( 8152 ) فصل :
nindex.php?page=treesubj&link=20991_20993_20992_16530_16535والأسماء تنقسم إلى ستة أقسام ; أحدها ، ما له مسمى واحد ، كالرجل والمرأة والإنسان والحيوان ، فهذا تنصرف اليمين إلى مسماه بغير خلاف . الثاني ، ما له موضوع شرعي ، وموضوع لغوي ، كالوضوء والطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة والبيع ونحو ذلك ، فهذا تنصرف اليمين عند الإطلاق إلى موضوعه الشرعي دون اللغوي ، لا نعلم فيه أيضا خلافا ، غير ما ذكرناه فيما تقدم .
الثالث ، ما له موضوع حقيقي ومجاز لم يشتهر أكثر من الحقيقة ، كالأسد والبحر ، فيمين الحالف تنصرف عند الإطلاق إلى الحقيقة دون المجاز ; لأن كلام الشارع إذا ورد في مثل هذا ، حمل على حقيقته دون مجازه ، كذلك اليمين .
الرابع ، الأسماء العرفية ، وهي ما يشتهر مجازه حتى تصير الحقيقة مغمورة فيه ، فهذا على ضروب ; أحدها ، ما يغلب على الحقيقة ، بحيث لا يعلمها أكثر الناس ، كالراوية ، هي في العرف اسم المزادة ، وفي الحقيقة اسم لما يستقى عليه من الحيوانات ، والظعينة في العرف المرأة ، وفي الحقيقة الناقة التي يظعن عليها ، والعذرة والغائط في العرف الفضلة المستقذرة ، وفي الحقيقة العذرة فناء الدار ، ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، عليه السلام ، لقوم : ما لكم لا تنظفون عذراتكم ؟ يريد أفنيتكم . والغائط المكان المطمئن .
فهذا وأشباهه تنصرف يمين الحالف إلى المجاز دون الحقيقة ; لأنه الذي يريده بيمينه ، ويفهم من كلامه ، فأشبه الحقيقة في غيره .
الضرب الثاني ، أن يخص عرف الاستعمال بعض الحقيقة بالاسم ، وهذا يتنوع أنواعا ; فمنه ما يشتهر التخصيص فيه ، كلفظ الدابة ، هو في الحقيقة اسم لكل ما يدب ، قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } . وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=55إن شر الدواب عند الله الذين كفروا } .
وفي العرف اسم للبغال والخيل والحمير ، ولذلك لو وصى إنسان لرجل بدابة من دوابه ، كان له أحد هذه الثلاث ، فالظاهر أن
nindex.php?page=treesubj&link=26602_16530يمين الحالف تنصرف إلى العرف دون الحقيقة عند الإطلاق ، كالذي قبله . ويحتمل أن تتناول يمينه الحقيقة ; بناء على قولهم فيما سنذكره ، وعلى قول من قال في الحالف على ترك أكل اللحم : إن يمينه تتناول السمك . ومن هذا النوع إذا حلف لا يشم الريحان ، فإنه في العرف اسم مختص بالريحان الفارسي ، وهو في الحقيقة اسم
[ ص: 58 ] لكل نبت أو زهر طيب الريح ، مثل الورد والبنفسج والنرجس .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي : لا يحنث إلا بشم الريحان الفارسي . وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; لأن الحالف لا يريد بيمينه في الظاهر سواه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب : يحنث بشم ما يسمى في الحقيقة ريحانا ; لأن الاسم يتناوله حقيقة . ولا يحنث بشم الفاكهة ، وجها واحدا ; لأنها لا تسمى ريحانا حقيقة ولا عرفا . ومن هذا لو
nindex.php?page=treesubj&link=16530_26602_16535حلف لا يشم وردا ، ولا بنفسجا ، فشم دهن البنفسج ، وماء الورد ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي : لا يحنث .
وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ; لأنه لم يشم وردا ولا بنفسجا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب : يحنث ; لأن الشم إنما هو للرائحة دون الذات ، ورائحة الورد والبنفسج موجودة فيهما . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : يحنث بشم دهن البنفسج ; لأنه يسمى بنفسجا ، ولا يحنث بشم ماء الورد ; لأنه لا يسمى وردا .
والأول أقرب إلى الصحة ، إن شاء الله تعالى . وإن شم الورد والبنفسج اليابس ، حنث . وقال بعض أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يحنث ، كما لو حلف لا يأكل رطبا ، فأكل تمرا . ولنا ، أن حقيقته باقية ، فحنث به كما لو حلف لا يأكل لحما ، فأكل قديدا ، وفارق ما ذكروه ، فإن التمر ليس رطبا . وإن حلف لا يأكل شواء ، حنث بأكل اللحم المشوي ، دون غيره من البيض المشوي وما عداه . وبه قال أصحاب الرأي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف ،
nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر : يحنث بأكل كل ما يشوى ; لأنه شواء . ولنا ، أن هذا لا يسمى شواء ، فلم يحنث بأكله ، كالمطبوخ ، وقولهم : هو شواء في الحقيقة . قلنا : لكنه لا يسمى شواء في العرف ، والظاهر أنه إنما يريد المسمى شواء في عرفهم . وإن
nindex.php?page=treesubj&link=16530_26602_16535حلف لا يدخل بيتا ، فدخل مسجدا ، أو حماما ، فإنه يحنث . نص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد . ويحتمل أن لا يحنث .
وهو قول أكثر الفقهاء ; لأنه لا يسمى بيتا في العرف ، فأشبه ما قبله من الأنواع . والأول المذهب ، لأنهما بيتان حقيقة ، وقد سمى الله المساجد بيوتا ، فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=36في بيوت أذن الله أن ترفع } . وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=96إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا } . وروي في حديث : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15189المسجد بيت كل تقي } . وروي في خبر : " بئس البيت الحمام " . وإذا كان بيتا في الحقيقة ، ويسميه الشارع بيتا ، حنث بدخوله ، كبيت الإنسان ، ولا نسلم أنه من الأنواع ، فإن هذا يسمى بيتا في العرف ، بخلاف الذي قبله .
وإن دخل بيتا من شعر ، أو غيره ، حنث ، سواء كان الحالف حضريا أو بدويا ، فإن اسم البيت يقع عليه حقيقة وعرفا ، قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=80والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم } .
فأما ما لا يسمى في العرف بيتا ، كالخيمة ، فالأولى أن لا يحنث بدخوله من لا يسميه بيتا ; لأن يمينه لا تنصرف إليه . وإن دخل دهليز دار أو صفتها ، لم يحنث . وهو قول بعض أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة يحنث ; لأن جميع الدار بيت .
[ ص: 59 ] ولنا ، أنه لا يسمى بيتا ، ولهذا يقال : ما دخلت البيت ، إنما وقفت في الصحن . وإن
nindex.php?page=treesubj&link=16530_26602_16535حلف لا يركب ، فركب سفينة ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب : يحنث ; لأنه ركوب ، قال الله - تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41اركبوا فيها بسم الله مجراها } . وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فإذا ركبوا في الفلك } . الضرب الثالث ، أن يكون الاسم المحلوف عليه عاما ، لكن أضاف إليه فعلا لم تجر العادة به ، إلا في بعضه ، أو اشتهر في البعض دون البعض ، مثل أن
nindex.php?page=treesubj&link=16530_26602_16535يحلف أن لا يأكل رأسا ، فإنه يحنث بأكل رأس كل حيوان من النعم والصيود والطيور والحيتان والجراد . ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب : لا يحنث إلا بأكل رأس جرت العادة ببيعه للأكل منفردا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يحنث إلا بأكل رءوس بهيمة الأنعام دون غيرها ، إلا أن يكون في بلد تكثر فيه الصيود ، وتميز رءوسها ، فيحنث بأكلها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : لا يحنث بأكل رءوس الإبل ; لأن العادة لم تجر ببيعها مفردة . وقال صاحباه : لا يحنث إلا بأكل رءوس الغنم ; لأنها التي تباع في الأسواق دون غيرها ، فيمينه تنصرف إليها .
