( قال : ) ; لأن فراش أم الولد ضعيف ، ألا ترى أنه مجوز للنسب غير ملزم ، حتى لو نفى المولى ولده انتفى بمجرد نفيه ، والنكاح قوي ملزم بنفسه ، والضعيف لا يكون دافعا للقوي ، والدليل عليه أن ولا بأس أن يتزوج الرجل أخت أم ولده كان النكاح صحيحا ، فكما أن فراشها لضعفه لا يمنع تزويجها ، فكذلك لا يمنع المولى نكاح أختها اعتبارا للمنع في أحد الجانبين بالمنع في الجانب الآخر ، وكذلك لو تزوج أخت مدبرته أو أخت أمة له قد كان يطؤها ، وهذا أظهر فإنه لا فراش لهما غير أنه لا ينبغي أن يطأ التي تزوج حتى يملك فرج الأمة غيره ; لأنه لو وطئها صار جامعا ماءه في رحم [ ص: 174 ] أختين ، ولأن الجمع بين الأختين في الاستفراش الحقيقي حرام وقد تحقق منه استفراش الأولى ، فلا يحل له أن يستفرش الثانية ما لم ينقطع حكم ذلك الاستفراش ، وانقطاعه بالتزويج أو البيع في محل البيع ، فإن لم يكن وطئ أمته ، ولا مدبرته ، فلا بأس بأن يطأ امرأته ، وليس له أن يطأ الأمة والمدبرة بعد النكاح ; لأن المنكوحة بالعقد صارت فراشا فليس له أن يستفرش الأمة بعد ذلك وله أن يطأ المنكوحة ; لأنه لا فراش له على المملوكة حقيقة وحكما . المولى لو زوج أم ولده
( قال : ) ولو فله أن يطأ امرأته مادام أم ولده تعتد من زوجها ; لأن فرجها حرام عليه في حال عدتها كما هو حرام عليه في حال نكاحها ، فإذا انقضت عدتها ، فلا ينبغي له أن يطأ امرأته حتى يملك فرج أم الولد من غيره ; لأن النكاح قد ارتفع بآثاره فعاد الحكم الذي كان قبله ، وكذلك الأمة والمدبرة إذا كان وطئها قبل أن يتزوج الأخت فحكمهما وحكم أم الولد سواء . زوج أم ولده ثم وطئ امرأته ثم مات زوج أم الولد أو فارقها
( قال : ) فإن فعليها أن تعتد بثلاث حيض عندنا ، وعلى قول أعتق أم ولده رحمه الله تعالى عليها حيضة واحدة ، ومذهبنا مروي عن الشافعي عمر وعلي رضي الله عنهم ، ومذهبه مروي عن وابن مسعود رضي الله عنهما ، ويستوي إن أعتقها أو مات عنها إلا على قول ابن عمر رضي الله عنهما ، فإنه كان يقول : لا تلبسوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عدة أم الولد إذا مات عنها سيدها أربعة أشهر وعشرا ، وهذا دليلنا فإنه ألزمها عدة الحرائر إلا أنا نوجب الحيض ; لأن هذه العدة لا تجب إلا باعتبار الدخول وتوهم اشتغال الرحم فيقدر بالحيض في الحياة والوفاة كالعدة من نكاح فاسد ووطء شبهة ، احتج عبد الله بن عمرو بن العاص فقال : عدتها أثر ملك اليمين فتقدر بحيضة واحدة كالاستبراء ، ودليل صحة اعتباره بالاستبراء أنه لا يختلف بالحياة والوفاة ، وتأثيره أن المقصود تبين فراغ الرحم لا غير ، وذلك يحصل بالقرء الواحد ولكنا نقول : هذه عدة وجبت على حرة ، فلا يكتفي فيها بحيضة واحدة كعدة النكاح بل أولى ، فإن عدة النكاح قد تجب على الأمة ، وهذه العدة لا يجب إلا على الحرة ، وتأثيره أن الحرة كاملة الحال فالوظيفة التي لا تجب إلا على الحرة تجب بصفة الكمال ; لأن المعتبر حال وجوب العدة لا ما كان قبله وبه يتبين الفرق بينه وبين الاستبراء ، فإن الاستبراء لا يجب عليها ولكن على المولى أن يستبرئها قال صلى الله عليه وسلم : { الشافعي } . ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ، ولا الحيالى حتى يستبرئن بحيضة
