[ ص: 12 ] قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم
فيه ست مسائل :
الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=28980قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فإذا انسلخ الأشهر الحرم أي خرج ، وسلخت الشهر إذا صرت في أواخر أيامه ، تسلخه سلخا وسلوخا بمعنى خرجت منه . وقال الشاعر :
إذا ما سلخت الشهر أهللت قبله كفى قاتلا سلخي الشهور وإهلالي
وانسلخ الشهر وانسلخ النهار من الليل المقبل . وسلخت المرأة درعها نزعته وفي التنزيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وآية لهم الليل نسلخ منه النهار . ونخلة مسلاخ ، وهي التي ينتثر بسرها أخضر .
nindex.php?page=treesubj&link=32204والأشهر الحرم فيها للعلماء قولان : قيل هي الأشهر المعروفة ، ثلاثة سرد وواحد فرد . قال
الأصم : أريد به من لا عقد له من المشركين ، فأوجب أن يمسك عن قتالهم حتى ينسلخ الحرم ، وهو مدة خمسين يوما على ما ذكره
ابن عباس ؛ لأن النداء كان بذلك يوم النحر . وقد تقدم هذا . وقيل : شهور العهد أربعة ، قاله
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12563وابن إسحاق وابن زيد nindex.php?page=showalam&ids=16709وعمرو بن شعيب . وقيل لها حرم لأن الله حرم على المؤمنين فيها دماء المشركين والتعرض لهم إلا على سبيل الخير .
الثانية : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فاقتلوا المشركين عام في كل مشرك ، لكن السنة خصت منه ما تقدم بيانه في سورة ( البقرة ) من امرأة وراهب وصبي وغيرهم . وقال الله تعالى في
أهل الكتاب :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29حتى يعطوا الجزية . إلا أنه يجوز أن يكون لفظ المشركين لا يتناول أهل الكتاب ، ويقتضي ذلك منع أخذ الجزية من عبدة الأوثان وغيرهم ، على ما يأتي بيانه . واعلم أن مطلق قوله : اقتلوا المشركين يقتضي جواز قتلهم بأي وجه كان ، إلا أن الأخبار وردت
nindex.php?page=treesubj&link=8216بالنهي عن المثلة . ومع هذا فيجوز أن يكون
الصديق رضي الله عنه حين قتل أهل الردة بالإحراق بالنار ، وبالحجارة وبالرمي من رءوس الجبال ، والتنكيس في الآبار ، تعلق بعموم الآية .
[ ص: 13 ] وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=31321إحراق علي رضي الله عنه قوما من أهل الردة يجوز أن يكون ميلا إلى هذا المذهب ، واعتمادا على عموم اللفظ . والله أعلم .
الثالثة : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5حيث وجدتموهم عام في كل موضع . وخص
أبو حنيفة رضي الله عنه
المسجد الحرام ، كما سبق في سورة " البقرة " ثم اختلفوا ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14127الحسين بن الفضل : نسخت هذه كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء . وقال
الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء : هي منسوخة بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فإما منا بعد وإما فداء . وأنه لا يقتل أسير صبرا ، إما أن يمن عليه وإما أن يفادى . وقال
مجاهد وقتادة : بل هي ناسخة لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فإما منا بعد وإما فداء وأنه
nindex.php?page=treesubj&link=8397لا يجوز في الأسارى من المشركين إلا القتل . وقال
ابن زيد : الآيتان محكمتان . وهو الصحيح ؛ لأن المن والقتل والفداء لم يزل من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم من أول حرب حاربهم ، وهو يوم بدر كما سبق .
وقوله وخذوهم والأخذ هو الأسر . والأسر إنما يكون للقتل أو الفداء أو المن على ما يراه الإمام .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5واحصروهم يريد عن التصرف إلى بلادكم والدخول إليكم ، إلا أن تأذنوا لهم فيدخلوا إليكم بأمان .
