إن ثمة جملة من الحلول الجذرية غير الترقيعية للخروج من الأزمة العارمة، التي طالت الأوقاف الإسلامية بأرض فلسطين فيها ما هو استراتيجي على الأمد البعيد وفيها ماهو من قبيل الحلول الفورية، التي لا تحتمل التأجيل البتة؛ تلكم الحلول، التي حاولنا أن نرصدها في العناصر الآتية:
1- أدعو لوضع استراتيجية مستقلة -وبمنأى عن الحكومات- في التعامل مع القدس ومحنتها والتحديات المحيطة بها لوضع خطط عملية ملزمة للجميع مع تشكيل لجنة للمتابعة وأن تتسم بالصرامة والحزم من الدول القوية للقدرة على التنفيذ؛ وأن يدعى لها الخبراء الخريتون في العمل المؤسسي والفكر الاستراتيجي وذوو الإبصار في الرؤية المستقبلية ومختلف المحللين السياسيين والمؤرخين والعلماء على اختلاف اختصاصاتهم ولكن الممارسين منهم في المجالات المختلفة العسكرية أو الاقتصادية أو الإعلامية وكل المتابعين للوضع القائم في فلسطين والقدس الشريف؛ وذلك في مؤتمر عربي إسلامي ليعطي الديناميكية المطلوبة لموقف عربي وإسلامي متحرك.
2- الوقف الفوري والعاجل لكل الحفريات المستهدفة للأوقاف الإسلامية والمغربية بفلسطين، وإن أي تأخير ينبىء بشر مستطر.
3- إنشاء صندوق وقف القدس ودعم الأوقاف الإسلامية والمغربية بفلسطين؛ لتمويل مشروعات القدس ودعم الوجود العربي والإسلامي فيها، [ ص: 186 ] ومنع أي تسرب لأملاكها وبيوتها وأوقافها للكيان الإسرائيلي، ولإعمار مقدساتها. وهذا يتوقف على ميزانية كاملة وكافية قد يكون هذا الصندوق وفيا بجزء من الحل. وينبغي أن يتسع لمختلف البلاد الإسلامية من المحيط إلى الخليج، ومن طنجة إلى جاكرتا، تسهم في تنميته دول الخليج وماليزيا والمغرب وكل الدول الإسلامية، سواء من أموال الزكاة، أو التطوع أو حتى المشاريع الاقتصادية كإصدار سندات مقارضة إسلامية واستثمارها مع ضمان إعادة المبالغ الاسمية لأصحابها والاحتفاظ بالربح لصالح القدس والأوقاف الإسلامية والمغربية. ويكون من أهدافها مساعدة الناس في القدس على الاستثمار لتأكيد صمودها وبقائهم على الأرض مرابطين ولإعمار أسوارها ومساجدها ومدارسها ومنازلها وكل أوقافها، التي تعرضت للاضطهاد والتخريب.
4- التوعية الكاملة بأوقافنا المغربية عبر وسائل الإعلام المسموع والمرئي والمقروء، ومختلف وسائل الدعاية كالصحف والمجلات والتلفزيون والفضائيات، واستحداث قناة تعنى بالأوقاف الإسلامية بفلسطين، وتتابع بأفلام وبرامج وأشرطة وثائقية ما يجري في هذه الأرض المباركة؛ من جراء تنوير الرأي العام بالحقيقة، وهو بيان للناس والحقيقة والتاريخ. وإظهار الحقوق التاريخية والسياسية والعقدية والحضارية للعرب والمسلمين بالأرض المباركة. واستحداث مواقع على الشبكة العنكبوتية للتعريف بالقضية الفلسطينية والأوقاف الإسلامية والمغربية، والتصدي لكل الهجمات الصهيونية والأباطيل والأراجيف الملفقة والمكذوبة عن أرضنا وأوقافنا. ومن هنا نثمن ونضع أيدينا في أيدي [ ص: 187 ] هيئات وإدارات القنوات، التي تعنى بقضيتنا الفلسطينية وأوقافنا كقنوات الأقصى، والقدس، والجزيرة وغيرها كثير.
