وقرأ "الحق من ربك" نصبا، وفيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه منصوب على البدل من الحق المكتوم، قاله علي بن أبي طالب: الثاني: أن يكون منصوبا بإضمار "الزم" ويدل عليه الخطاب بعده [في] قوله: "فلا تكونن" الثالث: أنه يكون منصوبا بـ "يعلمون" قبله. وذكر هذين الوجهين ابن عطية، وعلى هذا الوجه الأخير يكون مما وقع فيه الظاهر موقع المضمر أي: وهم يعلمونه كائنا من ربك، وذلك سائغ حسن في أماكن التفخيم والتهويل نحو: [ ص: 171 ] الزمخشري
768 - لا أرى الموت يسبق الموت شيء . . . . . .
والنهي عن الكون على صفة أبلغ من النهي عن نفس الصفة فلذلك جاء التنزيل عليه: نحو "فلا تكونن من الممترين" "فلا تكونن من الجاهلين" دون: لا تمتر ولا تجهل ونحوه، وتقرير ذلك أن قوله: "لا تكن ظالما" نهي عن الكون بهذه الصفة، والنهي عن الكون على صفة أبلغ من النهي عن تلك الصفة، إذ النهي عن الكون على صفة يدل على عموم الأكوان المستقبلة عن تلك الصفة، والمعنى لا تظلم في كل أكوانك أي: في كل فرد فرد من أكوانك فلا يمر بك وقت يؤخذ منك فيه ظلم، فيصير كأن فيه نصا على سائر الأكوان بخلاف: لا تظلم، فإنه يستلزم الأكوان، وفرق بين ما يدل دلالة بالنص وبين ما يدل دلالة بالاستلزام.
والامتراء: افتعال من المرية وهي الشك، ومنه المراء قال:
769 - فإياك إياك المراء فإنه إلى الشر دعاء وللشر جالب
وماريته: جادلته وشاكلته فيما يدعيه، وافتعل فيه بمعنى تفاعل يقال: تماروا في كذا وامتروا فيه نحو: تجاوروا، واجتوروا. وقال "المرية: التردد في الأمر وهي أخص من الشك، والامتراء والمماراة: المحاجة فيما فيه مرية، وأصله من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها للحلب" [ ص: 172 ] ففرق بين المرية والشك كما ترى، وهذا كما تقدم له الفرق بين الريب والشك، وأنشد الراغب: قول الطبري الأعشى:
770 – تدر على أسؤق الممتريـ ـن ركضا إذا ما السراب ارجحن
شاهدا على أن الممترين الشاكون، قال: "ووهم في ذلك لأن وغيره قالوا: الممترون في البيت هم الذين يمرون الخيل بأرجلهم همزا لتجري [كأنهم] يتحلبون الجري منها". أبا عبيدة