مكية كلها على المعتمد، وروي عن ابن عباس، أنهما قالا: إلا ثلاث آيات من أولها، واستثنى بعضهم رابعة، وهي قوله سبحانه: وقتادة لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين وكل ذلك واه جدا لا يلتفت إليه، وما اعتمدناه كغيرنا هو الثابت عن الحبر، وقد أخرجه النحاس، وأبو الشيخ، عنه، وأخرجه الأخير عن وابن مردويه وهو الذي يقتضيه ما أخرجه ابن الزبير وصححه عن الحاكم رفاعة بن رافع من حديث طويل يحكى فيه قدوم رافع مكة وإسلامه وتعليم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إياه هذه السورة و (اقرأ باسم ربك) وآياتها مائة وإحدى عشرة آية بالإجماع على ما نقل عن الداني وغيره، وسبب نزولها على ما روي عن سعد بن أبي وقاص وقيل: هو تسلية الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم عما يفعله به قومه بما فعلت إخوة أنه أنزل القرآن على رسول الله عليه الصلاة والسلام فتلاه على أصحابه زمانا فقالوا: يا رسول الله لو قصصت علينا فنزلت، يوسف عليه السلام به، وقيل: إن اليهود سألوه صلى الله تعالى عليه وسلم أن يحدثهم بأمر يعقوب وولده وشأن يوسف وما انتهى إليه فنزلت، وقيل: إن كفار مكة أمرتهم اليهود أن يسألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن السبب الذي أحل بني إسرائيل بمصر فسألوه فنزلت؛ ويبعد القولين الأخيرين فيما زعموا ما أخرجه في الدلائل من طريق البيهقي عن الكلبي أبي صالح عن ابن عباس أن حبرا من اليهود دخل على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فوافقه وهو يقرأ سورة يوسف فقال: يا محمد من علمكها؟ قال: الله علمنيها فعجب الحبر لما سمع منه فرجع إلى اليهود فقال لهم: والله إن محمدا ليقرأ القرآن كما أنزل في التوراة، فانطلق بنفر منهم حتى دخلوا عليه فعرفوه بالصفة ونظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه فجعلوا يستمعون إلى قراءة سورة يوسف فتعجبوا وأسلموا عند ذلك، وفي القلب من صحة الخبر ما فيه، ووجه مناسبتها للتي قبلها اشتمالها على شرح ما قاساه بعض الأنبياء عليهم السلام من الأقارب، وفي الأولى ذكر ما لقوا من الأجانب، وأيضا قد وقع فيما قبل فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب وقوله سبحانه: رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت ووقع هنا حال يعقوب مع أولاده وما صارت إليه عاقبة أمرهم مما هو أقوى شاهد على الرحمة، وقد جاء عن ابن عباس، وجابر بن زيد أن يونس نزلت، ثم هود ثم يوسف، وعد هذا وجها آخر من وجوه المناسبة.
بسم الله الرحمن الرحيم الر الكلام فيه وفي نظائره شهير وقد تقدم لك منه ما فيه إقناع، والإشارة في قوله سبحانه: تلك آيات الكتاب إليه في قول، وإلى ( آيات ) هذه السورة في آخر، وأشير إليها مع أنها لم تذكر بعد لتنزيلها لكونها مترقبة منزلة المتقدم أو لجعل حضورها في الذهن بمنزلة الوجود الخارجي والإشارة بما يشار به للبعيد، أما على الثاني فلأن ما أشير إليه لما لم يكن محسوسا نزل منزلة البعيد لبعده عن حيز الإشارة أو العظمة وبعد مرتبته وعلى غيره لذلك، أو لأنه لما وصل من المرسل إلى المرسل إليه صار كالمتباعد.
وزعم بعضهم أن الإشارة إلى ما في اللوح وهو بعيد، وأبعد من ذلك كون الإشارة إلى التوراة والإنجيل أو الآيات التي ذكرت في سورة هود؛ والمراد بالكتاب إما هذه السورة أو القرآن، وقد تقدم لك في يونس ما يؤنسك تذكره هنا فتذكر ( المبين ) من أبان بمعنى بان أي ظهر فهو لازم أي الظاهر أمره في كونه من [ ص: 171 ] عند الله تعالى وفي إعجازه أو الواضح معانيه للعرب بحيث لا تشتبه عليهم حقائقه ولا تلتبس عليهم دقائقه وكأنه على المعنيين حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فارتفع واستتر ولا يعد هذا من حذف الفاعل المحظور فلا حاجة إلى القول بأن الإسناد مجازي فرارا منه، أو بمعنى بين بمعنى أظهر فهو متعد والمفعول مقدر أي المظهر ما فيه هدى ورشد، أو ما سألت عنه اليهود، أو ما أمرت أن تسأل عنه من السبب الذي أحل بني إسرائيل بمصر، أو الأحكام والشرائع وخفايا الملك والملكوت وأسرار النشأتين وغير ذلك من الحكم والمعارف والقصص.
وعن ابن عباس، الاقتصار على الحلال والحرام وما يحتاج إليه في أمر الدين، وأخرج ومجاهد عن ابن جرير خالد بن معدان عن رضي الله تعالى عنه أنه قال في ذلك: بين الله تعالى فيه الحروف التي سقطت عن ألسن الأعاجم، وهي ستة أحرف: الطاء والظاء والصاد والضاد والعين والحاء المهملتان، والمذكور في الفرهنك وغيره من الكتب المؤلفة في اللغة الفارسية أن الأحرف الساقطة ثمانية، ونظم ذلك بعضهم فقال: معاذ
هشت حرفست أنكه أندر فارسي نايدهمي تايناموزي بناشي أندرين معنى معاف بشنوا كنون تاكدام أست أن حروف وياد كير
ثا وحا وصاد ضاد وطاء وظا وعين وقاف
ومع هذا فالأمر مبني على الشائع الغالب وإلا فبعض هذه الأحرف موجود في بعض كلماتهم كما لا يخفى على المتتبع، ولعل الوصف على الأقوال الأول أمدح منه على القول الأخير، والظاهر أن ذلك وصف له باعتبار الشرف الذاتي.