5- التعريف بأرض فلسطين والقدس والمسجد الأقصى وإظهار مكانته في قلوب المسلمين عامة؛ من أجل أن تبقى القضية الفلسطينية منقوشة في فؤاد كل مسلم، ومحفورة في قلب كل غيور، أن تبقى قضيتنا حية يقظة حاضرة ومعلومة لا يتجاهلها أحد، ولا يعذر مسلم في العصر الحديث والراهن بالجهل تجاه أرضنا المقدسة، وكلها وقف إسلامي، والحمد لله.
6- التربية الإسلامية الوقفية على مستوى الأجيال القادمة حتى لا يعقوا هذه الأرض وما تعلق بها من أوقاف مغربية، والأمر يلزم تلقين الأطفال هذه المعلومات التاريخية تماما مع ارتشافهم اللبن من أثداء أمهاتهم، وأن يصبح الوقف المغربي جزءا من الثقافة الإسلامية لدى المغاربة خاصة وكل من تعلق قلبه بهذه الأرض المباركة بشكل عام.
7- وضع برنامج إعلامي دولي وخطة علاقات عامة؛ من أجل خلق "لوبي إسلامي" داخل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بهدف مواجهة اللوبي الصهيوني. ويهدف هذا الجهد إلى الاستفادة من الطاقات العربية والإعلامية على المستوى الدولي، ومن تزايد أعداد المسلمين والعرب في الدول الغربية، وكذلك لا بد من فتح حوار مع الطوائف المسيحية من أجل الوصول معها إلى حل للقدس؛ ليشكل نقطة ضغط على صانعي القرارات في الدول الغربية. إن الجهل المطبق بأبسط حقائق الدين الإسلامي وبتاريخ القدس، [ ص: 188 ] وبدور المسلمين فيها، هو الذي يخلق التعاطف الكبير مع الموقف الإسرائيلي المشوه للحقائق وللدور الإسلامي. ومع الأسف فإن معظم التصدي للمحـاولات اليهـودية لتقليـل دور الإسـلام أو تشـويـهـه في مـوضـوع القـدس لا يلقى استجابة إلا ضمن الإطار العربي والإسلامي نفسه. وقليلا ما تجد من مسيحيي الغرب من يعرف شيئا عن موقف الإسلام من آل عمران ومريم العذراء والسيد المسيح عليه السلام ، وقليلون من يعلمون شيئا عن العهدة العمرية، وعن الحقوق والمزايا، التي تمتع بها اليهود في ظل الحكم الإسلامي. إن تحرك الرأي العام في الغرب، وفي الولايات المتحدة الأمريكية بخاصة، يشكل ركنا أساسيا من استراتيجية العمل لاستعادة القدس للحظيرة الإسلامية والعربية [1] .
8- لابد من إحياء القدس ولو رمزا؛ بحيث ينبغي أن تتقدم الدول العربية والإسلامية ببرنامج من عمل الفريق والمؤسسة يهدف لإحياء القدس على كل صعيد، ويعمل على إبراز مكانة القدس وأهميته في العالمين الإسلامي والعربي، وأن تجعل مادة القدس جزءا من المناهج التعليمية والبرامج الإعلامية والثقافية. ومن ذلك أرى أنه يجب أن تضاف مادة الأوقاف الإسلامية الفلسطينية ومنها أوقاف المغاربة ضمن مادة فلسطين ومقدساتها، وأن تكون متطلبا جامعيا إجباريا. علاوة على إنشاء جمعيات ومنظمات ولجان باسم القدس وتسمية مؤتمرات القمة بمؤتمرات القدس، وإنشاء معرض كتب القدس، وتقديم جوائز [ ص: 189 ] باسم القدس للباحثين المتميزين، وكذا للأشخاص، الذين تظهر منهم الخدمة المتفانية للقدس وقضيتها.
