أمضيت العتق والولاء للذمي ; لأن في بينته إثبات العتق ، وفي بينة المسلم إثبات الملك . وكل واحد منهما حجة على الخصم فيترجح بينة العتق كما لو كان كل واحد من المدعيين مسلما ، وإذا ذمي في يديه عبد أعتقه فأقام مسلم شاهدين مسلمين أنه عبده ، وأقام الذمي شاهدين مسلمين أنه أعتقه ، وهو يملك قضيت به للمسلم ; لأن بينته في إثبات الملك حجة على خصمه ، وبينة الذمي في إثبات العتق ليس بحجة على خصمه ، فكأنها لم تقم في حقه ، وإن كان شهود الذمي كفارا ، فبينة الذمي أولى ; لأن المسلم يثبت ببينته حق العتق ، والذمي حقيقة العتق ، وحق العتق لا يعارض حقيقة العتق ، ولو قبلنا بينة المسلم وطأها بالملك بعدما قامت البينة على حريتها ، وذلك قبيح . ولهذا كانت بينة الذمي أولى ، ولو كان المسلم أقام شاهدين مسلمين أنه عبده دبره ، أو كانت جارية وأقام البينة أنه استولدها ، وأقام الذمي شاهدين مسلمين على الملك والعتق قضيت بها وبولدها للمدعي ; لأن بينته طاعنة في بينة ذي اليد دافعة لها ، فإنهم إنما شهدوا بالملك لذي اليد باعتبار يده إذ لا طريق لمعرفة الملك حقيقة سوى اليد ، وقد أثبتت بينة المدعي أن يده كانت يد غصب من جهته لا يد ملك ، فلهذا كانت بينة المدعي أولى ، وإذا قضى بالملك للمدعي قضى له بالولد أيضا ; لأنه جزء منها وولادتها في يدي الآخر بعد ما ثبت أنه ليس بمالك لها ، لا يوجب أمية الولد لها ، وكذلك لو ادعى المدعي أنها أمته أجرها من ذي اليد أو أعارها منه ، أو وهبها منه وسلمها إليه ; لأن بهذه الأسباب يثبت أن وصولها إلى يده كان من جهته ، وأن يده فيها ليست يد ملك فهذا وفصل الغصب سواء . كانت أمة في يدي ذمي ، وقد ولدت له ولدا ، فادعى رجل أنها أمته غصبها هذا منه ، وأقام البينة على ذلك ، وأقام ذو اليد البينة أنها أمته ولدت هذا منه في ملكه
ولو كان المدعي أقام البينة أنها أمته ولدت في ملكه قضيت بها لذي اليد ; لأنه ليس في بينة المدعي هنا ما يدفع بينة ذي اليد ; لأن ولادتها في ملكه لا ينفي ملك ذي اليد بعد ذلك ، فيبقى الترجيح لذي اليد من حيث إنه يثبت الحرية للولد وحق أمية [ ص: 107 ] الولد لها ، وكذلك لو ، فبينة المعتق أولى ; لأن فيها إثبات حريتها ادعى ذو اليد أنها أمته أعتقها ، وأقام المدعي البينة أنها أمته ولدت في ملكه ، ولو شهد شهود كل واحد منهما مع ذلك بالغصب على الآخر كان شهود العتق أيضا أولى ; لأن البينتين تعارضتا في أن كل واحدة منهما دافعة للأخرى طاعنة فيها ، وللمعارضة لا تندفع واحدة منهما بالأخرى ، ثم في بينة ذي اليد زيادة إثبات الحرية لها ، واستحقاق الولاء عليها ; وهذا لأن الولاء أقوى من الملك ; لأنه لا يحتمل النقض بعد ثبوته ، وإذا كان في إحدى البينتين إثبات حق قوي ليس ذلك في الأخرى تترجح هذه البينة ، والله أعلم بالصواب . ، ولا يجوز أن توطأ بالملك بعدما قامت البينة على حريتها