المبحث الثاني: الأوقاف على الأرض المقدسة:
- تشكل الأوقاف في فلسطين نحو مليون و680 ألف دونم (6.25% من مساحة فلسطين).
- يوجد في فلسطين 340 قرية تعتبر وقفا كليا أو جزئيا مثل بورين وبيت فوريك وشطا، وسعسع.
- روي أن عبد الملك بن مروان أوقف الخراج كله ولمدة سبع سنوات لبناء مسجد الصخرة في القدس الشريف.
- وبادر حكام دمشق إلى إقامة المباني الوقفية العامة كالأسواق والحوانيت والأبواب، واهتموا بتزويد المدينة المقدسة بالمياه بشكل منتظم، وعينوا علماء لإدارة الأوقاف [1] . [ ص: 85 ]
- وقد اعتاد الأمراء أن يبذلوا الأموال من أجل بناء الوقفيات، كالمدارس والمقابر، وكان من بين تلك المؤسسات، على سبيل المثال، المدرسة، التي بادر في إقامتها أرغون الكاملي، الذي كان حاكما في ولايتي حلب ودمشق، وكان الفراغ من بنائها بعد موته عام 1358هـ.
- والمدرسة، التي بناها الأمير طاز عام 1360-1362.
- والقرية، التي قام ببنائها طشتمر أمير الرسائل البريدية والذي عين نائبا لدمشق لاحقا [2] .
- قام الظاهر بيبرس (1260-1277) بتجديد الفسيفساء الخارجية حول الأضلاع الثمانية لقبة الصخرة، كما قام ببناء محراب السلسلة.
- وأصلح قلاوون (1279-1290) سقف المسجد الأقصى في الجهة الجنوبية الغربية.
- ورمم ابنه الناصر محمد بن قلاوون (1309-1340) السور الجنوبي للحرم على مقربة من محراب داوود. كما غطى حائط قبلة المسجد الأقصى بالرخام، وسبك الذهب من حديد في قبة المسـجد الأقصى وقبة الصخرة، وبنى القناطر في الجزء المرتفع من الدرج الشمالي، الذي يوصل من المنطقة السفلى للحرم إلى المنطقة المرتفعة والتي تقوم عليها قبة الصخرة.
- وبنى الأشرف شعبان (1363- 1377) مئذنة باب الأسباط. [ ص: 86 ]
- وقام قائتباي (1468-1495) بإيصال مياه الشرب إلى المبنى البارز الجمال، الذي أقيم إلى الشرق من رواق الأعمدة الغربي. ذلك المبنى الذي أطلق عليه اسم سبيل قائتباي الواقع في طرف مصطبة قايتباي الشمالي وهما واقعان ما بين باب الصخرة المطهرة وطرف صحن الصخرة [3] ، كما بادر قائتباي إلى بناء المدرسة المملوكية الوقفية في القدس، وهي المدرسة الأشرفية.
- وقام آخر السلاطين قانصوى الغوري (1500-1516) بتغطية قبة المسجد الأقصى وقاعدة قبة الصخرة مرة ثانية بالرصاص، كما سمح بمسح الحيطان ودهن أبواب المسجد الأقصى بالألوان الزيتية.
- وقد قام السلاطين ببناء الرباطات للمحتاجين، كما هو الحال في رباط البصير، الذي بادر ببنائه ناظم الحرم والقدس عام 1266، ومقابله في الجهة الجنوبية للشارع يقع الرباط المنصوري، الذي تمت إقامته بمبادرة من السلطان المنصور قلاوون، وإلى الشمال من الحرم تقع الخانقاه الدوادارية أنشأت في عهد المماليك (1245)، وعلى مقربة من بوابة الحديد، ومنذ نهاية القرن الثالث عشر، تم وقف مبنى عام ليكون رباطا للحجاج وهو رباط الكرد.
- وقـد شاعت إقامة المدارس الوقفية في القدس أيام المماليك، لعلو شأنـها من النـاحية الدينيـة، وتم صرف الأموال لإقامة هذا النوع من المباني، وقد صرفت رواتب للمدرسين، وأعطيت منح لطلابها، فالمدرسة العثمانية بنيت [ ص: 87 ] عام 1440 بتمويل من إحدى المسلمات من أصل أناضولي تدعى أصفهان شاه خاتون، حيث تم وقف المدرسة. والمدرسة الخاتونية بنتها امرأة مسلمة اسمها أغل خاتون ابنة شمس الدين البغدادي.
- وقد بنيت الإسعردية في السور الشمالي من الحرم الشريف على يد مجد الدين عبد الغني الإسعردي عام 1349.
- وتـم بنـاء المدرسـة السـلامية على يد مجد الدين إسماعيل السلامي، وقد كان هذا التقليد في بناء هذه الأبنية متبعا عند الأيوبيين، الذين سبقوا المماليك، وصلاح الدين أعاد المصلى الإسلامي إلى سابق عهده بعد أن حول على أيدي الصليـبـيـين إلى مقر البطريك اللاتيني، وأقام الخانقاه الصلاحية، كما أعاد المكان، الذي حول إلى كنيسة سانتا آنا إلى المدرسة الصـلاحية؛ لأنها وقف إسلامي.
- وتمت إقامة المدرسة المعظمية والقبة النحوية في منطقة الحرم بمبادرة من الملك عيسى ابن أخت صلاح الدين وذلك في مستهل القرن الثالث عشر، كما بنى قائتباي المدرسة الأشرفية في سنوات الثمانين من القرن الخامس عشر، وقام نائب الشام 1328 ببناء المدرسة التنكزية والصليبية، التي أقامها علاء الدين علي بن محمد نائب قلعة النمرود في أواخر القرن الرابع عشر، وكذلك المدرسة الحنبلية والتي بناها بيدمر نائب الشام عام 1380، وجميع هذه الأماكن، التي ذكرت آنفا تعتبر وقفا على واقفيها وذراريهم [4] . [ ص: 88 ]
- في أواخر القرن الثالث عشر أقيمت مبان ريفية كثيرة فوق الرواق من الجهة الشمالية الغربية بمحاذاة سور الحرم، (كالمدارس، والزوايا، والخوانق، والخلاوي، التي سكنها البوابون في الحرم، ورباط يخدم الزوار) وأوصلت إليه تسعة أبواب، أربعـة منها في الجهـة الشمـالية. وخمسـة في الجهـة الغربية، وخزنت الميـاه في آبار وبرك، كانت تصلها المياه من خلال القناة، التي تبتدئ من برك سليمان، كما وقفت بعض القطع من الأرض لزراعة الخضروات وتدعى الحواكير.
- ولقد أقيم زمن المماليك طريقان مركزيان شقتا المدينة القديمة، الأولى من الغرب وتتجه شرقا وأطلق عليها اسم شارع باب السلسلة، وما تزال تعرف بهذا الاسم إلى يومنا هذا، وتبدأ من الساحة القريبة من القلعة، التي كان يقطنها نائب القدس آنذاك، وتصل إلى الأسواق ومن ثم تلتوي إلى الجنوب وتمضي شرقا. وأقيمت هناك بعض الأسواق الوقفية الصغيرة كسوق الحريرية، سوق الطباخين وسوق المبيضين، على مقربة من درج العين تقع سوق الصاغة. والطريق المركزية الأخرى، التي أقيمت، هي تلك التي ربطت بين باب العمود شمالا حتى باب النبي في الجنوب، أما الطريق التي تعرف اليوم بطريق الواد، وتخرج من باب العامود حتى درج العين فقد أطلق عليها اسم خط وادي الطواحين، ويقع في آخر الوادي بئر يدعى بئر أيوب .
- وفي زمن صلاح الدين بني مستشفى كبير تم وقفه، وفي الجهة الشرقية منه عنـد تـقـاطـع الطريقـين المرـكزيـتـين أقيمـت الأسواق، كسوق العطارين، [ ص: 89 ] وسوق الخضر وسوق القماش، وبنيت سقوف هذه الأسواق بالقبب الحجرية تعلوها شبابيك كثيرة أثبتت فوقها لكي يتسلل الضوء عبرها. وقد تم وقف جميع هذه الأسواق [5] .
