَنْ إبْلِيسَ أَبِي الْجِنِّ - لَعَنَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَصَرَّ مُتَعَلِّقًا بِالْقَدَرِ فَلَعَنَهُ وَأَقْصَاهُ فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19704_19718أَذْنَبَ وَتَابَ وَنَدِمَ فَقَدْ أَشْبَهَ أَبَاهُ وَمَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ
[ ص: 121 ] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3638&ayano=33وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=3639&ayano=33لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }
وَلِهَذَا قَرَنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَيْنَ التَّوْحِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي غَيْرِ آيَةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4611&ayano=47فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4265&ayano=41فَاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1485&ayano=11الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1486&ayano=11أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّهَ إنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1487&ayano=11وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى }
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَغَيْرُهُ : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70294يَقُولُ الشَّيْطَانُ أَهْلَكْت النَّاسَ بِالذُّنُوبِ وَأَهْلَكُونِي بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَالِاسْتِغْفَارِ ; فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِكَ بَثَثْت فِيهِمْ الْأَهْوَاءَ فَهُمْ يُذْنِبُونَ وَلَا يَتُوبُونَ لِأَنَّهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا }
وَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ
ذِي النُّونِ أَنَّهُ نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2592&ayano=21فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=70276دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ مَا دَعَا بِهَا مَكْرُوبٌ إلَّا فَرَّجَ اللَّهُ كَرْبَهُ }
وَجِمَاعُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ فِي الْأَمْرِ مَنْ أَصْلَيْنِ وَلَا بُدَّ لَهُ فِي الْقَدَرِ مِنْ أَصْلَيْنِ .
[ ص: 122 ] فَفِي " الْأَمْرِ " عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ فِي الِامْتِثَالِ عِلْمًا وَعَمَلًا فَلَا تَزَالُ تَجْتَهِدُ فِي الْعِلْمِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَالْعَمَلِ بِذَلِكَ . ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ وَيَتُوبَ مِنْ تَفْرِيطِهِ فِي الْمَأْمُورِ وَتَعَدِّيهِ الْحُدُودَ
وَلِهَذَا كَانَ مِنْ الْمَشْرُوعِ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19709_20023يَخْتِمَ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ بِالِاسْتِغْفَارِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ صِلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=313&ayano=3وَالْمُسْتَغْفِرِين بِالْأَسْحَارِ } فَقَامُوا بِاللَّيْلِ وَخَتَمُوهُ بِالِاسْتِغْفَارِ ، وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=6324&ayano=110إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6325&ayano=110وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=6326&ayano=110فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595407سُبْحَانَك اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي } يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ
وَأَمَّا فِي " الْقَدَرِ " فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِاَللَّهِ فِي فِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ وَيَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ وَيَدْعُوَهُ ; وَيَرْغَبَ إلَيْهِ وَيَسْتَعِيذَ بِهِ وَيَكُونَ مُفْتَقِرًا إلَيْهِ فِي طَلَبِ الْخَيْرِ وَتَرْكِ الشَّرِّ
وَعَلَيْهِ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى الْمَقْدُورِ وَيَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ; وَإِذَا آذَاهُ النَّاسُ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ عَلَيْهِ
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ احْتِجَاجُ
آدَمَ وَمُوسَى لَمَّا قَالَ : يَا
آدَمَ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَك اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَك مَلَائِكَتَهُ ; لِمَاذَا أَخْرَجْتنَا
[ ص: 123 ] وَنَفْسَك مِنْ الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ لَهُ
آدَمَ : أَنْتَ
مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ بِكَلَامِهِ فَبِكَمْ وَجَدْتَ مَكْتُوبًا عَلَيَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُخْلَقَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2489&ayano=20وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } قَالَ : بِكَذَا وَكَذَا فَحَجَّ
آدَمَ مُوسَى
وَذَلِكَ أَنَّ
مُوسَى لَمْ يَكُنْ عَتَبُهُ
لِآدَمَ لِأَجْلِ الذَّنْبِ فَإِنَّ
آدَمَ قَدْ كَانَ تَابَ مِنْهُ وَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ; وَلَكِنْ لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي لَحِقَتْهُمْ مِنْ ذَلِكَ . وَهُمْ مَأْمُورُونَ أَنْ يَنْظُرُوا إلَى الْقَدَرِ فِي الْمَصَائِبِ وَأَنْ يَسْتَغْفِرُوا مِنْ المعائب كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4228&ayano=40فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ }
فَمَنْ رَاعَى الْأَمْرَ وَالْقَدَرَ كَمَا ذَكَرَ : كَانَ عَابِدًا لِلَّهِ مُطِيعًا لَهُ مُسْتَعِينًا بِهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ مِنْ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ; وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا
وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ فِي مَوَاضِعَ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1607&ayano=11فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1572&ayano=11عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5284&ayano=65وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=5285&ayano=65وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا }
فَالْعِبَادَةُ لِلَّهِ وَالِاسْتِعَانَةُ بِهِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=595408وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ الْأُضْحِيَّةِ [ ص: 124 ] اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك } فَمَا لَمْ يَكُنْ بِاَللَّهِ لَا يَكُونُ ; فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ بِاَللَّهِ فَلَا يَنْفَعُ وَلَا يَدُومُ