( الحمد ) الذي هو لغة الوصف بالجميل [ ص: 12 ] وعرفا فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لإنعامه وهذا هو الشكر لغة ، وأما اصطلاحا فهو صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله فهو أخص مطلقا من الثلاثة - قبله أي ماهيته إن جعلت أل للجنس وهو الأصل أو جميع أفراده إن جعلت للاستغراق وهو أبلغ [ ص: 13 ] مملوك أو مستحق ( لله ) أي لذاته وإن انتقم فلا مرد منه لغيره تعالى بالحقيقة والجملة خبرية لفظا إنشائية معنى إذ القصد بها الثناء على الله تعالى بمضمونها المذكور من اتصافه تعالى بصفات ذاته وأفعاله الجميلة وملكه واستحقاقه لجميع الحمد من الخلق .
قيل ويرادفه المدح ، ورجح واعترض وقيل بينهما فرق وفي تحقيقه أقوال وجمع بين الابتداءين الحقيقي بالبسملة والإضافي بالحمدلة [ ص: 14 ] اقتداء بالكتاب العزيز وعملا بالخبر الصحيح { } أي حال يهتم به أي وليس بمحرم ولا مكروه وقد يخرجان بذي البال ؛ لأن الظاهر أن المراد ذووه شرعا لا عرفا ولا ذكر محض ولا جعل الشارع له ابتداء بغير البسملة كالصلاة بالتكبير لا يبدأ فيه بالحمد لله . كل أمر ذي بال
وفي رواية { } بجيم فمعجمة وفي رواية { بحمد الله فهو أجذم } وفي أخرى { أقطع } أي قليل البركة ، وقيل مقطوعها وفي رواية { أبتر ببسم الله الرحمن الرحيم } وفي أخرى { بذكر الله } وهي مبنية للمراد وعدم التعارض بفرض إرادة الابتداء الحقيقي فيهما وفي أخرى سندها ضعيف { } ثم لما كان عادة البلغاء تحسين ما يكسب الكلام رونقا وطلاوة لا سيما الابتداء ثنى بما فيه براعة الاستهلال [ ص: 15 ] إشارة إلى أن تيسير هذا الكتاب الذي له هو نعمة أي نعمة إنما هو من محض بر الله وتوفيقه له وجوده عليه ولطفه به . لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة علي فهو أبتر ممحوق من كل بركة
فقال ( البر ) أي المحسن كما يدل عليه اشتقاقه من البر بسائر مواده لأنها ترجع إلى الإحسان كبر في يمينه أي صدق لأن الصدق إحسان في ذاته ، ويلزمه الإحسان للغير وأبر الله حجه أي قبله لأن القبول إحسان وزيادة ، وأبر فلان على أصحابه أي علاهم لأنه غالبا ينشأ عن الإحسان لهم فتفسيره باللطيف أو العالي في صفاته أو خالق البر أو الصادق فيما وعد أولياءه بعيد إلا أن يراد بعض ماصدقات أو غايات ذلك البر ( الجواد ) بالتخفيف أي كثير الجود أي العطاء واعترض بأنه ليس فيه توقيف أي على الأصح فلا يجوز اختراع اسم أو صفة له تعالى إلا بقرآن أو خبر صحيح وإن لم يتواتر كما صححه المصنف في الجميل بل صوبه خلافا لجمع لأن هذا من العمليات التي يكفي فيها الظن لا الاعتقاديات مصرح به لا بأصله الذي اشتق منه فحسب أي وبشرط أن لا يكون ذكره لمقابلة كما هو ظاهر نحو { وأسماؤه تعالى توقيفية أم نحن الزارعون } { والله خير الماكرين } .
وقول الحليمي يستحب لمن ألقى بذرا في أرض أن يقول الله الزارع والمنبت والمبلغ إنما يأتي في الثلاثة على المرجوح أنه لا يشترط فيما صح معناه توقيف فإن قلت الجميل ذكر للمقابلة [ ص: 16 ] أيضا إذ لفظ الحديث { } فجعل المصنف له من التوقيفي يلغي اعتبار قيد المقابلة . إن الله جميل يحب الجمال
قلت المقابلة إنما يصار إليها عند استحالة المعنى الموضوع له اللفظ في حقه تعالى وليس الجمال كذلك لأنه بمعنى إبداع الشيء على آنق وجه وأحسنه وسيأتي في الردة زيادة على ذلك ، وأجيب عنه بأن فيه مرسلا اعتضد بمسند بل روى أحمد والترمذي حديثا طويلا فيه { وابن ماجه } ولا فرق بين المنكر والمعرف لأن تعريف المنكر لا يغير معناه كما يأتي في الله الأكبر وبالإجماع النطقي المستلزم لتلقي ذلك المرسل بالقبول ولإشعار العاطف بالتغاير الحقيقي أو المنزل منزلته حذف هنا كقوله تعالى { ذلك بأني جواد ماجد الملك القدوس } { مسلمات مؤمنات } { التائبون العابدون } الآيات وأتي به في نحو { هو الأول والآخر } { ثيبات وأبكارا } { الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر }