ولما كان مدحهم هذا في غاية الإبلاغ مع الإيجاز، وكان فيه - إلى تبليغ ما لهم - تحريك إلى مثل أعمالهم، وكان الأكل الذي هو من أعظم المآرب مشارا إليه بالمدح العظيم الذي من جملته الاستراحة على الأسرة التي علم أن من عادة الملوك أنهم لا يتسنمونها إلا بعد قضاء الوطر منه فلم يبق بعده إلا ما تدعو الحاجة إليه من المشارب وما يتبعها قال تعالى: بأكواب أي: كيزان مستديرة الأفواه بلا عرى ولا خراطيم لا يعوق الشارب منها عائق عن الشرب من أي موضع أراد منها فلا يحتاج أن يحول الإناء إلى الحالة التي تناوله عنها ليشرب، ويمكن أن تكون [ ص: 204 ] البدأة بالشراب لما نالوا من المتاعب من العطش كما لمن يشرب من الحوض فيكون حينئذ قبل الأكل والله أعلم وأباريق أي: أوان لها عرى وخراطيم فيها من أنواع المشارب ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وكأس أي إناء معد للشرب فيه والشراب نفسه.
ولما كان الشراب عاما بينه بقوله: من معين أي: خمر جارية صافية صفاء الماء ليس يتكلف عصرها بل ينبع كما ينبع الماء.