ووجه الأول ، أن هذه رءوس - حقيقة وعرفا - مأكولة ، فحنث بأكلها ، كما لو حلف لا يأكل لحما ، فأكل من لحم النعام والزرافة ، وما يندر وجوده وبيعه ، ومن ذلك إذا حلف لا يأكل بيضا ، حنث بأكل بيض كل حيوان ، سواء كثر وجوده ، كبيض الدجاج ، أو قل وجوده كبيض النعام . وبهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وقال أصحاب الرأي : لا يحنث بأكل بيض النعام . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور : لا يحنث إلا بأكل بيض الدجاج ، وما يباع في السوق . ولنا ، أن هذا كله بيض حقيقة وعرفا ، وهو مأكول ، فيحنث بأكله ، كبيض الدجاج ، ولأنه لو حلف لا يشرب ماء ، فشرب ماء البحر ، أو ماء نجسا ، أو لا يأكل خبزا ، فأكل الأرز أو الذرة ، في مكان لا يعتاد أكله فيه ، حنث .
فأما إن أكل بيض السمك أو الجراد ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي : يحنث ; لأنه بيض حيوان ، أشبه بيض النعام . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب : لا يحنث إلا بأكل بيض يزايل بائضه في الحياة . وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ، وأصحاب الرأي ، وأكثر العلماء . وهو الصحيح ; لأن هذا لا يفهم من إطلاق اسم البيض ، ولا يذكر إلا مضافا إلى بائضه ، ولا يحنث بأكل شيء يسمى بيضا غير بيض الحيوان ، ولا بأكل شيء يسمى رأسا غير رءوس الحيوان ; لأن ذلك ليس برأس ولا بيض في الحقيقة ، والله أعلم .
( 8152 ) فَصْلٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=20991_20993_20992_16530_16535وَالْأَسْمَاءُ تَنْقَسِمُ إلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ ; أَحَدُهَا ، مَا لَهُ مُسَمًّى وَاحِدٌ ، كَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ ، فَهَذَا تَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى مُسَمَّاهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ . الثَّانِي ، مَا لَهُ مَوْضُوعٌ شَرْعِيٌّ ، وَمَوْضُوعٌ لُغَوِيٌّ ، كَالْوُضُوءِ وَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْبَيْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَهَذَا تَنْصَرِفُ الْيَمِينُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى مَوْضُوعِهِ الشَّرْعِيِّ دُونَ اللُّغَوِيِّ ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ أَيْضًا خِلَافًا ، غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ .
الثَّالِثُ ، مَا لَهُ مَوْضُوعٌ حَقِيقِيٌّ وَمَجَازٌ لَمْ يَشْتَهِرْ أَكْثَرَ مِنْ الْحَقِيقَةِ ، كَالْأَسَدِ وَالْبَحْرِ ، فَيَمِينُ الْحَالِفِ تَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ ; لِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِعِ إذَا وَرَدَ فِي مِثْلِ هَذَا ، حُمِلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ ، كَذَلِكَ الْيَمِينُ .
الرَّابِعُ ، الْأَسْمَاءُ الْعُرْفِيَّةُ ، وَهِيَ مَا يَشْتَهِرُ مَجَازُهُ حَتَّى تَصِيرَ الْحَقِيقَةُ مَغْمُورَةً فِيهِ ، فَهَذَا عَلَى ضُرُوبٍ ; أَحَدُهَا ، مَا يَغْلِبُ عَلَى الْحَقِيقَةِ ، بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ ، كَالرَّاوِيَةِ ، هِيَ فِي الْعُرْفِ اسْمُ الْمَزَادَةِ ، وَفِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِمَا يُسْتَقَى عَلَيْهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ ، وَالظَّعِينَةِ فِي الْعُرْفِ الْمَرْأَةُ ، وَفِي الْحَقِيقَةِ النَّاقَةُ الَّتِي يُظْعَنُ عَلَيْهَا ، وَالْعَذِرَةِ وَالْغَائِطِ فِي الْعُرْفِ الْفَضْلَةُ الْمُسْتَقْذَرَةُ ، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْعَذِرَةُ فِنَاءُ الدَّارِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، لِقَوْمٍ : مَا لَكُمْ لَا تُنَظِّفُونَ عَذِرَاتِكُمْ ؟ يُرِيدُ أَفْنِيَتَكُمْ . وَالْغَائِطُ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ .
فَهَذَا وَأَشْبَاهُهُ تَنْصَرِفُ يَمِينُ الْحَالِفِ إلَى الْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ ; لِأَنَّهُ الَّذِي يُرِيدُهُ بِيَمِينِهِ ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ ، فَأَشْبَهَ الْحَقِيقَةَ فِي غَيْرِهِ .
الضَّرْبُ الثَّانِي ، أَنْ يَخُصَّ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ بَعْضَ الْحَقِيقَةِ بِالِاسْمِ ، وَهَذَا يَتَنَوَّعُ أَنْوَاعًا ; فَمِنْهُ مَا يَشْتَهِرُ التَّخْصِيصُ فِيهِ ، كَلَفْظِ الدَّابَّةِ ، هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يَدِبُّ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=6وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } . وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=55إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا } .
وَفِي الْعُرْفِ اسْمٌ لِلْبِغَالِ وَالْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ ، وَلِذَلِكَ لَوْ وَصَّى إنْسَانٌ لِرَجُلٍ بِدَابَّةٍ مِنْ دَوَابِّهِ ، كَانَ لَهُ أَحَدُ هَذِهِ الثَّلَاثِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26602_16530يَمِينَ الْحَالِفِ تَنْصَرِفُ إلَى الْعُرْفِ دُونَ الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، كَاَلَّذِي قَبْلَهُ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَتَنَاوَلَ يَمِينُهُ الْحَقِيقَةَ ; بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمْ فِيمَا سَنَذْكُرُهُ ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي الْحَالِفِ عَلَى تَرْكِ أَكْلِ اللَّحْمِ : إنَّ يَمِينَهُ تَتَنَاوَلُ السَّمَكَ . وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ إذَا حَلَفَ لَا يَشُمُّ الرَّيْحَانَ ، فَإِنَّهُ فِي الْعُرْفِ اسْمٌ مُخْتَصٌّ بِالرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ
[ ص: 58 ] لِكُلِّ نَبْتٍ أَوْ زَهْرٍ طَيِّبِ الرِّيحِ ، مِثْلِ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالنِّرْجِسِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي : لَا يَحْنَثُ إلَّا بِشَمِّ الرِّيحَانِ الْفَارِسِيِّ . وَهُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ; لِأَنَّ الْحَالِفَ لَا يُرِيدُ بِيَمِينِهِ فِي الظَّاهِرِ سِوَاهُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبُو الْخَطَّابِ : يَحْنَثُ بِشَمِّ مَا يُسَمَّى فِي الْحَقِيقَةِ رَيْحَانًا ; لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُ حَقِيقَةً . وَلَا يَحْنَثُ بِشَمِّ الْفَاكِهَةِ ، وَجْهًا وَاحِدًا ; لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى رَيْحَانًا حَقِيقَةً وَلَا عُرْفًا . وَمِنْ هَذَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=16530_26602_16535حَلَفَ لَا يَشُمُّ وَرْدًا ، وَلَا بَنَفْسَجًا ، فَشَمَّ دُهْنَ الْبَنَفْسَجِ ، وَمَاءَ الْوَرْدِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي : لَا يَحْنَثُ .
وَهُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَشُمّ وَرْدًا وَلَا بَنَفْسَجًا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبُو الْخَطَّابِ : يَحْنَثُ ; لِأَنَّ الشَّمَّ إنَّمَا هُوَ لِلرَّائِحَةِ دُونَ الذَّاتِ ، وَرَائِحَةُ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ مَوْجُودَةٌ فِيهِمَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : يَحْنَثُ بِشَمِّ دُهْنِ الْبَنَفْسَجِ ; لِأَنَّهُ يُسَمَّى بَنَفْسَجًا ، وَلَا يَحْنَثُ بِشَمِّ مَاءِ الْوَرْدِ ; لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى وَرْدًا .
وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الصِّحَّةِ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَإِنْ شَمَّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ الْيَابِسَ ، حَنِثَ . وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ : لَا يَحْنَثُ ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا ، فَأَكَلَ تَمْرًا . وَلَنَا ، أَنَّ حَقِيقَتَهُ بَاقِيَةٌ ، فَحَنِثَ بِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا ، فَأَكَلَ قَدِيدًا ، وَفَارَقَ مَا ذَكَرُوهُ ، فَإِنَّ التَّمْرَ لَيْسَ رُطَبًا . وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شِوَاءً ، حَنِثَ بِأَكْلِ اللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ ، دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْبَيْضِ الْمَشْوِيِّ وَمَا عَدَاهُ . وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12918وَابْنُ الْمُنْذِرِ : يَحْنَثُ بِأَكْلِ كُلِّ مَا يُشْوَى ; لِأَنَّهُ شِوَاءٌ . وَلَنَا ، أَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى شِوَاءً ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهِ ، كَالْمَطْبُوخِ ، وَقَوْلُهُمْ : هُوَ شِوَاءٌ فِي الْحَقِيقَةِ . قُلْنَا : لَكِنَّهُ لَا يُسَمَّى شِوَاءً فِي الْعُرْفِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ الْمُسَمَّى شِوَاءً فِي عُرْفِهِمْ . وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16530_26602_16535حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا ، فَدَخَلَ مَسْجِدًا ، أَوْ حَمَّامًا ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ . نَصَّ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ .
وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ; لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْتًا فِي الْعُرْفِ ، فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْوَاعِ . وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ ، لِأَنَّهُمَا بَيْتَانِ حَقِيقَةً ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْمَسَاجِدَ بُيُوتًا ، فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=36فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ } . وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=96إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةِ مُبَارَكًا } . وَرُوِيَ فِي حَدِيثٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15189الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ } . وَرُوِيَ فِي خَبَرٍ : " بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ " . وَإِذَا كَانَ بَيْتًا فِي الْحَقِيقَةِ ، وَيُسَمِّيهِ الشَّارِعُ بَيْتًا ، حَنِثَ بِدُخُولِهِ ، كَبَيْتِ الْإِنْسَانِ ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ الْأَنْوَاعِ ، فَإِنَّ هَذَا يُسَمَّى بَيْتًا فِي الْعُرْفِ ، بِخِلَافِ الَّذِي قَبْلَهُ .
وَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا مِنْ شَعْرٍ ، أَوْ غَيْرِهِ ، حَنِثَ ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ حَضَرِيًّا أَوْ بَدَوِيًّا ، فَإِنَّ اسْمَ الْبَيْتِ يَقَعُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَعُرْفًا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=80وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ } .
فَأَمَّا مَا لَا يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ بَيْتًا ، كَالْخَيْمَةِ ، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَحْنَثَ بِدُخُولِهِ مَنْ لَا يُسَمِّيهِ بَيْتًا ; لِأَنَّ يَمِينَهُ لَا تَنْصَرِفُ إلَيْهِ . وَإِنْ دَخَلَ دِهْلِيزَ دَارٍ أَوْ صِفَتَهَا ، لَمْ يَحْنَثْ . وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ يَحْنَثُ ; لِأَنَّ جَمِيعَ الدَّارِ بَيْتٌ .
[ ص: 59 ] وَلَنَا ، أَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْتًا ، وَلِهَذَا يُقَالُ : مَا دَخَلْت الْبَيْتَ ، إنَّمَا وَقَفْت فِي الصَّحْنِ . وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16530_26602_16535حَلَفَ لَا يَرْكَبُ ، فَرَكِبَ سَفِينَةً ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبُو الْخَطَّابِ : يَحْنَثُ ; لِأَنَّهُ رُكُوبٌ ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا } . وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=65فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ } . الضَّرْبُ الثَّالِثُ ، أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَامًّا ، لَكِنْ أَضَافَ إلَيْهِ فِعْلًا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ ، إلَّا فِي بَعْضِهِ ، أَوْ اُشْتُهِرَ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ ، مِثْلَ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=16530_26602_16535يَحْلِفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رَأْسًا ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ رَأْسِ كُلِّ حَيَوَانٍ مِنْ النَّعَمِ وَالصَّيُودِ وَالطُّيُورِ وَالْحِيتَانِ وَالْجَرَادِ . ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبُو الْخَطَّابِ : لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ رَأْسٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِبَيْعِهِ لِلْأَكْلِ مُنْفَرِدًا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ رُءُوسِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ تَكْثُرُ فِيهِ الصَّيُودُ ، وَتُمَيَّزُ رُءُوسُهَا ، فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ رُءُوسِ الْإِبِلِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِبَيْعِهَا مُفْرَدَةً . وَقَالَ صَاحِبَاهُ : لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ رُءُوسِ الْغَنَمِ ; لِأَنَّهَا الَّتِي تُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ دُونَ غَيْرِهَا ، فَيَمِينُهُ تَنْصَرِفُ إلَيْهَا .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ ، أَنَّ هَذِهِ رُءُوسٌ - حَقِيقَةً وَعُرْفًا - مَأْكُولَةٌ ، فَحَنِثَ بِأَكْلِهَا ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا ، فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِ النَّعَامِ وَالزَّرَافَةِ ، وَمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ وَبَيْعُهُ ، وَمِنْ ذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا ، حَنِثَ بِأَكْلِ بَيْضِ كُلِّ حَيَوَانٍ ، سَوَاءٌ كُثْرَ وُجُودُهُ ، كَبَيْضِ الدَّجَاجِ ، أَوْ قَلَّ وُجُودُهُ كَبَيْضِ النَّعَامِ . وَبِهَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَيْضِ النَّعَامِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11956أَبُو ثَوْرٍ : لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ بَيْضِ الدَّجَاجِ ، وَمَا يُبَاعُ فِي السُّوقِ . وَلَنَا ، أَنَّ هَذَا كُلَّهُ بَيْضٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا ، وَهُوَ مَأْكُولٌ ، فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ ، كَبَيْضِ الدَّجَاجِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً ، فَشَرِبَ مَاءَ الْبَحْرِ ، أَوْ مَاءً نَجِسًا ، أَوْ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا ، فَأَكَلَ الْأُرْزَ أَوْ الذُّرَةَ ، فِي مَكَان لَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ فِيهِ ، حَنِثَ .
فَأَمَّا إنْ أَكَلَ بَيْضَ السَّمَكِ أَوْ الْجَرَادِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي : يَحْنَثُ ; لِأَنَّهُ بَيْضُ حَيَوَانٍ ، أَشْبَهَ بَيْضَ النَّعَامِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبُو الْخَطَّابِ : لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ بَيْضٍ يُزَايَلُ بَائِضُهُ فِي الْحَيَاةِ . وَهَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ، وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ . وَهُوَ الصَّحِيحُ ; لِأَنَّ هَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَيْضِ ، وَلَا يُذْكَرُ إلَّا مُضَافًا إلَى بَائِضِهِ ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَيْءٍ يُسَمَّى بَيْضًا غَيْرَ بَيْضِ الْحَيَوَانِ ، وَلَا بِأَكْلِ شَيْءٍ يُسَمَّى رَأْسًا غَيْرَ رُءُوسِ الْحَيَوَانِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِرَأْسٍ وَلَا بِيضٍ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .