مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبع هـداه إلى يوم الدين.. وبعد:
فالله سبحانه وتعالى ، خلق الذكر والأنثى، وبث منهما نسلهما، جيلا بعد جيل، لتستمر الحياة على الأرض، إلى أن يشاء الله.. وقد هـيأ سبحانه لمخلوقاته كلها الأسباب التي تكفل لها الحياة والاستمرار فيها، إلى أن تصل للأجل المحدد، الذي كتبه لها..
والإنسان الذي خلقه الله على الأرض، وفضله على كثير من خلقه، حباه سبحانه بعناية ورعاية خاصة، تميزه على غيره من المخلوقات، ليقوم بعبادة الله الواحد الأحد، الذي قدر كل شيء فأحسن تقديره.
ومن مظاهر عناية الله بخلقه -خاصة الإنسان- توفير السبل التي تحفظ للجنين حياته، حتى يحين موعد ولادته، ثم توفير الغذاء المناسب له بعد ولادته، بإدرار اللبن من ثدي أمه، ليكون له طعاما وشرابا، يقتاته إلى أن يكبر. [ ص: 29 ]
ويمر الإنسان منذ لحظة الإخصاب وحتى الممات بمراحل متعددة تتضمن تغيرا مستمرا، فهو ينمو جسمانيا وفسيولوجيا واجتماعيا وانفعاليا وعقليا.. وهذه التغيرات لا تقف عند حد معين، ولكنها تستمر طوال حياته... وكثير من تلك التغيرات التي تحدث في المراحل الأولى من الحياة تتجه نحو تحقيق غرض ضمني قد لا يكون واضحا في ذهن الإنسان، وهو اكتمال البناء والنضج.
والنمو هـو تلك التغيرات الإنشائية البنائية التي تسير بالكائن الحي إلى الأمام حتى النضج.. وإذا كان النمو، في معناه الخاص الضيق، يتضمن التغيرات الجسمانية من حيث الطول و الوزن والحجم، نتيجة التفاعلات الكيميائية التي تحدث في الجسم، فإنه في معناه العام يشمل –بالإضافة إلى ما سبق– التغير في السلوك و المهارات، نتيجة نشاط الإنسان، والخبرات التي يكتسبها عند استعمال عضلاته، وأعصابه، وحواسه، وباقي أعضاء جسمه، كما يشمل أيضا التغيرات التي تطرأ على النواحي العقلية و الانفعالية و الاجتماعية و الحسية و الحركية..
فالنمو إذن « سلسلة متتابعة من التغيرات تهدف إلى غاية واحدة هـي اكتمال النضج ومدى استمراره...». وهذه السلسلة من التغيرات يمكن تقسيمها إلى أربع مجموعات أساسية هـي: التغيرات في [ ص: 30 ] الحجم، و التغيرات في النسب، و اختفاء معالم قديمة، واكتساب معالم جديدة.
ويعتبر النمو موضوعا حيويا وحساسا، يمس صحة أطفالنا، الجسمانية والعقلية، ويمس اقتصاد بلادنا، بل ويهدد استقلالها.
وقد يسأل سائل: كيف يتأثر الاقتصاد والاستقلال بمشكلة صحـية أو ذهنية؟
ببساطة شديدة، وإيجاز أشد، نقول: لو أخذنا مثلا مشكلة استهلاك واستيراد الألبان الصـناعية من الخارج، نجد أن قيمتها تتجاوز عشرات الملايين من الدولارات سنويا، وكثيرا ما ينقطع الاستيراد لسبب أو لآخر، فـتحدث مجاعة لدى الأطفال المدمنين على هـذه الألبان المستوردة، وقد ترضخ الدولة لشروط شركات الألبان التعسفية، أي أننا نشتري بإلحاح، وتوسل، وربـما تسـول، ما يضر أبناءنا - وهم عـماد المسـتقبل - ويودي بصحتهم، أطفالا وشبابا.
من هـنا، فإننا ندعو إلى العودة للرضاعة الطبيعية، ونود أن ننبه إلى أن شركات الألبان الصناعية، في العصر الحالي، أصبحت تنافس من حيث تحقيق الأرباح -إن لم تكن تتفوق على- معظم [ ص: 31 ] الشركات المنتجة للسلاح، حتى أصبحت صناعة ألبان الأطفال تفوق صناعة السلاح أهمية اقتصادية.. لذلك فهي تشجع كل الوسائل التي تعوق الرضاعة الطبيعية، وتثبط كل دعوة نحو العودة إلى الطبيعة، والفطرة، تماما مثلما تفعل شركات السلاح، التي توقد الحروب والنيران في كل بقعة من بقاع العالم النامي المسكين.
