وقرأ " رجل " بسكون الجيم ، وهي لغة رؤبة تميم ، يسكنون فعلا [ ص: 145 ] نحو : سبع وعضد . وقرأ " عجب " . وفيها تخريجان ، أظهرهما : أنها التامة ، أي : أحدث للناس عجب ، و عبد الله بن مسعود " أن أوحينا " متعلق بـ " عجب " على حذف لام العلة ، أي : عجب لأن أوحينا ، أو يكون على حذف " من " ، أي : من أن أوحينا . والثاني : أن تكون الناقصة ، ويكون قد جعل اسمها النكرة وخبرها المعرفة ، على حد قوله :
2559 - ... ... ... ... يكون مزاجها عسل وماء
وقال : " والأجود أن تكون التامة ، و الزمخشري " أن أوحينا " بدل من " عجب " . يعني به بدل اشتمال أو كل من كل ؛ لأنه جعل هذا نفس العجب مبالغة . والتخريج الثاني لابن عطية .قوله : أن أنذر يجوز أن تكون المصدرية ، وأن تكون التفسيرية . ثم لك في المصدرية اعتباران ، أحدهما : أن تجعلها المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الأمر والشأن محذوف . كذا قال الشيخ ، وفيه نظر من حيث إن أخبار هذه الأحرف لا تكون جملة طلبية ، حتى لو ورد ما يوهم ذلك يؤول على إضمار القول كقوله :
2560 - ولو أصابت لقالت وهي صادقة إن الرياضة لا تنصبك للشيب
وقول الآخر :
[ ص: 146 ]
2561 - إن الذين قتلتم أمس سيدهم لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما
وأيضا فإن الخبر في هذا الباب إذا وقع جملة فعلية فلا بد من الفصل بأشياء ذكرتها في المائدة ، ولكن ذلك الفاصل هنا متعذر . والثاني : أنها التي بصدد أن تنصب الفعل المضارع ، وهي توصل بالفعل المتصرف مطلقا نحو : " كتبت إليه بأن قم " . وقد تقدم لنا في ذلك بحث أيضا ولم يذكر المنذر به ، وقد ذكر المبشر به كما سيأتي لأن المقام يقتضي ذلك .
قوله : أن لهم قدم " أن " وما في حيزها هي المبشر بها ، أي : بشرهم باستقرار قدم صدق ، فحذفت الباء ، فجرى في محلها المذهبان . والمراد بقدم صدق السابقة والفضل والمنزلة الرفيعة . وإليه ذهب الزجاج ومنه قول والزمخشري : ذي الرمة
2562 - لهم قدم لا ينكر الناس أنها مع الحسب العادي طمت على البحر
لما كان السعي والسبق بالقدم سمي السعي المحمود قدما ، كما سميت اليد نعمة لما كانت صادرة عنها ، وأضيف إلى الصدق دلالة على فضله ، وهو من باب: رجل صدق ورجل سوء . وقيل : هو سابقة الخير التي قدموها ، ومنه قول وضاح اليمني :
2563 – ما لك وضاح دائم الغزل ألست تخشى تقارب الأجل
صل لذي العرش واتخذ قدما تنجيك يوم العثار والزلل
2564 - ذل بنو العوام من آل الحكم وتركوا الملك لملك ذي قدم
أي : ذي تقدم وشرف . و " لهم " خبر مقدم ، و " قدم " اسمها ، و " عند ربهم " صفة لـ " قدم " . ومن جوز أن يتقدم معمول خبر " أن " على اسمها إذا كان حرف جر كقوله :
2565 - فلا تلحني فيها فإن بحبها أخاك مصاب القلب جم بلابله
قال : فـ " بحبها " متعلق بـ " مصاب " ، وقد تقدم على الاسم فكذلك " لهم " يجوز أن يكون متعلقا بـ " عند ربهم " لما تضمن من الاستقرار ، ويكون " عند ربهم " هو الخبر .
وقرأ نافع وأبو عمرو " لسحر " والباقون وابن عامر " لساحر " ، فـ " هذا " يجوز أن يكون إشارة للقرآن ، وأن يكون إشارة للرسول على القراءة الأولى ، ولكن لا بد من تأويل على قولنا : إن المشار إليه هو النبي عليه السلام ، أي : ذو سحر أو جعلوه إياه مبالغة . وأما على القراءة الثانية فالإشارة للرسول عليه السلام فقط .