9- تفعيل دور المؤسسات الإسلامية ودعمها ماديا ولوجيستيا وبمختلف صور الدعم من أجل الاستمرار في الكفاح السلمي والعسكري لاسترداد الحقوق الضائعة والتي تؤخذ بالقوة كما نزعت بالقوة، وذلك مثل حكومة حماس بغزة، ورابطة علماء فلسطين بالداخل والخارج وكل جمعيات المجتمع المدني المتصلة بالأوقاف الإسلامية بفلسطين.
10- إحياء رسالة العلماء المسلمين من طنجة إلى جكارتا للاضطلاع بالدور الكبير المنوط بهم والمطلوب في دعم القدس وفلسطين؛ لأن القضية الفلسطينية ليست ملكا للفلسطينيين بل هي ملك للأجيال المسلمة حتى قيام الساعة؛ وذلك لما للعلماء من قدرة على استنهاض الشعوب وشحذ ومخاطبة العقول وإيقاظ الهمم، ولفت عناية العالم الإسلامي إلى القضية الفلسطينية ومساعدة المرابطين بأرض الإسراء والمعراج، والإفتاء بالمحافظة على فلسطين؛ لأنها أرض وقف إسلامي لا يجوز التنازل عن شبر منها البتة كما للعلماء كلمة ماضية من جراء حث الأمة على تحرير الأرض المباركة من هذا الكيان الغاشم والغدة السرطانية القاتلة. وذلك مثل تحريم بيع أو التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين... إلخ.
11- تفعيل منظمة التعاون الإسلامي؛ حتى تكون في مستوى ما يحدث بالأرض المقدسة؛ فهي منظمة تعنى بالشأن الإسلامي، وتقدم الحلول المناسبة [ ص: 190 ] للمشكلات العالقة، وخلفها كل الدول الإسلامية، لها ثقلها ووزنها لو وعيت الرسالة المنوطة بكاهلها.
12- تفعيل دور الجامعة العربية؛ لأن فلسطين عربية وإن هذه الأوقاف تحمل روحا عروبية وقومية وإسلامية، لكن متى تضطلع الحكومات والدول العربية بهذه المسؤولية؟
13- تفعيل لجنة القدس، التي يرأسها العاهل المغربي؛ ذلك لأن التحديات، التي تواجهها الأوقاف المغربية بفلسطين تتعلق بشكل مباشر بكرامة المغرب التاريخية وتقيم عليه الحجة أكثر من غيره ولاسيما في هذه اللحظة التاريخية الحرجة.
14- تفعيـل القوانين والشـرائع الدولـيـة المتعـلقـة بقضية الاستملاك؛ لأنها لا تجيز للدولة المحتلة أن تستملك أي قطعة أرض من الأراضي المحتلة.
15- تفعيل قرارات الأمم المتحدة بحق الفلسطينيين وكل الاتفاقيات الـدوليـة، التي أبرمت لصـالح الأوقـاف الإسـلامية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما ادعاه اليهـود بأن اسـم حائط البراق هو حائط المبكي فهو ادعاء لا يعدو أن يكون باطلا ولا أصل له، وعندما ثار الفلسطينيون سنة 1929-1930م، ضد قرار حكومة الانتداب بإعطاء اليهود أي حق في حائط البراق تشكلت لجنة دولية محايدة وأعطت قرارها سنة 1930م، حيث أكدت أن المسلمين الفلسطينيين هم أصحاب هذا الحائط، وأن ملكيته للمسلمين فقط ولا حق لليهود فيه. [ ص: 191 ]
16- التواصل مع منظمات حقوق الإنسان في الداخل والخارج، عربيا وإسلاميا وعالميا، ومناشدة الضمير العالمي للوقوف مع آخر شعب محتل في القرن الواحد والعشرين؛ مما أضفى على القضية بعدا عالميا، والنظر في الحقوق المهضومة من سقوط الإنسان الفلسطيني بالجملة وكل يوم وفي حروب تترى وغير متكافئة بين كيان تدعمه أعتى قوة في عالمنا اليوم، أمريكا وأوروبا، وبين شعب أعزل! والله المستعان! ومن لا يضيره ذلك ويملك قلبا هشا من الأوروبيين والأمريكان فلينظروا إلى ما يملكه الفلسطينيون من ماشية وحدائق للحيوانات، التي استهدفت، وشجر الزيتون، الذي يقتلع كل موسم ظلما وعدوانا أمام سمع العالم وبصره! ولا بد من تفعيل كل المنظمات الحقوقية ومنظمات رعاية الأمومة والطفولة ومنظمة العدل ومجلس الأمن... إلخ.
