الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  فقه الدعوة ملامح وآفاق [الجزء الثاني]

                  عمر عبيد حسنة

                  مقدمة اقتضت سنة الله ألا تقتصر عملية الابتلاء على جوانب الشر، كما يتبادر إلى كثير من الأذهان، بل قد يكون الابتلاء بالخير أشد، وفتنته أقوى، ومن الخطورة بمكان تلك التربية النصفية، حيث تسيطر على عقلية بعض العاملين في حقل الدعوة الإسلامية ثقافة الابتلاء بالشر فقط فيصاب بالعجز عن التعامل مع ابتلاءات الخير، ويسقط عند الصدمة الأولى، [ ص: 18 ] حتى وصل الأمر عند بعضهم إلى الاعتقاد أن الابتلاء بالشر وحده دليل صواب الطريق، ومقياس صدقه وسلامته، بهذه التربية النصفية يصبح بعض دعاة الإسلام عاجزين عن التعامل مع الخير، وإن أرادوا ذلك فقد لا يحسنونه، بسبب من غيابه عن ساحة التصور والتدريب التربوي، والله تعالى يقول: ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) - الأنبياء: 35، والعمل الإسلامي اليوم قد يعتريه بعض التخبط والتعثر بسبب من هـذه التربية النصفية التي أصبحت وكأنها ضربة لازب عليه.

                  إن فقه المرحلة، وحسن اختيار الموقع الفاعل من خلال الظروف المحيطة والإمكانات المتاحة، وفقه سنن التغيير والمدافعة، وامتلاك وسائله الحكيمة يكاد يكون قضية العاملين للإسلام الملحة اليوم.

                  في ذلك نرى أنه لا بد من إدراك جغرافية الساحة التي يتحرك فيها الدعاة اليوم وخلفياتها المتعددة، وقد اعتبر فقهاؤنا العرف أحد مصادر التشريع الفرعية، ويفتقد صفة الاجتهاد العاجز عن إدراك أعراف الناس، وظروف معاشهم، وطبيعة حياتهم، لابتعاده عن الساحة وانسحابه منها؛ لذلك تقرر بأنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان.

                  إن العمل للإسلام اليوم يقتضي حسا صادقا، وإدراكا واعيا، وعقلا راجحا، واطلاعا واسعا، وحسن فهم لمعركة الإسلام وخصومه، حيث تتبدل الظروف، وتتغير المشكلات وتتطور المواجهة، إنه باختصار يقتضي فقه المراحل.

                  من هـنا تأتي أهمية هـذا الحوار مع الدكتور حسن الترابي الذي يعتبر بحق أحد شيوخ الدعوة الإسلامية، ومنظريها المعاصرين، ذلك أن أصوله العلمية الشرعية، وثقافته العصرية، ومعرفته لعديد من اللغات الأجنبية، وتقلبه في مواقع علمية وثقافية وسياسية وقضائية، إلى جانب الابتلاءات المتنوعة التي تعرضت لها الحركة الإسلامية في السودان والعالم أكسبته قدرا من البصارة والنفاذ، أو ما يمكن أن نسميه بـ " فقه المرحلة " ، إنها يمتلك نظرات هـامة في قضية التجديد والاجتهاد وفقه المراحل، لا بد أن تخضع للحوار والمناقشة للانتقال بمواقع العاملين في الحقل الإسلامي من النافع إلى الأنفع، ومن الصالح إلى الأصلح، ومن الحسن إلى الأحسن. إن هـذا الحوار يكشف عن الكثير من جوانب القضية الإسلامية في السودان ، ويشكل النافذة الأمينة لرؤية التوجه الإسلامي [ ص: 19 ] والعقلية التي تتعامل مع هـذا التوجه، ويغني رؤية دعاة الإسلام بتقديم تجربة ميدانية للانتقال من المبادئ إلى البرامج سوف تنعكس بالضرورة على وسائل الدعوة وعقلية الدعاة.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية