آ . (17) قوله تعالى : ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله : " أن يعمروا " اسم كان . وقرأ ابن كثير " مسجد الله " بالإفراد وهي تحمل وجهين : أن يراد به مسجد بعينه ، وهو وأبو عمرو المسجد الحرام لقوله : وعمارة المسجد الحرام ، وأن يكون اسم جنس فتندرج فيه سائر المساجد ، ويدخل المسجد الحرام دخولا أوليا . وقرأ الباقون " مساجد " بالجمع ، وهي أيضا محتملة للأمرين . ووجه الجمع : إما لأن كل بقعة من المسجد الحرام يقال لها مسجد ، وإما لأنه قبلة سائر المساجد ، فصح أن يطلق عليه لفظ الجمع لذلك .
قوله : شاهدين الجمهور على قراءته بالياء نصبا على الحال من فاعل [ ص: 30 ] " يعمروا " . وقرأ " شاهدون " بالواو رفعا على خبر ابتداء مضمر ، والجملة حال أيضا . وقرأ زيد بن علي ابن السميفع " يعمروا " بضم الياء وكسر الميم من أعمر رباعيا ، والمعنى : أن يعينوا على عمارته .
قوله : على أنفسهم الجمهور على " أنفسهم " جمع نفس . وقرئ " أنفسهم " بفتح الفاء ، ووجهها أن يراد بالأنفس- وهو الأشرف الأجل ، من النفاسة - رسول الله صلى الله عليه وسلم . قيل : لأنه ليس بطن من بطون العرب إلا وله فيهم ولادة . وهذا المعنى منقول في تفسير قراءة الجمهور أيضا ، وهو مع هذه القراءة أوضح .
قوله : وفي النار هم خالدون هذه جملة مستأنفة ، و " في النار " متعلق بالخبر ، وقدم للاهتمام به ، ولأجل الفاصلة . وقال : " أي : وهم خالدون في النار ، وقد وقع الظرف بين حرف العطف والمعطوف " . قلت : فيه نظر من حيث إنه يوهم أن هذه الجملة معطوفة على ما قبلها عطف المفرد على مثله تقديرا ، وليس كذلك بل هي مستأنفة ، وإذا كانت مستأنفة ، فلا يقال فيها فصل الظرف بين حرف العطف والمعطوف ، وإنما ذلك في المتعاطفين المفردين أو في تأويلهما ، وقد تقدم تحقيق هذا في قوله تعالى : أبو البقاء ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وفي قوله : وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل .
[ ص: 31 ] وقرأ : " خالدين " بالياء نصبا على الحال من الضمير المستتر في : الجار قبله ، لأن الجار صار خبرا كقولك : " في الدار زيد قاعدا " ، فقد رفع زيد بن علي " شاهدين " ، ونصب " خالدون " عكس قراءة الجمهور فيهما . زيد بن علي