ص ( وسكنى فوقه ) ش هذا الكلام موافق لظاهر ما في الجعل والإجارة من المدونة ولظاهر كلام ابن يونس ومخالف لظاهر ما يأتي للمصنف في إحياء الموات ولظاهر كلام ابن شاس هناك أيضا ولتابعيه القرافي أما المدونة ففي التهذيب في ترجمة الإجارة على القصاص وكره وابن الحاجب السكنى بالأهل فوق ظهر المسجد قال مالك أبو الحسن في الكبير : ونقلها ابن يونس ، وقد كره أن مالك يبني الرجل مسجدا ، ثم يبني فوقه بيتا يسكنه بأهله ابن يونس يريد ; لأنها إذا كانت معه صار يطؤها على ظهر المسجد ، وذلك مكروه ، وذكر أن مالك رضي الله عنه كان يبيت على ظهر المسجد بالمدينة في الصيف فكان لا يقرب فيه امرأة انتهى . عمر بن عبد العزيز
وقال في إحياء الموات : ويجوز للرجل جعل علو مسكنه مسجدا ، ولا يجوز جعل علو سفله مسجدا ، ويسكن العلو ; لأن له حرمة المسجد ، ونحوه في الذخيرة ، وفي الجواهر قال في التوضيح : نحوه في المدونة في باب الصلاة والواضحة ، وفي كتاب الجعل من المدونة وكره ابن الحاجب السكنى إلى آخره ، قال : فإن قلت ، فقد صرح بالكراهة هنا خلاف ما في الواضحة قيل : الظاهر حملها على المنع توفيقا بين النقلين انتهى كلامه في التوضيح ، وما نسبه للواضحة هو في أوائل الصلاة منها قال في مختصرها : وأجاز مالك للرجل يكون له سفل وعلو أن يجعل العلو مسجدا ، ويسكن السفل ، أو لم يجز له أن يجعل السفل مسجدا ، ويسكن العلو ، وفرق بين ذلك أنه إذا جعل السفل مسجدا ، وقد صار لما فوقه حرمة المسجد انتهى . مالك
وأما ما نسبه للمدونة في كتاب الصلاة فليس بصريح فيما قاله قال في آخر الصلاة الأول من التهذيب : ولا يبني فوق المسجد بيتا ليسكن فيه انتهى .
قال أبو الحسن في الأمهات لا يعجبني انتهى .
على أن ظاهر كلام ابن عرفة أن كلام المدونة محمول عنده على الكراهة ، ونصه : في أواخر صلاة الجماعة ، وفيها المسجد حبس لا يورث إذا كان صاحبه أباحه للناس وأكره بيتا للسكنى فوقه لا تحته انتهى .
نعم حمله ابن ناجي على التحريم كالمصنف وسيأتي كلامه ، وتحقيق المسألة : أن المسجد لله إذا بناه الشخص له وحيز عنه فلا ينبغي أن يختلف في أنه لا يجوز له البناء فوقه ، فقد قال القرافي في الفرق الثاني عشر بعد المائتين : اعلم أن حكم الأهوية تابع لحكم الأبنية فهواء الوقف وقف ، وهواء الطلق طلق ، وهواء الموات موات ، وهواء الملك ملك ، وهواء المسجد له حكم المسجد لا يقربه الجنب ، ومقتضى هذه القاعدة : أن يمنع هواء المسجد والأوقاف إلى عنان السماء لمن أراد غرز خشب حولها وبنى على رءوس الخشب سقفا عليه بنيان ، ولم يخرج عن هذه القاعدة إلا فرع : وهو إخراج الرواشن والأجنحة على الحيطان ، ثم أخذ يبين وجه خروجه إلى آخر الفرق انتهى باللفظ ، ونحوه في الذخيرة ، ومثله في قواعد المقري ( قاعدة : ) حكم الأهوية حكم ما تحتها فهواء الوقف وقف فلا يباع هواء المسجد لمن أراد غرس الخشب حولها ، وبناء الهواء سقفا وبنيانا انتهى .
وقال اللخمي في كتاب الإجارة في ترجمة إجارة المسجد ، أو الدار ومن بنى مسجدا [ ص: 421 ] لله أحيز عنه ، وأحب أن يبني فوقه لم يكن له ذلك انتهى بالمعنى .
