عناصر الإنسان الصالح المولدة ( للعمل الصالح )
السؤال الذي نطرحه: كيف تعمل التربية الإسلامية على إخراج الإنسان الذي يقوم بـ ( العمل الصالح ) بكفاءة عالية؟
للإجابة عن هـذا السؤال لا بد من أمرين:
الأول : تعريف العمل.
والثاني : كيف يتولد العمل.
أما عن الأمر الأول، فإن التربية الإسلامية تطلق اسم العمل على كل حركة مقرونة بهدف: ( إنما الأعمال بالنيات ) [1] .. فكل حركة دون هـدف لا تسمى عملا. ولما كان الهدف خاصا بالإنسان، فإن القرآن أطلق اسم ( العمل ) على حركات الإنسان الهادفة لجلب الخير، ودفع الشر، أو العكس. أما الحركات غير الهادفة، كحركة الشمس، والقمر، والرياح، فقد سماها جريانا.
فالعمل إذن: هـو حركة وهدف.. وبتعبير آخر، هـو: قدرة وإرادة، فإذا وجدت القدرة، ووجدت الى جانبها الإدارة، يتولد العمل.
وهنا يأتي سؤال آخر وهو: ما هـي القدرة؟ وما هـي الإرادة؟ وكيف يمكن [ ص: 47 ] تنمية كل منهما كمقدمة لتزاوجهما بغية توليد " العمل " ؟
الجواب: القدرة نوعان: قدرة بمعنى الطاقة، وهذه يشترك بها الإنسان والحيوان والجماد.. وقدرة تسخيرية، وهي القدرة على تسخير طاقات المخلوقات المحسوسة في الكون طبقا للقوانين التي تنظم وجودها، ولما تمليه حاجات الإنسان في البقاء والرقي.. وهذه قدرة خاصة بالإنسان، وهي التي يجري عليها التركيز في التربية الإسلامية، لأن إيقان هـذه القدرة، يهيئ للإنسان المسلم أن يجسد مكانته كخلفية في الأرض، ويتحكم بقوانين الموجودات والأحداث من حوله، لما فيه بقاؤه ورقيه، ومن خلال هـذه القدرة التسخيرية، يستيقن من قدرة الله، ومظاهر صنعه، ونعمته في الخلق.
والقدرة التسخيرية : هـي ثمرة تزاوج القدرات العقلية الناضجة مع الخبرات الدينية والاجتماعية والكونية المربية. أي: إن القدرة التسخيرية تولد من خلال النظر العقلي السليم في تاريخ الأفكار والأحداث والأشخاص والأشياء، والإحاطة بنشأتها، ثم تطورها وواقعها.
أما الإرادة : فهي توجه رغبات الفرد نحو هـدف معين. وهي أيضا مما يميز الإنسان عن المخلوقات الأخرى. وتكون الإرادة سليمة حين تتوجه رغبات الفرد نحو حاجاته الأساسية والعليا بالقدر والأسلوب اللذين يجلبان له النفع ويدفعان عنه الضرر في حياته ومصيره [2] . وتطلق مصادر التربية الإسلامية – في القران والسنة – على نماذج الحاجات الجالبة للإنسان ما ينفعه، والدافعة عنه ما يضره في حياته وآخرته اسم: " المثل الأعلى " .
والإرادة هـي ثمرة التزاوج بين القدرات العقلية، والمثل الأعلى المشار
إليه. أي أن – تولد من خلال النظر العقلي السليم في مستويات المثل الأعلى التي تتضمن نماذج الحاجات التي تجلب للإنسان النفع، وتدفع عنه الضرر، [ ص: 48 ] وتأخذه بيده في مدارج البقاء والرقي. [3]
من ذلك كله يمكن القول: إن " العمل الصالح " الذي هـو سمة الفرد الصالح، هـو ثمرة عدد معين من العمليات التربوية التي تتكامل حسب نسق معين، يمكن أن نوجزه في المعادلات التالية:
العمل الصالح = القدرة التسخيرية + الإرادة العازمة.
الإرادة العازمة = القدرات العقلية الناضجة + المثل الأعلى.
القدرة التسخيرية = القدرات العقلية الناضجة + الخبرات الدينية والاجتماعية والكونية المربية.
وجميع هـذه العناصر التي تشمل عليها المعادلات المذكورة أعلاه تنمو وتنضج بالتربية والإعداد المناسبين.
لذلك لا تكفي التربية الإسلامية بوعظ الإنسان لإتيان العمل الصالح، و إنما يسبق الوعظ إحكام تنمية المكونات الأولى للعمل الصالح، أي تنمية القدرات العقلية، والوصول بها إلى درجة النضج، ثم المثل الأعلى، ثم الخبرات الدينية والاجتماعية والكونية، ثم المزاوجة بينها طبقا لقواعد معينة لتوجد المركبين الآخرين وهما: الإرادة العازمة، والقدرة التسخيرية باعتبارها جميعا، حين تنضج تربيتها، تنتهي إلى إنجاب " العمل الصالح " الذي هـو الهدف الأخير للعملية التربوية.
وإحكام تنمية مكونات العمل الصالح، وتنسيقها، وإحكام التفاعل والمزاوجة بينها لإنجاب مركب " العمل الصالح " هـو بعض مظاهر
( طريقة الحكمة ) في التربية الإسلامية، التي وجه القران إلى ضرورة تعاملها مع كل من طريقة الوعظ وطريقة الجدال الأحسن. [ ص: 49 ]