آ . (23) قوله تعالى : إذا هم يبغون : جواب " لما " ، وهي " إذا " الفجائية . وقوله : " بغير الحق " حال ، أي : ملتبسين بغير الحق . قال : " فإن قلت : ما معنى قوله : الزمخشري " بغير الحق " والبغي لا يكون بحق ؟ قلت : بلى وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفار وهدم دورهم وإحراق زروعهم وقطع أشجارهم ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة " ، وكان قد فسر البغي [ ص: 174 ] بالفساد والإمعان فيه ، من " بغى الجرح : إذا ترامى للفساد " . ولذلك قال : " إنه الترقي في الفساد " ، وقال الزجاج أيضا : " بغى الجرح : ترقى إلى الفساد ، وبغت المرأة : فجرت " ، قال الشيخ " ولا يصح أن يقال في المسلمين إنهم باغون على الكفرة ، إلا إن ذكر أن أصل البغي هو الطلب مطلقا ، ولا يتضمن الفساد ، فحينئذ ينقسم إلى طلب بحق وطلب بغير حق " ، قلت : وقد تقدم أن هذه الآية ترد على الأصمعي أن " لما " ظرف بمعنى حين ؛ لأن ما بعد " إذا " الفجائية لا يعمل فيما قبلها ، وإذ قد فرض كون " لما " ظرفا لزم أن يكون لها عامل . الفارسي
قوله : متاع الحياة قرأ حفص " متاع " نصبا ، ونصبه على خمسة أوجه ، أحدها : أنه منصوب على الظرف الزماني نحو " مقدم الحاج " ، أي : زمن متاع الحياة . والثاني : أنه منصوب على المصدر الواقع موقع الحال ، أي : متمتعين . والعامل في هذا الظرف وهذه الحال الاستقرار الذي في الخبر ، وهو " عليكم " . ولا يجوز أن يكونا منصوبين بالمصدر لأنه يلزم منه الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر ، وقد تقدم أنه لا يخبر عن الموصول إلا بعد تمام صلته . والثالث : نصبه على المصدر المؤكد بفعل مقدر ، أي : يتمتعون متاع الحياة . الرابع : أنه منصوب على المفعول به بفعل مقدر يدل عليه المصدر ، أي : يبغون متاع الحياة . ولا جائز أن ينتصب بالمصدر لما تقدم . الخامس : أن ينتصب على المفعول من أجله ، أي : لأجل متاع والعامل فيه : إما الاستقرار المقدر في " عليكم " ، وإما فعل مقدر . ويجوز أن يكون الناصب له حال جعله ظرفا أو حالا أو مفعولا من أجله نفس البغي [ ص: 175 ] لا على جعل " على أنفسكم " خبرا بل على جعله متعلقا بنفس البغي ، والخبر محذوف لطول الكلام ، والتقدير : إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة مذموم أو مكروه أو منهي عنه .
وقرأ باقي السبعة " متاع " بالرفع . وفيه أوجه ، أحدها - : وهو الأظهر - أنه خبر " بغيكم " و " على أنفسكم " متعلق بالبغي .
ويجوز أن [يكون] " عليكم " خبرا ، و " متاع " خبرا ثانيا ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو متاع . ومعنى " على أنفسكم " ، أي : على بعضكم وجنسكم كقوله ولا تقتلوا أنفسكم ولا تلمزوا أنفسكم ، أو يكون المعنى : إن وبال البغي راجع عليكم لا يتعداكم كقوله : وإن أسأتم فلها ومن أساء فعليها .
وقرأ ابن أبي إسحاق " متاعا الحياة " بنصب " متاعا " و " الحياة " . فـ " متاعا " على ما تقدم . وأما " الحياة " فيجوز أن تكون مفعولا بها ، والناصب لها المصدر ، ولا يجوز والحالة هذه أن يكون " متاعا " مصدرا مؤكدا لأن المؤكد لا يعمل . ويجوز أن تنتصب " الحياة " على البدل من " متاعا " لأنها مشتملة عليه .
وقرئ أيضا " متاع الحياة " بجر " متاع " ، وخرجت على النعت لأنفسكم ، ولا بد من حذف مضاف حينئذ تقديره : على أنفسكم ذوات متاع الحياة ، كذا خرجه بعضهم . ويجوز أن يكون مما حذف منه حرف الجر [ ص: 176 ] وبقي عمله ، أي : إنما بغيكم على أنفسكم لأجل متاع ، ويدل على ذلك قراءة النصب في وجه من يجعله مفعولا من أجله ، وحذف حرف الجر وإبقاء عمله قليل ، وهذه القراءة لا تتباعد عنه . وقال : " ويجوز أن يكون المصدر بمعنى اسم الفاعل ، أي : متمتعات " يعني أنه يجعل المصدر نعتا لـ " أنفسكم " من غير حذف مضاف بل على المبالغة أو على جعل المصدر بمعنى اسم الفاعل . ثم قال : " ويضعف أن يكون بدلا إذ أمكن أن يجعل صفة " ، قلت : وإذا جعل بدلا على ضعفه فمن أي قبيل البدل يجعل ؟ والظاهر أنه من بدل الاشتمال ، ولا بد من ضمير محذوف حينئذ ، أي : متاع الحياة الدنيا لها . أبو البقاء
وقرئ " فينبئكم " بياء الغيبة ، والفاعل ضمير الباري تعالى .