قوله : ويتربص عطف على " يتخذ " فهو : إما صلة وإما صفة . والتربص : الانتظار . والدوائر : جمع دائرة ، وهي ما يحيط بالإنسان من مصيبة ونكبة ، تصورا من الدائرة المحيطة بالشيء من غير انفلات منها . وأصلها داورة لأنها من دار يدور ، أي : أحاط . ومعنى " تربص الدوائر " ، أي : انتظار المصائب قال :
2536 - تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوما أو يموت حليلها
قوله : عليهم دائرة السوء هذه الجملة معترضة بين جمل هذه القصة وهي دعاء على الأعراب المتقدمين ، وقرأ ابن كثير هنا " السوء " [ ص: 106 ] وكذا الثانية في الفتح بالضم ، والباقون بالفتح . وأما الأولى في الفتح وهي " ظن السوء " فاتفق على فتحها السبعة . فأما المفتوح ، فقيل : هو مصدر . قال وأبو عمرو : " يقال : سؤته سوءا ومساءة وسوائية ومسائية ، وبالضم الاسم " قال الفراء : " وهو الضرر وهو مصدر في الحقيقة " . قلت : يعني أنه في الأصل كالمفتوح في أنه مصدر ثم أطلق على كل ضرر وشر . وقال أبو البقاء : " من فتح السين فمعناه الفساد والرداءة ، ومن ضمها فمعناه الهزيمة والبلاء والضرر " . وظاهر هذا أنهما اسمان لما ذكر ، ويحتمل أن يكونا في الأصل مصدرا ثم أطلقا على ما ذكر . وقال غيره : المضموم : العذاب والضرر ، والمفتوح : الذم ، ألا ترى أنه أجمع على فتح " ظن السوء " وقوله : مكي ما كان أبوك امرأ سوء ولا يليق ذكر العذاب بهذين الموضعين .
وقال فأحسن : " المضموم : العذاب ، والمفتوح ذم لدائرة ، كقولك : " رجل سوء " في نقيض " رجل عدل " ، لأن من دارت عليه يذمها " يعني أنها من باب إضافة الموصوف إلى صفته فوصفت في الأصل بالمصدر مبالغة ، ثم أضيفت لصفتها كقوله تعالى : الزمخشري ما كان [ ص: 107 ] أبوك امرأ سوء . قال الشيخ : " وقد حكي بالضم " وأنشد :
2537 - وكنت كذئب السوء لما رأى دما بصاحبه يوما أحال على الدم
وفي الدائرة مذهبان أظهرهما : أنها صفة على فاعلة كقائمة . وقال : " إنها يجوز أن تكون مصدرا كالعافية " . الفارسي
وقوله : بكم الدوائر فيه وجهان ، أظهرهما : أن الباء متعلقة بالفعل قبلها . والثاني : أنها حال من " الدوائر " قاله . وليس بظاهر ، وعلى هذا فيتعلق بمحذوف على ما تقرر غير مرة . أبو البقاء