أمره بأن يقررهم بقوله : من يرزقكم ثم أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله : يرزقكم الله . وذلك بالإشعار بأنهم مقرون به بقلوبهم ، إلا أنهم ربما أبوا أن يتكلموا به ; لأن الذي تمكن في صدورهم من العناد وحب الشرك قد ألجم أفواههم عن النطق بالحق [ ص: 121 ] مع علمهم بصحته ، ولأنهم إن تفوهوا بأن الله رازقهم ، لزمهم أن يقال لهم : فما لكم لا تعبدون من يرزقكم وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق ، ألا ترى إلى قوله : قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع [يونس : 31 ] حتى قال : فسيقولون الله [يونس : 31 ] ثم قال : فماذا بعد الحق إلا الضلال فكأنهم كانوا يقرون بألسنتهم مرة ، ومرة كانوا يتلعثمون عنادا وضرارا وحذارا من إلزام الحجة ، ونحوه قوله عز وجل : قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا [الرعد : 16 ] وأمره أن يقول لهم بعد الإلزام والإلجام الذي لم يزد على إقرارهم بألسنتهم لم يتقاصر عنه وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ومعناه : وإن أحد الفريقين من الذين يوحدون الرازق من السماوات والأرض بالعبادة ومن الذين يشركون به الجماد الذي لا يوصف بالقدرة ، لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال ، وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موال أو مناف قال لمن خوطب به : قد أنصفك صاحبك ، وفى درجة بعد تقدمه ما قدم من التقرير البليغ دلالة غير خفية على من هو من الفريقين على الهدى ومن هو في الضلال المبين ، ولكن التعريض والتورية أفضل بالمجادل إلى الغرض ، وأهجم به على الغلبة ، مع قلة شغب الخصم وفل شوكته بالهوينا ونحوه قول الرجل لصاحبه : علم الله الصادق مني ومنك ، وإن أحدنا لكاذب . ومنه بيت [من الوافر ] : حسان
[ ص: 122 ]
أتهجوه ولست له بكفء ؟ فشركما لخيركما الفداء
فإن قلت : كيف خولف بين حرفى الجر الداخلين على الحق والضلال ؟ قلت : لأن صاحب الحق كأنه مستعل على فرس جواد يركضه حيث شاء ، والضال كأنه منغمس في ظلام مرتبك فيه لا يدري أن يتوجه . وفى قراءة : (وإنا أو إياكم إما على هدى أو في ضلال مبين ) . أبي