فأما من نونهما فلما مر في تنوين سلاسل; لأنهما صيغة منتهى الجمع، ذاك على مفاعل، وذا على مفاعيل. والوقف بالألف التي هي بدل من التنوين، وفيه موافقة المصاحف المذكورة فإنهما مرسومان فيها بالألف على ما نقل وأما عدم تنوينهما وعدم الوقف بالألف فظاهر جدا. وأما من نون الأول دون الثاني، فإنه ناسب بين الأول وبين رؤوس الآي. ولم يناسب بين الثاني وبين الأول. والوجه في وقفه على الأول بالألف وعلى الثاني بغير ألف ظاهر. وقد روى أبو عبيد. أنه كذلك في مصاحف أهل أبو عبيد البصرة.
وأما من لم ينونهما، ووقف على الأول بالألف، وعلى الثاني [ ص: 609 ] بدونها; فلأن الأول رأس آية فناسب بينه وبين رؤوس الآي في الوقف بالألف. وفرق بينه وبين الثاني; لأنه ليس برأس آية. وأما من لم ينونهما ووقف عليهما بالألف فلأنه ناسب بين الأول وبين رؤوس الآي وناسب بين الثاني وبين الأول. وحصل مما تقدم في "سلاسل" وفي هذين الحرفين أن القراء منهم من وافق مصحفه، ومنهم من خالفه لاتباع الأثر. وتقدم الكلام على "قوارير" في سورة النمل ولله الحمد.
وقال : "وهذا التنوين بدل من حرف الإطلاق لأنه فاصلة، وفي الثاني لإتباعه الأول"، يعني أنهم يأتون بالتنوين بدلا من حرف الإطلاق الذي للترنم، كقوله: الزمخشري
4448- يا صاح ما هاج الدموع الذرفن
وفي انتصاب "قوارير" وجهان، أحدهما - وهو الظاهر - أنه خبر كان. والثاني: أنها حال، و"كان" تامة أي: كونت فكانت. قال : وحسن التكرير لما اتصل به من بيان أصلها، ولولا التكرير لم يحسن أن يكون الأول رأس آية لشدة اتصال الصفة بالموصوف. وقرأ أبو البقاء "قوارير" بالرفع على إضمار مبتدأ أي: هي قوارير. و"من فضة" صفة لـ "قوارير". [ ص: 610 ] قوله: الأعمش قدروها صفة لـ "قوارير". والواو في "قدروها" فيه وجهان، أحدهما: أنه للمطاف عليهم. ومعنى تقديرهم إياها: أنهم قدروها في أنفسهم أن تكون على مقادير وأشكال على حسب شهواتهم، فجاءت كما قدروا.
والثاني: أن الواو للطائفين للدلالة عليهم، من قوله تعالى: "ويطاف" والمعنى: أنهم قدروا شرابها على قدر ري الشارب، وهو ألذ الشراب لكونه على مقدار حاجته لا يفضل عنها ولا يعجز، قاله . وجوز الزمخشري أن تكون الجملة مستأنفة. أبو البقاء
وقرأ علي وابن عباس والسلمي والشعبي وزيد بن علي - في رواية وأبو عمرو - "قدروها" مبنيا للمفعول. وجعله الأصمعي من باب المقلوب قال: كأن اللفظ: قدروا عليها. وفي المعنى قلب; لأن حقيقة المعنى أن يقال: قدرت عليهم، فهي مثل قوله: الفارسي لتنوء بالعصبة أولي القوة ومثل قول العرب: "إذا طلعت الجوزاء ألقي العود على الحرباء". وقال : ووجهه أن يكون من قدر منقولا من قدر. تقول: قدرت [الشيء] وقدرنيه فلان، [ ص: 611 ] إذا جعلك قادرا له ومعناه: جعلوا قادرين لها كما شاؤوا، وأطلق لهم أن يقدروا على حسب ما اشتهوا. وقال الزمخشري : "قدرت الأواني على قدر ريهم" ففسر بعضهم قول أبو حاتم أبي حاتم هذا قال: فيه حذف على حذف: وهو أنه كان: "قدر على قدر ريهم إياها" ثم حذف "على" فصار: "قدر ريهم" على ما لم يسم فاعله، ثم حذف "قدر" فصار "ريهم" ما لم يسم فاعله، فحذف الري فصارت الواو مكان الهاء والميم، لما حذف المضاف مما قبلها، وصارت الواو مفعول ما لم يسم فاعله، واتصل ضمير المفعول الثاني في تقدير النصب بالفعل بعد الواو التي تحولت من الهاء والميم، حتى أقيمت مقام الفاعل. قلت: وفي هذا التخريج من التكلف ما لا يخفى مع عجرفة ألفاظه.
وقال الشيخ : "والأقرب في تخريج هذه القراءة الشاذة: "قدر ريهم منها تقديرا" فحذف المضاف وهو الري، وأقيم الضمير مقامه، فصار التقدير: قدروا منها، ثم اتسع في الفعل فحذفت "من" ووصل الفعل إلى الضمير بنفسه فصار: "قدروها" فلم يكن فيه إلا حذف مضاف واتساع في الفعل". قلت: وهذا منتزع من تفسير كلام أبي حاتم.