قوله ولكن تصديق " تصديق " عطف على خبر كان ، ووقعت " لكن " أحسن موقع إذ هي بين نقيضين : وهما التكذيب والتصديق المتضمن للصدق . وقرأ الجمهور " تصديق " و " تفصيل " بالنصب وفيه أوجه ، أحدها : العطف على خبر " كان " وقد تقدم ذلك ، ومثله : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله . والثاني : أنه خبر " كان " مضمرة تقديره : ولكن كان تصديق ، وإليه ذهب الكسائي والفراء وابن سعدان . وهذا كالذي قبله في المعنى . والثالث : أنه منصوب على المفعول من أجله لفعل مقدر ، أي : وما كان هذا القرآن أن يفترى ، ولكن أنزل للتصديق . والرابع : أنه منصوب على المصدر بفعل مقدر أيضا . والتقدير : ولكن يصدق تصديق الذي بين يديه من الكتب . والزجاج
وقرأ : " تصديق " بالرفع ، وكذلك التي في يوسف . ووجهه الرفع على خبر مبتدأ محذوف ، أي : ولكن هو تصديق ، ومثله قول الشاعر : [ ص: 203 ] عيسى بن عمر
2597 - ولست الشاعر السفساف فيهم ولكن مدره الحرب العوان
برفع " مدره " على تقدير : أنا مدره . وقال : " ويجوز عندهما أي - عند مكي الكسائي - الرفع على تقدير : ولكن هو تصديق " ، قلت : كأنه لم يطلع على أنها قراءة . والفراءوزعم وجماعة أن الفراء العرب إذا قالت : " ولكن " بالواو آثرت تشديد النون ، وإذا لم تكن الواو آثرت التخفيف . وقد ورد في قراءات السبعة التخفيف . وقد ورد في قراءات السبعة التخفيف والتشديد نحو ولكن الشياطين ولكن الله رمى .
قوله : لا ريب فيه فيه أوجه أحدها : أن يكون حالا من " الكتاب " وجاز مجيء الحال من المضاف إليه لأنه مفعول في المعنى . والمعنى : وتفصيل الكتاب منتفيا عنه الريب . والثاني : أنه مستأنف فلا محل له من الإعراب . والثالث : أنه معترض بين " تصديق " وبين من رب العالمين إذ التقدير : ولكن تصديق الذين بين يديه من رب العالمين .
قال : فإن قلت : بم اتصل قوله الزمخشري لا ريب فيه من رب العالمين ؟ قلت : هو داخل في حيز الاستدراك كأنه قيل : ولكن كان تصديقا وتفصيلا منتفيا عنه الريب كائنا من رب العالمين . ويجوز أن يراد به " ولكن كان تصديقا من رب العالمين [وتفصيلا منه لا ريب في ذلك ، فيكون من رب العالمين] متعلقا [ ص: 204 ] بـ " تصديق " و " تفصيل " ويكون لا ريب فيه اعتراضا كما تقول : زيد لا شك فيه كريم " انتهى .
قوله : من رب يجوز فيه أوجه أحدها : أن يكون متعلقا بـ " تصديق " أو بـ " تفصيل " ، وتكون المسألة من باب التنازع ؛ إذ يصح أن يتعلق بكل من العاملين من جهة المعنى . وهذا هو الذي أراد بقوله : " فيكون الزمخشري " من رب " متعلقا بـ " تصديق " و " تفصيل " يعني أنه متعلق بكل منهما من حيث المعنى . وأما من حيث الإعراب فلا يتعلق إلا بأحدهما ، وأما الآخر فيعمل في ضميره كما تقدم تحريره غير مرة ، والإعمال هنا حينئذ إنما هو للثاني بدليل الحذف من الأول . والوجه الثاني : أن " من رب " حال ثانية . والثالث : إنه متعلق بذلك الفعل المقدر ، أي : أنزل للتصديق من رب العالمين .