قال لم تجز شهادتهما ; لأنهما يشهدان لجدهما على ما بينا أن الولاء للمعتق ، والإرث به كان للمعتق بطريق العصوبة على أن يخلفه في ذلك أقرب عصبته ، وشهادة النافلة للجد لا تقبل ، وكذلك شهادة ابني المعتق بذلك لا تجوز ; لأنهما يشهدان لأبيهما وإذا [ ص: 103 ] رجل مات ، وادعى رجل أن أباه أعتقه وهو يملكه ، وأنه لا وارث لأبيه ولا لهذا الميت غيره ، وجاء بابني أخيه فشهدا على ذلك يقضي به للذي والاه دون الذي أعتقه ; لأن حرية الأصل تثبت له بالبينة ، وحرية الأصل لا ناقض لها ، فبعد ثبوتها تندفع بينة العتق ضرورة ; لأن العتق ينبني على الملك وقد انتفى الملك بثبوت حرية الأصل ، ولهذا قضى بولائه للذي والاه . ادعى رجل ولاء رجل ، وأقام البينة أنه أعتقه وهو يملكه وأقام الآخر البينة أن هذا حر الأصل أسلم على يديه ووالاه ، والغلام يدعي أنه حر الأصل
وكذلك لو كان ميتا عن تركة ; لأن إحدى البينتين تقوم على رقة ، والأخرى على حريته فالمثبت للحرية أولى ; ولأن صاحب الموالاة أثبت ببينته أنه عاقده عقد الولاء ، وذلك إقرار منه بأنه حر ولا ولاء عليه ، فثبوت هذا الإقرار بالبينة كثبوته بالمعاينة أن لو كان حيا أو ادعى ذلك ، فإن كان حيا فأقر أنه مولى عتاقة لهذا أجزت بينة العتاقة ، وكان هذا نقضا من الغلام للموالاة لو كان والى هذا الآخر ; لأن العبد مكذب للذين شهدوا بحريته في الأصل ، ومدعي الموالاة خرج من أن يكون خصما في إثبات ذلك ; لأن العبد بإقراره بولاء العتاقة على نفسه يصير ناقضا لولاء الموالاة لما بينهما من المنافاة ، وهو متمكن من نقض ولائه ما لم يعقل عنه ، فإذا لم يبق خصم يدعي حرية الأصل له صح إقراره بالملك وولاء العتاقة ، ومن أصحابنا من يقول هذا قول رحمه الله تعالى : لأن من أصله أن البينة على حرية العبد لا تقبل من غير الدعوى أبي حنيفة وعندهما تقبل ، فيثبت له حرية الأصل بحجة حكمية ، وذلك لا يحتمل النقض بإقراره ، فينبغي أن لا يثبت عليه ولاء العتاقة عندهما والأصح أن هذا قولهم جميعا ; لأن بينة العتاقة تعارض بينة حرية الأصل فيما لأجله تقبل البينة عندهما ، وهو إثبات حقوق الشرع عليه ثم تترجح بخصم يدعيها أو لما انتفى ولاء الموالاة فهذا حر لا ولاء عليه ، وقد أقر بأنه مولى هذا الذي يدعي ولاء العتق عليه ، فيكون إقراره صحيحا ; لأنه يقر بما هو من خالص حقه كما لو أقر النسب لإنسان ولا نسب له .