17- تفعيل دور المنظمة العالمية "اليونسكو" نظرا لعنايتها بالشأن الثقافي وإنقاذ الآثار والتراث المادي والأدبي في مختلف دول العالم؛ وذلك من خلال سلسلة من دعواتها المطلقة وإن كان أن معظمها قد ارتبط بأمور تافهة وإن حسبت على الفن كتلك المأثورات الشعبية والحكايات القديمة والأغاني غير أنها لم تجرؤ يوما لإطلاق دعوة صريحة من أجل إنقاذ القدس الشريف والمسجـد الأقصى والأوقاف الإسـلامية، التي تهدم أمام سمـع العالم وبصره من غير أن تحرك ساكنا. بل قد حـاولت المنظمة -مع كامل الأسف- تبرير أو تغليف المشهد العدواني بالإعمار وأعمال الإعمار وما إلى ذلك، والله المستعان! ونحن ينبغي أن نعمل على أن تدعو المنظمة علانية لإنقاذ الأوقاف الإسلامية وحمايتها والتي تحظى بقداسة دينية لدى المليار وخمسمائة مليون مسلم في القارات كلها، وكونها من أبرز المعالم الإنسانية والدينية الصامدة لحد اللحظة التاريخية. [ ص: 192 ]
18- تفعيل دور المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم "الإسيسكو"؛ لأن قضايا الوقف ومعالمه في فلسطين من التراث الإسلامي يندرج في اهتمامات المنظمة والتعاون معها فيما قدمته إزاء القضية الفلسطينية؛ علاوة على أن أوقاف المغاربة بفلسطين عربية محضة تدخل في اهتمامات المنظمة والتعاون معها في كل ما هو إيجابي تجاه القضية الفلسطينية.
19- التعاون مع جماعات يهودية بعضها لها صفة دينية وأخرى لها صفة حقوقية، كلها تعارض المشروع الصهيوني المتغطرس وتعارض الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى والأوقاف الإسلامية بما فيها المغربية. ولا بد من الاستفادة منهم والتعاون معهم، ولو إعلاميا على الأقل، نصرة لقضيتنا العادلة. ولم لا بالنسبة للمؤرخين اليهود وكثير من الغربيين، الذين خرجوا عن صمتهم وأعربوا عن مواقفهم الشجاعة والمنصفة لمقدساتنا، وقد انبروا يتحدثون علنا عن الادعاءات الصهيونية الكاذبة بشأن الهيكل المزعوم وفق أسطورة مبتذلة لا أصل لها البتة.
20- الاحتجاج بالشعارات البراقة، التي يتبجح بها عالمنا وعصرنا؛ ومنها شعارات التسامح الديني، وحرية الأديان والاعتقاد، وعدم الاضطهاد الديني؛ وما إلى ذلك؛ لأن هذه الممتلكات والعقارات والقرى هي أصلا أوقاف خيرية إسلامية، لها قيمتها التاريخية، ومكانتها المقدسة، وحرمتها الشرعية والقانونية.
21- إن نظام الوقف في الإسلام له خصوصياته وشروطه؛ وذلك لأن أحكام الشريعة تنص على مراعاة شروط الواقفين كما نصوا عليها هم أنفسهم [ ص: 193 ] في الوثيقة والحجية؛ لأجل الحفاظ على الأوقاف عينها ومواقعها والإنشاءات القائمة عليها، وعدم التفريط في أي قطعة أو شبر أو لبنة منها، ولأي سبب كان. وقد علمنا أنها للمغاربة لا غير.