الرابعة : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5واقعدوا لهم كل مرصد المرصد : الموضع الذي يرقب فيه العدو ، يقال : رصدت فلانا أرصده ، أي رقبته . أي اقعدوا لهم في مواضع الغرة حيث يرصدون . قال
عامر بن الطفيل :
ولقد علمت وما إخالك ناسيا أن المنية للفتى بالمرصد
وقال
عدي :
أعاذل إن الجهل من لذة الفتى وإن المنايا للنفوس بمرصد
وفي هذا دليل على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=8389_7982اغتيالهم قبل الدعوة . ونصب ( كل ) على الظرف ، وهو اختيار
الزجاج ، ويقال : ذهبت طريقا وذهبت كل طريق . أو بإسقاط الخافض ، التقدير : في كل مرصد وعلى كل مرصد ، فيجعل المرصد اسما للطريق . وخطأ
أبو علي الزجاج في جعله الطريق ظرفا وقال : الطريق مكان مخصوص كالبيت والمسجد ، فلا يجوز حذف حرف الجر منه إلا فيما ورد فيه الحذف سماعا ، كما حكى
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : دخلت الشام ودخلت البيت ، وكما قيل :
كما عسل الطريق الثعلب
[ ص: 14 ] الخامسة : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فإن تابوا أي من الشرك .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم هذه الآية فيها تأمل ، وذلك أن الله تعالى علق القتل على الشرك ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فإن تابوا . والأصل أن القتل متى كان للشرك يزول بزواله ، وذلك يقتضي زوال القتل بمجرد التوبة ، من غير اعتبار إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، ولذلك سقط القتل بمجرد التوبة قبل وقت الصلاة والزكاة . وهذا بين في هذا المعنى ، غير أن الله تعالى ذكر التوبة وذكر معها شرطين آخرين ، فلا سبيل إلى إلغائهما . نظيره قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836309أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله . وقال
أبو بكر الصديق رضي الله عنه : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال وقال
ابن عباس : رحم الله
أبا بكر ما كان أفقهه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : فانتظم القرآن والسنة واطردا . ولا خلاف بين المسلمين أن من
nindex.php?page=treesubj&link=23391ترك الصلاة وسائر الفرائض مستحلا كفر ، ومن
nindex.php?page=treesubj&link=28218ترك السنن متهاونا فسق ، ومن ترك النوافل لم يحرج ، إلا أن يجحد فضلها ؛ فيكفر ؛ لأنه يصير رادا على الرسول عليه السلام ما جاء به وأخبر عنه . واختلفوا فيمن
nindex.php?page=treesubj&link=23392ترك الصلاة من غير جحد لها ولا استحلال ، فروى
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال : سمعت
ابن وهب يقول قال
مالك : من آمن بالله وصدق المرسلين وأبى أن يصلي قتل ، وبه قال
أبو ثور وجميع أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وهو قول
حماد بن زيد ومكحول nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع . وقال
أبو حنيفة : يسجن ويضرب ولا يقتل ، وهو قول
ابن شهاب وبه يقول
داود بن علي . ومن حجتهم قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=836310أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها . وقالوا : حقها الثلاث التي قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=835954لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان ، أو زنى بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس . وذهبت جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها لغير عذر ، وأبى من أدائها وقضائها وقال لا أصلي فإنه كافر ، ودمه وماله حلالان ، ولا يرثه ورثته من المسلمين ،
[ ص: 15 ] ويستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، وحكم ماله كحكم مال المرتد ، وهو قول
إسحاق . قال
إسحاق : وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا .
وقال
ابن خويزمنداد : واختلف أصحابنا
nindex.php?page=treesubj&link=26724متى يقتل تارك الصلاة ، فقال بعضهم في آخر الوقت المختار ، وقال بعضهم : آخر وقت الضرورة ، وهو الصحيح من ذلك . وذلك أن يبقى من وقت العصر أربع ركعات إلى مغيب الشمس ، ومن الليل أربع ركعات لوقت العشاء ، ومن الصبح ركعتان قبل طلوع الشمس . وقال
إسحاق : وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر .
السادسة : هذه الآية دالة على أن من قال : قد تبت أنه لا يجتزأ بقوله حتى ينضاف إلى ذلك أفعاله المحققة للتوبة ؛ لأن الله عز وجل شرط هنا مع التوبة إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ؛ ليحقق بهما التوبة . وقال في آية الربا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=160إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا وقد تقدم معنى هذا في سورة البقرة .