، وأما إن كانت له دار لها علو وسفل ، فأراد أن يحبس السفل مسجدا ، ويبقي العلو على ملكه ، فظاهر ما تقدم للواضحة ، وما تقدم وتابعيه ، وما يأتي لابن الحاجب للمصنف في إحياء الموات أن هذا لا يجوز وصرح اللخمي بجوازه قال إثر ما تقدم عنه : وإن قال : أنا أبنيه لله ، وأبني فوقه مسكنا ، وعلى هذا أبني جاز ، وكذلك لو كانت الدار علوا وسفلا فأراد أن يحبس السفل مسجدا ، ويبقي العلو على ملكه جاز انتهى .
وينبغي أن يوفق بين هذه النقول ، ويجعل معنى قوله في المدونة في كتاب الصلاة لا يعجبني ، أو لا يبني لا يجوز ويحمل هو ، وما في الواضحة ، وما لابن شاس وتابعيه القرافي ، وما يأتي وابن الحاجب للمصنف على الشق الأول الذي تقدم أنه لا ينبغي أن يختلف فيه ويحمل ما في الجعل منها ، وكلام اللخمي الأخير ، وما للمصنف هنا على الشق الثاني ، وإن كان لفظ اللخمي الجواز ; لأنه لا ينافي الكراهة ، ويساعد هذا التوفيق كلام ابن ناجي ، ونصه : على قوله في الصلاة الأول من التهذيب ، ولا يبني إلى آخره قال في الأم لا يعجبني ذلك ; لأنه يصير مسكنا يجامع فيه ، وذلك كالنص على التحريم ، ولا أعلم فيه خلافا ، وذكر النظائر المعلومة التي تدل على الخلاف هل ظاهر المسجد كباطنه أم لا ؟ ، وذلك يوهم جواز البناء عليه على قول ، وليس كذلك لما ذكره في الأم مع أن اللفظ يقتضي أن المسجد سبق فهو تغيير الحبس بل ظاهرها أن من عنده علو وسفل فحبس العلو مسجدا فإنه جائز ، ونص عليه أبو عمران اللخمي في الجعل انتهى .
وقال على قولها في الجعل والإجارة : وكره المتقدم يريد يكون تحبيس المسجد متأخرا عنه انتهى .
والله أعلم .
ولهذا لما أن حمل ابن عبد السلام كلام ، والذي في الصلاة الأول من المدونة على ظاهره قال ما نصه : ذكر في المدونة مثل ما قاله ابن الحاجب المؤلف من التفرقة بين السكنى على ظهر المسجد أو تحته ، ولم يقل ; لأن له حرمة المسجد أي : لا على المسجد حرمته فإن ذلك ليس بالبين ، ولا سيما ، والكلام فيما إذا حبس على هذه الصورة نعم ليس من الأدب الاعتلاء على رءوس المصلين الفضلاء وأهل الخير ، وقد فعل ذلك رضي الله عنه لما أن نزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكن بيتا عنده ، وسكن أبو أيوب الأنصاري غرفة عليها ، وانهرقت جرة في الغرفة فخشي أن ينزل منها شيء على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسد الكوة التي هناك بقطيفة عنده ، ونقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغرفة ونزل هو وأهله إلى البيت واحتج في المدونة لما ذكره بأن أبو أيوب كان يبيت عمر بن عبد العزيز بالمدينة فوق ظهر المسجد إذ كان أميرا فلا تقربه امرأة ، وليس في هذا دليل ; لأن مسجد المدينة سبق تحبيسه على أيام والسكنى بالأهل ، أو المبيت بهم على ظهره مخالف لمقتضى ما بني له ذلك المسجد ، وإنما الكلام فيمن أراد إنشاء تحبيس مسجد على هذه الصورة انتهى . عمر بن عبد العزيز
ورأيت لبعض علماء الأندلس كلاما أجاب به حين سئل عن كلام المصنف هنا ، وفي إحياء الموات ، وذكر في الجواب نحو ما ذكرناه إلا أنه جعل قول المصنف هنا وبناء مسجد للكراء وسكنى فوقه مسألة واحدة ، وهي أن يبني مسجدا ليكريه ويتخذ فوقه بيتا قال : وكلامه في إحياء الموات في اتخاذ منزل فوق مسجد محبس مباح لعموم الناس انتهى .
وفي جعله الفرعين فرعا واحدا انظر ، والصواب ما قدمناه ، وبعض علماء الأندلس المشار إليه هو الشيخ العلامة مفتي غرناطة أبو عبد الله محمد بن أحمد الجعدالي الغرناطي والله أعلم .