22- العمل قصارى الجهد على الحشد والتعبئة الفاعلة على المستوى الدولي لفضح تصرفات العدو الصهيوني وعبثه بالأوقاف الإسلامية، وكيف أن العالم تأثر لهدم تمثال بوذا بأفغانستان وهو تراب وحجر، ولا يتأثر لأوقاف تهدم وتنتهب كانت تعول الفقراء والمساكين وتعود بالخير على أهلنا في الأرض المقدسة.
23- دعم أشكال المقاومة المتاحة؛ من أجل استرداد الحقوق الفلسطينية كاملة على المستوى السياسي والعسكري والدبلوماسي؛ لأن العدو الإسرائيلي لا تردعه إلا القوة الساحقة، وبالتالي لا يجوز الاكتفاء بالمفاوضات والمعترك السياسي بغير ورقة الضغط والسند القوي المتجلي في المقامة والتي تضفي زخما على الكلمة وتفيض عليها مكانة وقدرا.
24- التبرع لصالح القضية الفلسطينية بما فيها الأوقاف لاسترجاعها ودعم الصامدين والمرابطين على تخوم فلسطين. فكما أن الصلاة بالمسجد الأقصى تعدل ألف صلاة في غيره، فإن الصدقة والتبرع لأجله مضاعفة، إن شاء الله. وقد ورد حديث ميمونة، مولاة النبي قالت: ( قلت: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس؟ قال: أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال: فتهدي له زيتا يسرج فيه، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه ) [2] . [ ص: 194 ]
25- الإسراع في تخصيص مقرر يحمل اسم "الأوقاف الإسلامية بفلسطين" وآخر عن "أوقاف المغاربة بفلسطين"؛ ليكون متطلبا عاما في الجامعات الإسلامية والعربية لتعريف أبناء الأمة بتجربة الوقف بالأرض المباركة.
26- توجيه الطلاب في الدراسات العليا في الجامعات ومراكز البحث؛ لتحقيق التراث الوقفي وإنجاز الأبحاث بشأنه.
27- عقد مسابقات وتهييء جوائز لائقة ومناسبة حول الأوقاف الإسلامية بما فيها المغربية بفلسطين.
28- إنتاج فيلم تسجيلي عن أوقاف المغاربة، التاريخ والوثائق والتحديات والحلول.
29- الاحتفال كل عام بإحياء أوقاف المغاربة والتعريف بأبطالها والشخصيات المغربية، التي وقفت على فلسطين وأسهمت في تنمية الأوقاف الإسلامية هناك.
30- لابد من استلهام الدروس من الماضي والحاضر؛ ولا بد من العزف على السنن الإلهية في الخلق، وبيان أن الأمة كانت قوية بإسلامها، وأنها ارتكست في الحضيض؛ بسبب غياب الإسلام عن مسرح الحياة؛ علاوة على أن القضية الفلسطينية وأوقافها من الأمور الإسلامية غير المحتملة لأي تأويل؛ والله تعالى يقول: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) (الرعد:11). والأمر يفـضي إلى الاعتـصـام بالكتاب والسنـة؛ قـال تعـالى: ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) (آل عمـران:103)، وأن انتهاج مسلك الإسلام في الحياة مدعاة للقوة العظمى، والوحدة العظيمة؛ وهي [ ص: 195 ] من لوازم الاعتصام بحبل الله المتين والنور المبين؛ قال تعالى: ( وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ) (المؤمنون:52). وكمـا قـال الفاروق رضي الله عنه الذي فرق الله به بين الحق والباطل، وبين الجاهلية والإسلام، قال: "كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غير الإسلام أذلنا الله". وقال إمام دار الهجرة مالك بن أنس: "لن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، ألا وقد صلحت الأمة في أول عهدها بالإسلام والإسلام فقط.