وهذا خطاب للمولى دون الأمة ، فإن قول القائل لا تضرب فلانا خطاب للضارب دون المضروب توضيحه [ ص: 175 ] أن حدوث ملك الحل بسبب ملك اليمين ، ألا ترى أنه لو اشتراها من صبي أو امرأة يجب وهنا سبب وجوب المدة زوال الفراش ، والعدة التي تجب بزوال الفراش لا يكتفى فيها بحيضة واحدة ، فإن سبب وجوب الاستبراء لم يجز عند تزوج المولى أختها في عدتها أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - وجاز في قول وزفر أبي يوسف - رحمهما الله تعالى - غير أنه لا يقربها حتى تنقضي عدة أختها ، ولو تزوج أربعا سواها في عدتها جاز عندنا وله أن يقربهن ، وقال ومحمد رحمه الله تعالى ليس له ذلك زفر رحمه الله تعالى يقول : إنها معتدة ، فلا يتزوج أختها ، ولا أربعا سواها كالمعتدة من نكاح فاسد أو وطء بشبهة بل أولى ; لأن أصل فراشه في النكاح الفاسد والوطء بالشبهة ما كان موجبا للحل له ، وأصل الفراش هنا موجب الحل ، ثم العدة التي هي أثر الفراش هناك تمنع نكاح الأخت والأربع فهنا أولى زفر وأبو يوسف - رحمهما الله تعالى - قالا : عدة أم الولد أثر فراشها وأثر الشيء لا يربو على أثر أصله في المنع ، فإذا كان أصل فراشها لا يمنع المولى من نكاح أختها وأربع سواها فكذلك أثر فراشها ، وأصل الفراش بالنكاح الصحيح أو الفاسد بعد الدخول يمنع نكاح الأخت والأربع ، فكذلك أثره ، وهذا لأنه يبقى ببقاء العدة من المنع ما كان ثابتا لا أن يثبت ما لم يكن ثابتا ، وهذا بخلاف تزويجها من الغير ، فإن أصل فراشها مانع من التزويج من الغير إذا بقي حتى لو كانت حاملا ليس له أن يزوجها من غيره ، فكذلك أثر فراشها يمنع ، إلا إنها إذا كانت حاملا فله أن يقطع فراشها بالتزويج وليس له أن يقطع عدتها لحق الشرع ، والفرق ومحمد رحمه الله تعالى بينهما من وجهين : لأبي حنيفة
( أحدهما ) أن بسبب بقاء العدة يبقى الفراش ، حتى إذا جاءت بالولد يثبت النسب منه ، ولا يثبت النسب منه إلا باعتبار الفراش ، فلو تزوج أختها صار جامعا بين الأختين في الفراش وذلك حرام ، وإذا تزوج أربعا سواها صار جامعا بين خمس نسوة في الفراش ولكن بسببين مختلفين ، وذلك جائز ، ألا ترى أن من عنده أربع نسوة له أن يستولد من الجواري ما شاء .
( والثاني ) أن فراشها بالعتق يتقوى حتى يثبت النسب بعد العتق على وجه لا يملك نفيه ، بخلاف ما قبل العتق ، وكذلك بعد العتق لا يملك تزويجها ، وإن كان قبل العتق يجوز تزويجها فكل منع كان ثابتا في أصل فراشها يتقوى ذلك بعتقها والمنع من استفراش الأخت كان ثابتا في أصل فراشها حتى لا يحل له أن يطأ أختها بملك اليمين ، ولا يملك النكاح فيتقوى ذلك المنع بالعتق فيمنع عقد النكاح أصلا ، ولم يكن هو في أصل فراشها [ ص: 176 ] ممنوعا من استفراش الأربع بالنكاح ، فلو صار ممنوعا بعد العتق كان هذا إثبات منع مبتدأ لا إظهار قوة فيما كان ثابتا ، توضيحه أن المقصود بالنكاح الوطء ، ولما لم يكن هو باعتبار عدتها ممنوعا من وطء الأربع بالنكاح بأن يعتقها وتحته أربع نسوة كان له أن يطأهن ، فكذلك لا يكون ممنوعا من العقد عليها أيضا بمنزلة المعتدة بالنكاح .