- لقد قام المماليك بتزويد القدس بالمياه من مصادر عدة، فقد تم تخزين مياه المطر في الآبار، التي كانت موجودة بساحة كل منزل، وأقيمت برك في الجهة الشمالية الشرقية للحرم الشريف، وحمام علاء الدين في وسط المدينة، كما وأقيمت برك في حارة النصارى لتخزين المياه، كما وجلبت المياه من عين سلوان، وبئر أيوب، وفي عهد صلاح الدين أنشئت القنوات التحت أرضية لتزويد المدينة بالمياه، وتم رفع مستوى المدينة إلى مستوى الحرم، بواسطة ممرات مقنطرة استخدمت كممرات سرية ربطت بين الحرم والمدينة، كما وأنشئت داخل هذه الممرات قنوات مياه كانت تصب في برك وأحواض تم إعدادها لتزويد المدينة ومنطقة الحرم بالمياه. وتبرز للعيان الترميمات لهذه القنوات والتي جرت إبان حكم الناصر محمد بن قلاوون في السنوات 1313، 1320، 1327، وأيام خشقدم وقائتباي بين السنوات 1465-1470، حيث تم ترميم القنوات القديمة، التي بنيت في عهد صلاح الدين، وبناء أحواض كثيرة لتخزين المياه [6] . [ ص: 90 ]
- لقد دفن المسلمون موتاهم في ثلاث مقابر داخل مدينة القدس تتبع الوقـف الإسـلامي. الأولى في الجهـة الشـمالية تـقع فوق الزاويـة الأدهـمـيـة، وفي الشرق مقبرة باب الرحمة، وفي الغرب تقع أكبر مقبرة وهي مقبرة ماميلا. وقد حوت القدس العديد من البساتين الوقفية، التي امتلأت بالأشجار المثمرة وكروم العنب والتين والتفاح، وأقيمت على أراضي وقف الخانقاه الصلاحية عشر مبان حجرية، وحددت بعض قطع الأراضي أطلق عليها "الأحواش"، لجماعات صوفية معينة كالقلندرية، حيث تم وقف هذه الأحواش على مثل تلك الفئات [7] .
- وفي الفترة العثمانية، فإن السلطان سليمان القانوني هو الذي وضع الإطار للمدينة لحماية الأماكن المقدسة، فالسور الكبير، الذي يحدق بالمدينة والبوابات المختلفة، التي أثبت فيه تعود للفترة العثمانية، وهذا لا يمنع من وجود بعضها قبل ذلك.
- لقد قام السلطان سليمان ببناء بركة السلطان بسبيلها المشهور، خارج الأسوار في الجهة الجنوبية الشرقية من باب الخليل، وقام بحفر القنوات المائية لتصريف المياه، التي تم جلبها للمدينة، واتجهت نحو الحرم القدسي والمنطقة المحاذية له، وقد وجهت المياه في ثلاثة سبل داخل الحرم وخمسة خارجه (اثنين شمالا، وثلاثة غربا)، وقد كان الفراغ من مشروع المياه عام 1541هـ [8] . [ ص: 91 ]
- وقد زرعت قطع من الأرض داخل الأسوار وخارجها بالخضـروات، كما كانت هناك كروم وبساتين متعددة تابعة للوقف الإسـلامي؛ وهي تعود إلى عصر المماليك الذين اشتهروا بمثل هذه الوقوف [9] .
- لقد أنشأ العثمانيون العديد من الأسواق، كسوق التجار والعطارين وسوق الخضر والباشورة، والسوق الكبير وسوق الصياغ، وخان القاطنين، وبعض هذه الأسواق أسست أصلا في زمن المماليك، تم توسعتها وترميمها على أيدي العثمـانيين، هـذا بالإضـافة إلى العديد من الحوانيت والمخـازن، التي كانت وقفا لقبة الصخرة. كما توجد إشارات إلى النتائج الإيجابية والتقدم، الذي طرأ نتيجة إجراء مشاريع تطويرية لهذا الوقف، فازداد عدد الحوانيت خارج مدخل السوق من 28 في آب 1564 إلى 32 حانوتا في شباط 156، وقد قام السلاطين المماليك ببناء قطعة الأرض، التي كانت وقفا لقبة الصخرة وأعلنت وقفا عائليا، وكان يدفع لخزينة وقف قبة الصخرة 20 باره (حكر أراضي) للحصول على حقوق استخدام الأراضي، وقد وصل مجموع مدخول وقف قبة الصخرة السنوي من الرسوم، التي فرضت على مستأجري الحوانيت في خان القاطنين فقط إلى حوالي 800 باره. [ ص: 92 ]