الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  فقه الدعوة ملامح وآفاق [الجزء الثاني]

                  عمر عبيد حسنة

                  فقه المرحلة والانتقال من المبادئ إلى البرامج

                  في حوار مع: الدكتور حسن عبد الله الترابي

                  مدخل: · من مواليد مدينة كسلا بالإقليم الشرقي بالسودان عام 1932م.

                  · تلقى عن والده - الذي عمل بالقضاء الشرعي نحو ثلاثين عاما - علوم العربية والفقه والدين.

                  · حفظ القرآن الكريم ببضع قراءات.

                  · تلقى تعليمه الأولى بالمدارس السودانية الحكومية.

                  · درس القانون في القانون جامعة الخرطوم.

                  · حصل على البكالوريوس في القوانين من جامعة لندن عام 1955 والماجستير عام 1957م.

                  · درس نحو أربع سنين في جامعة باريس وحصل على الدكتوراه في القانون المقارن عام 1964م.

                  · يتكلم ويكتب العربية والإنكليزية والفرنسية ويقرأ الألمانية.

                  · عمل أستاذا للقانون الجنائي والدستوري وعميدا لكلية القانون بجامعة الخرطوم .

                  من مؤلفاته: - الصلاة عماد الدين - الإيمان

                  - المسلم بين الوجدان والسلطان - رسالة المرأة.

                  - المسألة الدستورية - تجديد أصول الفقه الإسلامي.

                  - يقول: حرصت على تعلم الفرنسية لأطلع على الحضارة الفرنسية من مصادرها الأصلية ولأدرس كسبهم النظري في القانون، فهو أوسع مما عند الإنكليز، وتعلمت الألمانية لأول الأمر [ ص: 13 ] لأقف على مكتوبات الألمان في الفكر الديني والفلسفي، ولهم في ذلك باع طويل.. وحبب إلي من تعمقي مبكرا في علوم العربية، ومن كسبي للنظر المقارن في اللغات أن أعكف على كل لغة أو لهجة تواتيني الظروف لتعلمها، فإن في توسيع الأسماء والأفعال بلغة سعة للعقل.

                  · يؤمن بالحوار والتفاعل مع الجميع بعيدا عن السذاجة الفكرية، دون أن يتخلى عن أرضيته..

                  · أكسبته التجارب والنزول إلى ساحة الواقع القدرة على الفهم، وإبداع أفكار ومصطلحات، تعبر عن المراحل، وتحولها إلى أعمال، وتجسدها في حياة جماهير الأمة (التزاوج بين المنقول والمعقول ) دون التوقف عن النظر إلى المستقبل، واستشراف أبعاده من خلال الواقع الممكن.

                  كما أكسبته التجربة القدرة على إشاعة مفهوم الأخوة الشامل، وتعبئة الجماهير المسلمة استجابة للخطاب الإسلامي العام، والارتكاز في الوقت نفسه على النخبة المثقفة لأنها تشكل عقل الأمة وطليعتها.

                  · ويرى: أن الدين توحيد بين المثال المطلق والواقع النسبي، فالمثال ترسمه التعاليم والتكاليف الشرعية، التي يخاطب بها الإنسان، والواقع هـو الابتلاءات المادية والظرفية التي تحيط بدنيا الإنسان، والتدين هـو إيمان نفسي بمثال الحق المطلق، ثم كسب تاريخي يجاهد الواقع ليقربه من المثال، ويجسد الإيمان في أمثل صورة واقعية ممكنة، ومن ثم المحاولة الدائبة للرقي نحو كمالات المثال.

                  · كما يرى: أن الصراع في أفريقيا صراع حضاري بين العروبة والإسلام من جهة، وبين الشرق والغرب من جهة أخرى، وإذا أصبح السودان عربيا مسلما خالصا، سيقلب موازين القوى في المنطقة.

                  · ويرى: أن العرب والمسلمين متمكنون من ثروة مقدرة تنفق في شتى المجالات، ثم لا يرى شيء مقدر يوجه نحو مد الدفع الثقافي العربي الإسلامي بالرغم من أن الملايين من المسلمين في أفريقيا وآسيا يتطلعون إلى تعلم اللغة العربية والاستزادة من علوم الدين، وأن الملايين الآخرين من ذوي المعتقدات غير الكتابية مهيئون لتقبل الدعوة الإسلامية بيسر شديد، وأن حرية الدعوة الإسلامية أوسع بكثير من المحاولات التي تستثمر ذلك [ ص: 14 ] الظرف· ويقول: إن كثيرا من أبناء المسلمين بسبب من ضغوط التعليم والترقي الاجتماعي، انخرطوا في ملل غير إسلامية أو ذابوا في الحضارة الغربية، والحاجة اليوم شديدة لاتخاذ استراتيجية مشتركة لمجابهة هـذا التحدي الذي لا تجدي معه الصدقات والمشروعات المحدودة.

                  · ويرى: أن المرأة المسلمة تحكمها التقاليد والأعراف القديمة التي تظلمها وتحبسها عن المشاركة في الحياة تحت اسم الدين، وعلى حسابه، لذلك لا بد أن تستظهر المرأة المسلمة بقوة شرعية تضفي على مشاركتها الشرعية وترشدها، وتضبطها في الوقت ذاته.

                  وأن العجز عن إيجاد الأوعية الشرعية لخروج المرأة وإعطائها حقها في الحياة الإسلامية هـو الذي استدعى صور الخروج بعيدا عن الاستظهار بقوة الشرع.

                  ويرى: أن البناء الديني يقوم على الإخلاص والاختيار الطوعي، ولا يمكن للقوة فضلا على العنف أن تكون أداة لتحقيق هـذا البناء.

                  · وأن الصحوة الإسلامية ظاهرة تاريخية دورية: يصيب المسلمين ذبول في دوافع الإيمان، وخمول في الفكر والفقه، وجمود في الحركة، فينحط كسبهم، ثم تستفزهم أزمة السقوط ويحضهم الوعي بالانحطاط عن أمجاد سالفة، والذل إزاء تحد خارجي فينهضوا من جديد.

                  وأن مظاهر هـذه الصحوة لا يمكن أن ترد إلى محاور النشاط الإسلامي المنظم فقط لأنها غدت تيارا فكريا جماهيريا سائرا. والصحوة ليست مستوطنة بأرض العرب وحدها، فالإسلام ميراث مشترك للأمة الإسلامية.

                  وأن الصحوة جاءت استجابة لظروف غشيت العالم قاطبة: انحسار الاستعمار السياسي، وانكسار الغرور الحضاري الغربي، وخيبة النظم اللادينية، وحركة الوعي الإسلامي.

                  · ويعتقد: أن المجتمع المسلم برغم صحوته المباركة، لا يزال يعاني من نقص نسبي في المجال الفكري والتنظيمي، ومن أكبر الخطر أن تنطلق طاقات الإيمان فلا تجد الهداية الفكرية والأوعية التنظيمية فتبدد سدى، أو تضل، أو تتخبط، أو تتوجه صوب الانحراف. [ ص: 15 ] ولا بد للنهوض من استكمال شروط اليقظة الروحية، والصحوة الفكرية، والنهضة الحركية، وبذلك نكون قد استكملنا توبتنا من ماضي الانحطاط، واستقبلنا توجهنا نحو دورة حضارية تتقدم بالمسلمين نقدمها إلى العالم أجمع.

                  · كما يعتقد أن المناخ السياسي القهري شغل الصحوة الإسلامية بأصل وجودها، وصرفها عما وراء ذلك، وحرمها من الحرية التي هـي شرط النشأة، والحياة، والتطور لكل صراع فكري منزل على الواقع، وحال بينها وبين الحوار الداخلي والخارجي.

                  · ويرى أن الفقه السياسي عامة في الإسلام قد اضمحل مبكرا. بينما كانت وجوه الفقه الأخرى تزدهر قبل أن يطبق الجمود الشامل على الفقه كله. ويعلل ذلك بسبب من الفتنة السياسية المبكرة التي خرجت بالسياسة من نيات الدين، وضوابط الشرع، وباعدت بين الفقهاء والسلطان.

                  · ويرى: أن حكومات المسلمين مدعوة - بحق الدين وبالمصلحة في الاستقرار السياسي - إلى أن تتخذ سياسة أرشد نحو الإسلام، وألا تلجئ الإسلاميين إلى الصراع السلبي.

                  وأن الدول الاستعمارية مدعوة كذلك أن تتعقل لأنها لن تستطع مغالبة التطور الإسلامي المتقدم، وقد تضره قليلا بمصادمته المباشرة أو بإغراء حكومات المسلمين به، لكن الأمر في النهاية سيؤدي إلى تصاعد الجهاد.

                  · ويعتقد: أن الديمقراطية إذا طرحت بشكل صحيح فإن غالبية الشعب سوف تجنح نحو الإسلام لأن الشعوب مسلمة بفطرتها، لذلك فإن المؤامرات لإقامة أنظمة عسكرية، أو قهرية، القصد منها سد الطريق أمام الشعوب المسلمة بشريحة مغتربة عنها.

                  · ويرى في الواقع العربي اليوم: أنه لا بد لفقه الصحوة التوحيدي في الوطن العربي أن يقعد حوارا مع مذاهب القومية العربية التي تتجه أيضا نحو الوحدة على الرغم من أن المناظرة كانت سلبية في الماضي، نظرا لما لا حظ دعاة الصحوة في بعض دعاة القومية من إدارة الظهر للأمة الإسلامية ومن الافتتان بالمذهبيات الغربية اللادينية، من علمانية ومادية في العقيدة أو السياسة ومن كيد واضطهاد لدعاة الإسلام.

                  كما يرى: أن الدعوة القومية مهما انفعلت بعض أطروحاتها بالأصل العرقي أو الثقافي [ ص: 16 ] أو تأثرت بالحضارة الغربية المهيمنة فغالب المؤمنين بها شعوب تعبر عن فطرة القربى العربية ولا تتخذها خصما لدينها بل تتحد بها مع دينها، وبعض دعاتها وصلها بالإسلام صراحة لا سيما في الآونة الأخيرة ... وفي الواقع العربي حاجات لتوحيد القومية إلى الدين فالعاطفة القومية مهما دعمتها المضامين المبهمة التي تطرح الآن لا تقوى وحدها على مغالبة أهواء الفرقة الإقليمية والسياسية، ومكائد التفريق الإمبريالية.. وإخفاق مشروعات الوحدة الكثيرة، شاهد على قصور دافع التوحيد القومي، إلا أن يعزز بدافع التوحيد الديني الفعال.. والقومية وحدها لا تطرح مع الوحدة مضمونا هـدفيا ومنهجيا شاملا كالإسلام الذي يبرز معالم الحياة الموحدة المنشودة ومضامينها.

                  والإسلام يضيف إليها بعدا بفتحها على العالم وتوسيع قاعدتها الطبيعية بالتعريب ويبسط منها إلى العالم روحا رسالية، ومنهجا إنسانيا يحمل مقومات الإصلاح والعدالة للمسلمين قاطبة وللناس كافة.

                  · ويدعو القوميين إلى ملاحظة انحسار الدعوات، وبوار المخططات الوحدوية، وتفاقم الإخفاق والإحباط الراهن ليدركوا أنها أعراض لحالة مرضية جذرية لا يجدي فيها إلا علاج حضاري أصيل تلتمسه الأمة في حق قيمها وعبر تراثها الإسلامي.

                  كما يطلب إلى دعاة الإسلام أن يدركوا أن وحدة العرب - مهما اختلطت دوافعها الأولية بل حتى لو انطوت على بعض نكسة لحرية الدعوة الإسلامية وتقدمها في المدى القريب - تبقى ذات مغزى تاريخي كبير للإسلام فسيذهب الزبد جفاء ويبقى العرب للإسلام وإذا عزوا بالوحدة فسيصب عزهم عاجلا وآجلا في عز الإسلام.

                  · ولذلك كله يرى: أنه لا يجوز للعاملين في الحقل الإسلامي أن ينقلبوا إلى طوائف منفصلة عن جسم الأمة وأهدافها العامة، يعكفون على خاصة أمرهم ويعجبون بتراثهم، بل لا بد لهم من أن يحاولوا العمل في جبهة عريضة تضم كل من ينفعل بالقضية الإسلامية.

                  ويعتقد: أن حصر قضية الإسلام بجماعة أو حزب، أمر يثير غيرة القوى السياسية الأخرى وولاءها التاريخي.

                  وأنه لا بد للعاملين في الحقل الإسلامي من التوغل في أوساط الجماهير، والتفاعل مع الفطرة المؤمنة لتوليد الطاقة الشعبية التي تحمل الهم الإسلامي العام وبناء العلاقة المتفتحة مع حركة الإسلام الشاملة، وإقامة دبلوماسية شعبية يمكن لها أن تزيل عجز التواصل بين المسلمين، [ ص: 17 ] وأن العمل الدعوي يمكن أن يتم في إطار الحياة الواسعة والأطر الطبيعية للحياة الاجتماعية، في معاهد العلم والمساجد ومراكز الثقافة الشعبية وأجهزة الإعلام والعمل السياسي.

                  هذه بعض النوافذ البسيطة التي يمكن أن تشكل إطلالة سريعة على التصور الذي يتمتع به الدكتور الترابي للعمل الإسلامي وهي لا تغني بالطبع عن ضرورة الإحاطة لمعرفة تطور التجربة وكسبها في مختلف الميادين ذلك أنه لم يتوقف عند مرحلة التنظير والكلام في المبادئ وإنما تجاوزها إلى محاولة تنزيل الإسلام على واقع الناس والاجتهاد في وضع البرامج، ويمكن أن تعتبر هـذه التجربة وفي مجال فقه الدعوة نقله نوعية متميزة في فهمها للواقع وقدرتها على قراءة الظروف بأبجدية إسلامية وإبراز المشروع الإسلامي في هـذه المرحلة.

                  ولا شك عندي أن الرجل يمثل تجربة غنية ورؤية متميزة ومتقدمة في العمل الإسلامي يمكن أن يشكل بحق إضافة للمسيرة الإسلامية المعاصرة سواء بما حالفها من صواب لتلمسه أو ما وقعت فيه من أخطاء لتجنبها والإفادة منها. ذلك أن السكونية والانسحاب من الساحة والابتعاد عن فقه الواقع وعن امتلاك القدرة على التعامل معه لا يعني صواب الرأي بالقدر نفسه الذي لا يعني فيه الخطأ. إنه صورة خارجة عن معادلة الخطأ والصواب، وعجز عن تنزيل الإسلام على واقع الناس وإيجاد الأوعية الشرعية لحركة المسلمين والاكتفاء بإلقاء التبعة على الظروف والعامل الخارجي دون الانتباه إلى أننا بشكل غير مباشر نحكم على أنفسنا بأننا دون سوية العصر بظروفه، ودون سوية التعامل مع القضية الإسلامية وفقه ميدانها.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية