الفصل الثالث
الصيغة الإسلامية لنظام الدولة وحماية
حقوق الإنسان
قد ذكرنا من قبل أن الإسلام أسس أول دولة قانونية في الأرض، تخضع فيها السلطة خضوعا كاملا لقيود تسمو عليها، تقيد كل سلطات الدولة، ولا يمكنها الخروج عليها، وتشكل حقوق الإنسان فيها حواجز منيعة أمام سلطات الحاكم، لأنها من تشريع إلهي.
فالشريعة الإسـلامية جاءت بنظام للدولة خاضع لقانون الشريعة؛ أي نظام الدولة القانونية بمقوماتها وضمانات تحقيقها، ولا نريد أن نعود إلى شرحها هـنا؛ لأنها مماثلة من حيث تأسيس وتنظيم أجهزة الدولة لما شرحناه عند الكلام عن الدولة القانونية في الفقه الدستوري، ولكن مع منهجية خاصة لتفعيل حقوق الإنسان، بما يفضي بصورة حتمية إلى حماية حقوق الإنسان وصيانتها. [ ص: 91 ] وذكرنا أيضا أن الدولة القانونية الحديثة بدأت وتطورت -من حيث الشكل والمظهر- باتجاه نظام الدولة القانونية التي كانت قائمة فـي الشرق الإسلامي، كما يرى بعض علماء السياسة والتاريخ والقانون.
إلا أن الصيغة الإسلامية لنظام الدولة القانونية تتميز بأن قائمة حقوق الإنسان فيها أوسع وأشمل، وأنها عامة لكل الناس، وهو ما سنعرض له عند ذكر الخصائص، كما أنها خالية من المعضلات الموجودة في نظيرتها الدولة القانونية بالصيغة الوضعية، وتتميز بأهم من ذلك كله وهو تفردها بامتلاك منهجية تفعيل حقوق الإنسان.
وعلى ذلك سنقسم هـذا الفصل إلى مبحثين:
الأول: خلو الدولة القانونية بالصيغة (الإسلامية) من معضلات نظيرتها (الوضعية) .
الثاني: منهجية تفعيل حقوق الإنسان في النظام الإسلامي. [ ص: 92 ]