والخطبة مصدر مضاف للمفعول أي: من خطبتكم النساء، فحذف الفاعل للعلم به. والخطبة مصدر في الأصل بمعنى الخطب، والخطب: الحاجة، ثم خصت بالتماس النكاح لأنه بعض الحاجات، يقال: ما خطبك؟ أي: ما حاجتك. وقال "الخطبة مصدر بمعنى الخطب وهي من قولك: إنه لحسن الجلسة والقعدة أي: الجلوس والقعود، والخطبة [ ص: 482 ] - بالضم - الكلام المشتمل على الوعظ والزجر، وكلاهما من الخطب الذي هو الكلام، وكانت الفراء: سجاح يقال لها خطب فتقول: نكح.
قوله: "أو أكننتم"" أو" هنا للإباحة أو التخيير أو التفصيل أو الإبهام على المخاطب، وأكن في نفسه شيئا أي: أخفاه، وكن الشيء بثوب ونحوه: أي ستره به، فالهمزة في "أكن" للتفرقة بين الاستعمالين كأشرقت وشرقت. ومفعول "أكن" محذوف يعود على "ما" الموصولة في قوله: "فيما عرضتم" أي: أو أكننتموه. فـ "في أنفسكم" متعلق بـ "أكننتم"، ويضعف جعله حالا من المفعول المقدر.
قوله: "ولكن" هذا الاستدراك فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه استدراك من الجملة قبله، وهي قوله: "ستذكرونهن"، فإن الذكر يقع على أنحاء كثيرة ووجوه متعددة، فاستدرك منه وجه نهي فيه عن ذكر مخصوص، ولو لم يستدرك لكان من الجائز، لاندراجه تحت مطلق الذكر. وهو نظير: "زيد سيلقى خالدا ولكن لا يواجهه بشر". لما كانت أحوال اللقاء كثيرة، من جملتها مواجهته بالشر، استدركت هذه الحالة من بينها. والثاني - قاله - :أنه مستدرك من قوله: أبو البقاء "فيما عرضتم" وليس بواضح. والثالث: - قاله - أن المستدرك منه جملة محذوفة قبل "لكن" تقديره: "فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن سرا" وقد تقدم أن المعنى على [ ص: 483 ] الاستدراك من الجملة قبله فلا حاجة إلى حذف...، وإنما الذي يحتاجه ما بعد "لكن" وقوع ما قبلها من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، لأن نفي المواجهة بالشر يستدعي وقوع اللقاء. الزمخشري
قوله: "سرا" فيه خمسة أوجه، أحدها: أن يكون مفعولا ثانيا لتواعدوهن. والثاني أنه حال من فاعل "تواعدوهن" أي: لا تواعدوهن مستخفين بذلك. والثالث: أنه نعت مصدر محذوف أي: مواعدة سرا. والرابع: أنه حال من ذلك المصدر المعرف، أي: المواعدة مستخفية. والخامس: أن ينتصب على الظرف مجازا أي: في سر. وعلى الأقوال الأربعة فلا بد من حذف مفعول تقديره: لا تواعدوهن نكاحا.
والسر: ضد الجهر، وقيل: يطلق على الوطء وعلى الزنا بخصوصية، وأنشدوا للحطيئة:
1000 - ويحرم سر جارتهم عليهم ويأكل جارهم أنف القصاع
وقول الآخر - هو الأعشى -: 1001 - ولا تقربن جارة إن سرها حرام عليك فانكحن أو تأبدا
ورد عليه الشيخ بأن الاستثناء المنقطع ليس من شرطه صحة تسلط العامل عليه بل هو على قسمين: قسم يصح فيه ذلك، وفيه لغتان: لغة الحجاز وجوب النصب مطلقا نحو: "ما جاء أحد إلا حمارا"، ولغة تميم إجراؤه مجرى المتصل فيجرون فيه النصب والبدلية بشرطه، وقسم لا يصح فيه ذلك نحو: "ما زاد إلا ما نقص"، و "ما نفع إلا ما ضر". وحكم هذا النصب عند العرب قاطبة، فالقسمان يشتركان في التقدير بلكن عند البصريين، إلا أن أحدهما يصح تسلط العامل عليه في قولك: "ما جاء أحد إلا حمار" لو قلت: "ما جاء إلا حمار" صح بخلاف القسم الثاني، فإنه [ ص: 485 ] لا يتوجه عليه العامل" ولتحقيق هذا موضع هو أليق به، وقد تقدم منه طرف صالح.
قوله: "عقدة" في نصبه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه مفعول به على أنه ضمن "عزم" معنى ما يتعدى بنفسه وهو: تنووا أو تباشروا ونحو ذلك. والثاني: أنه منصوب على إسقاط حرف الجر وهو "على"، فإن "عزم" يتعدى بها، قال:
1002 - عزمت على إقامة ذي صباح لأمر ما يسود من يسود
1003 - ولقد أبيت على الطوى وأظله حتى أنال به كريم المطعم
قوله: "فاحذروه" الهاء في "فاحذروه" تعود على الله تعالى، ولا بد من حذف مضاف أي: فاحذروا عقابه. ويحتمل أن تعود على "ما" في قوله: "ما في أنفسكم" بمعنى ما في أنفسكم من العزم على ما لا يجوز، قاله الزمخشري.