31- هذه الأمة الإسلامية قد أودع الله تعالى فيها عناصر القوة وعوامل النهضة؛ ومنها القوة العددية، فالمسلمون يربو عددهم في العالم عن مليار ونصف المليار؛ فأين دورها يا ترى؟ ثم إن هذا العدد مجموع بجوار فلسطين ويطوقها من خلال دول الطوق كمصر والأردن وسوريا ولبنان وتركيا.. وإنهم منتشرون في العالم ويقطنون في القارات كلها. وإن هذه الكثرة في العدد لها دورها في الحرب النفسية ضد العدو، لو اجتمعت كلمة المسلمين لأرعبوا وأرهبوا هذا العدو ولما استطاع أن يقبع على أرضنا بله أن يعبث بأوقافنا الإسلامية! قال تعالى: ( واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ) (الأعراف:86).
32- هذه القوة العددية والروحية ليست بمنأى عن القوة المادية؛ فالله تعالى قد أودع في ربوع العالم الإسلامي كنوزا وخيرات حسانا، الذهب الأسود، والنفط والغاز، والسهول والتلال والجبال والهضاب والوديان والعيون والآبار والأنهار والبحار ومخزونا كبيرا من المياه الجوفية، إن الأمة الإسلامية تشكل من [ ص: 196 ] غير نزاع قوة اقتصادية تستطيع بواسطتها أن تمتلك ناصية العالم من جديد وأن تسترد حقوقها التاريخية بقوتها الاقتصادية وعزل إسرائيل والضغط عليها. وإسرائيل تعرف ذلك، فلذلك هي تسعى إلى التطبيع مع عالمنا العربي والإسلامي لاسيما على المستوى الاقتصادي.
33- هذه القوة لا قيمة لها بغير اجتماع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم؛ قال تعالى: ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) (الأنفال:46). وللأسف الشديد، فالأمة الإسلامية ما زال بأسها بينها شديد، فعدم القدرة على التحرير للأرض المقدسة واسترجاع الحقوق كالأوقاف الإسلامية دليل على وهنها وتنازعها وذهاب ريحها؛ قال الشاعر:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا
34- الدعاء للقضية الفلسطينية ولأهلها، وكل مهتم من موقعه وفي الثغر، الذي يرابط فيه؛ ذلك لأن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؛ ولأن الدعاء هو العبادة ومخها، ولا سيما إذا كان بظهر الغيب، وكان قد استجمع شروطها وآدابه من تقصي الأحوال الشريفة؛ وذلك دبر كل صلاة فريضة، وصلاة قيام الليل شعار الصالحين؛ لأنها سهام الليل، وفي قنوت النوازل، وفي الجمع والأعياد، وكل موسم ديني، أو تجمع أو مهرجان. وأن يكون الداعي موقنا بالإجابة محسنا الظن بالله تعالى، ملحا عليه، ولا منجا ولا ملجأ منه إلا إليه، يقول المولى [ ص: 197 ] تعالى: ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) (البقرة:186). ولقوله : ( ...إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ) [3] .
والدعاء هو أول وآخر ما يملكه المسلمون المعذبون في الأرض. ولا يجوز التواكل بالدعاء دون الأخذ بالأسبـاب الـكونية والشرعـيـة في مجال التغيير؛ فهذا المصطفى قد استنفذ حيلته في الدعوة، ودعا الناس سرا وعلانية، فرادى وجماعات، ودخل عليهم في أسواقهم، بل وعرض نفسه على القبائـل كبني ثقيف بالطـائف، ومع ذلك تكلل رحلته بالدعاء المشهور حيث لم ينس ربه تعالى:
( اللهـم إليك أشـكو ضعـف قوتي، وقلة حيلتي، وهـواني عـلى الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أو إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن ينزل بي غضـبك، أو يحـل علي سخطـك، لك العتبى حـتى ترضى، لا حـول ولا قوة إلا بك ) [4] . [ ص: 198 ]