المبحث الثالث: التحدي الأكبر للأوقاف في وجود الكيان الصهيوني:
إن التحدي الأكبر يكمن في الكيان الصهيوني عبر تآمره اليومي؛ لاستهداف الأوقاف الإسلامية عامة والمغربية خاصة، والقيام بوحشية وهمجية على هدم آثارها وطمس معالمها؛ لأنها شوكة في حلق القوم تظل شاهدة على الوجود الإسلامي الراسخ والتعاون البناء في ظل الخلافة الإسلامية بين المشرق والمغرب، وأن الأمة الإسلامية وإن نامت دهرا، لكنها لم تمت، فقد تعود لشهودها الحضاري في يوم من الأيام وتعيد الكرة على هذه البلاد، ومن بوابتها أوقافنا المغربية.
وعلى الرغم من ذلك؛ فإن الأوقاف الفلسطينية عامة والمغربية خاصة قد تعرضت لإحن ومحن وتحديات نتعرض لها وفق الآتي:
- في أراضي 1948م، استولى اليهود على معظم الأوقاف؛ بحجة أنها أملاك غائبين!
- مصادرة معظم المسجد الإبراهيمي.
- استولى اليهود على حائط البراق (الحائط الغربي للمسجد الأقصى).
- بنى اليهود على مقبرة (مأمن الله) في القدس فندق بلازا الفخم، وفتحت بها شوارع وحول القسم المتبقي منها إلى حدائق عامة. [ ص: 157 ]
- في عـام 1887م، خـطـط البـارون روتـشيـلـد لشـراء حي باب المغاربة بأكمله.
- عشية الحرب العالمية الأولى 1914م، حاولت شركة تطوير الأراضي الفلسطينية شراء المنطقة المحيطة بحائط المبكى.
- بعد وعد بلفور عام 1917م، أكدت المؤسسات اليهودية في فلسطين على أن حائط المبكى هو مكان مقدس جدا للشعب اليهودي.
- في أعقاب الانتفاضة والاحتجاجات، التي وقعت عام 1929م، شكلت سلطات الانتداب البريطاني لجنة تحقيق لتقصي ملابسات الأحداث وتوصلت - عن قصد وعمد- إلى استنتاج أنه لا يوجد هناك أي أساس ديني أو تاريخي يثبت هذا الادعاء، وأن القصة حول البراق، اخترعها المفتي لإلهاب مشاعر المسلمين ضد اليهود [1] . [ ص: 158 ]
- خـلال نكسـة عام 1967م، سقـط الجـزء الشـرقي من مدينة القـدس والذي كان تحـت الإدارة الأردنيـة، في قبـضـة الجيـش الإسرائيلي. بعـد وقت قـلـيـل من دخـول الجـيـش المـنـتـصر إلى المدينة، لفت ضابط يدعـى "أبراهـام شتـيرن"، انتبـاه "مـوشـي ديان" إلى وجود مراحيض ملتـصـقـة بحائـط البـراق، فـأعـطاه إذنا بـهـدمـها. ولأن قيادة العدو كانت تستعد لاستقبال مئات الآلاف من اليهود في عيد نزول التوراة عند ذلك الحـائط، ولأن المـكان الضيـق بينه وبـين بيـوت الحي المجـاور لم يكن يتسع إلا لبضع مئات؛ فقد تقرر في العاشر من يونيو هدم الحي بأكمله. خلال بضعة أيام، أزيح تماما حي أطلق عليه المقدسيون اسم "حارة المغاربة" لمدة 774 عاما [2] .
- في شهر يونيو 1967م، صادر الكيان الصهيوني حي المغاربة، وفي اليوم العاشر من نفس الشهر قامت قوات الاحتلال بإخلاء سكانه لتسويه بالأرض ولتقيم مكانه ساحة عمومية تكون قبالة حائط البراق. خلال بضعة أيام، أتت جرافات العدو على 138 بناية كما هدمت جامع البراق وجامع المغاربة. وما لبث أن لحق نفس المصير بالمدرسة الأفضلية وزاوية أبي مدين والزاوية الفخرية ومقام الشيخ. [ ص: 159 ]
هـكذا، وفي أيـام معدودة، كلمـح البصر، زالت من خارطـة القدس - بين عشيـة وضحـاها - ثمانية قرون من تعـلق المغـاربة بتـلكم الديار، وآه لها من ديار! والعجيـب العجـاب أن يـكون ذلك عن عنجهية صماء من قبل العـدو الصهيـوني الهمجي، وأمام سمع العالم العربي والإسلامي وبصره، ولا مجيب لنداء القدس والأرض المباركة، التي تستغيث!؟ وحتى هذا اليوم، مرت قرابة ما يربو على نصف قرن من وقوع تلك النكبة، والخشية كل الخشية من أن تزول معها - لاقدر الله- تلك القرون وذلك التعلق من الوجدان والذاكرة! [ ص: 160 ]