فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم
يأمر تعالى بتقواه، التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، وقيد ذلك بالاستطاعة والقدرة. فهذه الآية، تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد، يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض المأمور، وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ".
ويدخل تحت هذه القاعدة الشرعية من الفروع، ما لا يدخل تحت الحصر، وقوله: واسمعوا أي: اسمعوا ما يعظكم الله به، وما يشرعه لكم من [ ص: 1842 ] الأحكام، واعلموا ذلك وانقادوا له وأطيعوا الله ورسوله في جميع أموركم، وأنفقوا من النفقات الشرعية الواجبة والمستحبة، يكن ذلك الفعل منكم خيرا لكم في الدنيا والآخرة، فإن الخير كله في امتثال أوامر الله تعالى وقبول نصائحه، والانقياد لشرعه، والشر كله، في مخالفة ذلك.
ولكن ثم آفة تمنع كثيرا من الناس، من النفقة المأمور بها، وهو الشح المجبولة عليه أكثر النفوس، فإنها تشح بالمال، وتحب وجوده، وتكره خروجه من اليد غاية الكراهة.
فمن وقاه الله شر شح نفسه بأن سمحت نفسه بالإنفاق النافع لها فأولئك هم المفلحون لأنهم أدركوا المطلوب، ونجوا من المرهوب، بل لعل ذلك شامل لكل ما أمر به العبد، ونهي عنه، فإنه إن كانت نفسه شحيحة، لا تنقاد لما أمرت به، ولا تخرج ما قبلها، لم يفلح، بل خسر الدنيا والآخرة، وإن كانت نفسه نفسا سمحة مطمئنة منشرحة لشرع الله، طالبة لمرضاته، فإنها ليس بينها وبين فعل ما كلفت به إلا العلم به، ووصول معرفته إليها، والبصيرة بأنه مرض لله تعالى، وبذلك تفلح وتنجح وتفوز كل الفوز.
ثم رغب تعالى في النفقة فقال: إن تقرضوا الله قرضا حسنا وهو كل نفقة كانت من الحلال، إذا قصد بها العبد وجه الله تعالى وطلب مرضاته، ووضعها في موضعها يضاعفه لكم النفقة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.
( و ) مع المضاعفة أيضا " يغفر لكم " بسبب الإنفاق والصدقة ذنوبكم، فإن الذنوب يكفرها الله بالصدقات والحسنات: إن الحسنات يذهبن السيئات .
والله شكور حليم لا يعاجل من عصاه، بل يمهله ولا يهمله، ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى والله تعالى شكور يقبل من عباده اليسير من العمل، ويجازيهم عليه الكثير من الأجر، ويشكر تعالى لمن تحمل من أجله المشاق والأثقال، وأنواع التكاليف الثقال، ومن ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه.
عالم الغيب والشهادة أي: ما غاب من العباد من الجنود التي لا [ ص: 1843 ] يعلمها إلا هو، وما يشاهدونه من المخلوقات، العزيز الذي لا يغالب ولا يمانع، الذي قهر جميع الأشياء، الحكيم في خلقه وأمره، الذي يضع الأشياء مواضعها.
تم تفسير السورة، ولله الحمد .