إن العودة للرضاعة الطبيعية، سوف تنقذ أولادنا وبلادنا من مشكلات كثيرة مثل: مشكلة علاج مضاعفات استعمال الألبان الصناعية، بل ومشكلة تدبير العملة الصعبة لاستيرادها، حيث ستتوفر الملايين من العملات الصعبة التي نحتاجها في بناء أوطاننا ومن ثم الاستقلال الاقتصادي، وعدم الاعتماد على غيرنا، فاليد العليا خير من اليد السفلى.
إن الرضاعة الطبيعية تسهم في تكوين جيل من الأطفال يتمتع بحنان الأمومة الساحر، ومن ثم جيل من الشباب القوي، يتمتع بالانتماء إلى أسرته، ووطنه، وليس محروما من ينبوع الحنان من صدر أمه، ومن ثم النهوض بالمستوى الفكري لأطفال المدارس، حيث إن لبن الأم، هـو المصدر الوحيد، الذي يحتوي على عناصر تنمية المخ والذكاء عند الأطفال. [ ص: 32 ]
ونحن هـنا لسنا ضد كل ما هـو جديد ومفيد من تقدم علمي في الغرب- فهذا التقدم هـو تطور لأصول العلوم الإسلامية التي أنارت للغرب طريقه منذ فجر الدعوة وعصورها المتتالية، فأخذها الغرب وطور فيها وأبدع، ونحن توقفنا لنسمع- إلا أننا نتفاعل مع يتوافق مع شريعتنا السمحة ونتعامل معه ونستفيد منه، من ذلك: تلك الأساليب الغذائية المفيدة لتنمية الذكاء، خاصة تغذية أطفال المدارس، بما ينعكس إيجابيا على مقدرتهم الاستيعابية، ومتابعة الأنماط الغذائية للأسر العربية وانعكاس ذلك على صحة أفراد الأسرة.
كما يمكن الإفادة أيضا من الدراسات التي أكدت الصلة بين بعض الأساليب التربوية ومقدرة الطفل على تحصيل العلوم، من ذلك ما ثبت علميا حول الآثار السلبية للوجبات السريعة على الأطفال، فقد حذرت دراسات طبية عديدة من تناول المأكولات ناقصة الفيتامينات والمعادن والأحماض الدهنية والأمينية الأساسية والألياف، وأكدت أن ( الوجـبات السريعة) تؤثر سـلبا على ذكاء الطـفل وقـدراته الفكرية، وتجعله كثير الحركة وغير مستقر، وتساعد على عدم التركيز، فإن الطفل في حاجة دائما إلى كميات معينة من البروتينات والنشويات والدهون والزيوت والطاقة كي ينمو بشكل سليم. [ ص: 33 ]
كما أكدت تلك الدراسات أن تأمين نظام غذائي متكامل يعد من الأمور المهمة للتعامل مع الطفل الذي يعاني من كثرة الحركة وعدم التركيز، فالأحماض الدهنية والأمينية تدخل في تكوين الغشاء الخارجي للخلايا، الذي يتحكم في دخول وخروج الأغذية من وإلى داخل الخلايا.
إن تنمية ذكاء الطفل، ووسائلها، بعد أن كانت موضوعا خاصا يناقش داخل قاعات الاجتماعات، صارت اليوم موضوعا عاما يناقش على المستوى الجماهيري، وعن طريق أجهزة الإعلام في كل مكان، ولعل هـذا الكتاب الذي نسـاهم به، مثال حي لما نقول، فالموضوع لم يعد من خصوصيات الأطباء أو علماء النفـس والتربية، وإنما أصبح موضوعا يهم كل مفكر وتربوي؛ وأثره يؤرق وجدان كل وطني عربي محب لبلده وأهله، ونأمل أن يساعد هـذا الكتاب في توسيع دائرة التعرف على أهم مبادئ الصحة البدنية والذهنية التي تفيد أبناءنا في اكتساب الخبرات الحياتية اللازمة.
والله ولي التوفيق، إنه نعم المولى، ونعم النصير، وعليه قصد السبيل. [ ص: 34 ]