الخاتمة
هكذا تصل بنا الرحلة إلى منتهاها... انطلقنا باحثين عن علاقتنا - كأمة وحضارة - بما يفد علينا من قيم غربية... والسؤال - كما قلنا في المـقـدمـة - لا يطرحه الترف الفكري، وإنما يضعه أمامنا الوحي الذي يدعونا إلى التفاعل مع (الآخر)، بناء على قاعدة التعارف أو قاعدة التدافع.. كما يواجهنا به الواقع الذي لم يعد يؤمن بالحواجز والحدود.
فما الذي يمكن تسجيله في ختام هذه الرحلة؟
يمكننا أن نسجل:
- أن الإسلام، منظورا إليه من الزاوية الحضارية، لا يملك مقومات الوجود والاستمرار الحضاري فقط، وإنما له القدرة على استيعاب الآفاق، التي يمكن أن يرتادها الإنسان في آفاقه الحضارية.
- أن المسلمين في حاجة ماسة إلى التعرف الصحيح على منظومتهم القيمية، كي يتمكنوا من التفاعل الإيجابي مع أسلافهم، وكي يتمكنوا في المقام الثاني من إنقاذ البشرية مما تعانيه من الاختلالات، التي أنتجتها منظومة القيم الغربية، ذات البعد المادي.
- أن منظـومتـنـا الـقـيـمـيـة، كفيـلـة بـأن تـستـوعـب وتـتـجاوز ما يطرح أمـامـنـا اليـوم من قـيـم غربـيـة، شريطـة أن نـسـتـعـيـد ثقـتـنا بأنفسنا مرة أخرى، [ ص: 179 ] وهذا لا يتم إلا عن طريق مشروع تربوي تثقيفي، وخطاب ديني، يميز فيه بين الأصول والفروع... بين الجوهر والشكل... بين الوحي المعصوم وتجارب المسلمين عبر التاريخ.
- أننا ينبغي أن نخرج في تعاملنا مع الغرب من دائرة (الصدمة النفسية)، فنتخلص من مرض الرفض المطلق أو القبول المطلق...
وعلينا أن نرسـخ، عبر التربية الصحيحة، موقف (التفاعل الواعي) مع ما يفد إلينا من (الآخر).
- وبخصوص الديمقراطية، ينبغي أن لا نتعامل معها ذلك التعامل الحدي... إما بتكفيرها أو تبريرها أو قبولها قبولا مطلقا... فهذا من أمراض العقلية (الإفتائية) أو العقلية (الاتباعية)... وعلينا ـ كما شرحنا في ثنايا البحث ـ أن ننتقل في نظرتنا إلى الديمقراطية إلى منطق التنظير بدل منطق الفتوى، ومنطق الإبداع بدل منطق الاتباع.
وفي الأخير... إن كان في هذا الجهد صواب فهو من الله، فله تعالى الحمد ونسأله القبول.
وما كان فيه من خطأ فهو من النفس القاصرة... نسأل من الله تعالى العفو والصفح... ومن القارئ العذر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [ ص: 180 ]