آ . (39) قوله تعالى : ولما يأتهم : جملة حالية من الموصول أي : سارعوا إلى تكذيبه حال عدم إتيان التأويل . قال : " فإن قلت : ما معنى التوقع في قوله تعالى : الزمخشري ولما يأتهم تأويله ؟ قلت : معناه أنهم كذبوا به على البديهة قبل التدبر ومعرفة التأويل " ، ثم قال أيضا : " ويجوز أن يكون المعنى : ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب ، أي : عاقبته حتى يتبين لهم أكذب هو أم صدق " انتهى . وفي وضعه " لم " موضع " لما " نظر لما عرفت ما بينهما من الفرق . ونفيت جملة الإحاطة بـ " لم " وجملة إتيان التأويل بـ " لما " لأن " لم " للنفي المطلق على الصحيح ، و " لما " لنفي الفعل المتصل بزمن الحال ، فالمعنى : أن عدم التأويل متصل بزمن الإخبار .
و " كذلك " نعت لمصدر محذوف ، أي : مثل ذلك التكذيب كذب الذين من قبلهم ، أي : قبل النظر والتدبر .
وقوله : فانظر كيف كان " كيف " خبر لـ " كان " ، والاستفهام معلق للنظر . قال : " قال ابن عطية : " كيف " في موضع نصب على خبر كان ، ولا يجوز أن يعمل فيها " انظر " لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه ، هذا [ ص: 206 ] قانون النحويين لأنهم عاملوا " كيف " في كل مكان معاملة الاستفهام المحض في قولك " كيف زيد " ولـ " كيف " تصرفات غير هذا فتحل محل المصدر الذي هو " كيفية " وتخلع معنى الاستفهام ، ويحتمل هذا الموضع أن يكون منها . ومن تصرفاتها قولهم : " كن كيف شئت " وانظر قول الزجاج : " كيف كان بدء الوحي " فإنه لم يستفهم " . انتهى . فقول البخاري " لا يجوز أن تعمل " انظر " في " كيف " يعني لا تتسلط عليها ولكن هو متسلط على الجملة المنسحب عليها حكم الاستفهام وهكذا سبيل كل تعليق . الزجاج
قال [الشيخ] : " وقول : هذا قانون النحويين إلى آخره ليس كما ذكر بل لـ " كيف " معنيان ، أحدهما : الاستفهام المحض ، وهو سؤال عن الهيئة إلا أن يعلق عنها العامل ، فمعناها معنى الأسماء التي يستفهم بها إذا علق عنها العامل . والثاني : الشرط كقول ابن عطية العرب : " كيف تكون أكون " . وقوله : " ولـ " كيف " تصرفات إلى آخره ليس " كيف " تحل محل المصدر ، ولا لفظ " كيفية " هو مصدر ، إنما ذلك نسبة إلى " كيف " ، وقوله : " ويحتمل أن يكون هذا الموضع منها ، ومن تصرفاتها قولهم : " كن كيف شئت " لا يحتمل أن يكون منها ؛ لأنه لم يثبت لها المعنى الذي ذكر من كون " كيف " بمعنى كيفية وادعاء مصدرية " كيفية " .
وأما " كن كيف شئت " فـ " كيف " ليست بمعنى كيفية ، وإنما هي شرطية وهو المعنى الثاني الذي لها ، وجوابها محذوف ، التقدير : كيف شئت فكن ، كما تقول : " قم متى شئت " فـ " متى " اسم شرط ظرف لا يعمل فيه " قم " والجواب محذوف تقديره : متى شئت فقم ، وحذف الجواب لدلالة ما قبله عليه كقولهم : " اضرب زيدا إن أساء إليك " ، التقدير : إن أساء إليك فاضربه ، وحذف " فاضربه " لدلالة " اضرب " المتقدم عليه .
وأما قول [ ص: 207 ] : " كيف كان بدء الوحي " فهو استفهام محض : إما على سبيل الحكاية كأن سائلا سأله فقال : كيف كان بدء الوحي ، [وإما أن يكون من قوله هو ، كأنه سأل نفسه : كيف كان بدء الوحي ؟ ] فأجاب بالحديث الذي فيه كيفية ذلك " . البخاري
وقوله : الظالمين من وضع الظاهر موضع المضمر ، ويجوز أن يراد به ضمير من عاد عليه ضمير " بل كذبوا " ، وأن يراد به " الذين من قبلهم " .