[ ص: 207 ] كتاب الجراح يعني كتاب الجنايات ، وإنما عبر عنها بالجراح لغلبة وقوعها به ، والجناية : كل فعل عدوان على نفس أو مال . لكنها في العرف مخصوصة بما يحصل فيه التعدي على الأبدان ، وسموا الجنايات على الأموال غصبا ، ونهبا ، وسرقة ، وخيانة ، وإتلافا . ( 6580 ) فصل : وأجمع المسلمون على
nindex.php?page=treesubj&link=25118_25124تحريم القتل بغير حق ، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع ; أما الكتاب فقول الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } . وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=93ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم } . الآية .
وأما السنة ، فروى
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31395لا يحل دم امرئ مسلم ، يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث ; الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة } . متفق عليه وروى
عثمان ،
nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، في آي وأخبار سوى هذه كثيرة . ولا خلاف بين الأمة في تحريمه ، فإن فعله إنسان متعمدا ، فسق ، وأمره إلى الله ، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له ، وتوبته مقبولة في قول أكثر أهل العلم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إن توبته لا تقبل . للآية التي ذكرناها ، وهي من آخر ما نزل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ولم ينسخها شيء . ولأن لفظ الآية لفظ الخبر ، والأخبار لا يدخلها نسخ ولا تغيير ; لأن خبر الله تعالى لا يكون إلا صدقا .
ولنا قول الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } . فجعله داخلا في المشيئة . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53إن الله يغفر الذنوب جميعا } . وفي الحديث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25041قال : إن رجلا قتل مائة رجل ظلما ، ثم سأل : هل له من توبة ؟ فدل على عالم ، فسأله ، فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة ، ولكن اخرج من قرية السوء ، إلى القرية الصالحة ، فاعبد الله فيها . فخرج تائبا ، فأدركه الموت في الطريق ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فبعث الله إليهم ملكا ، فقال : قيسوا ما بين القريتين ، فإلى أيهما كان أقرب ، فاجعلوه من أهلها . فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة بشبر ، فجعلوه من أهلها } . ولأن التوبة تصح من الكفر ، فمن القتل أولى . والآية محمولة على من لم يتب ، أو على أن هذا جزاؤه إن جازاه ، وله العفو إذا شاء . وقوله : لا يدخلها النسخ . قلنا : لكن يدخلها التخصيص والتأويل .
[ ص: 207 ] كِتَابُ الْجِرَاحِ يَعْنِي كِتَابَ الْجِنَايَاتِ ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهَا بِالْجِرَاحِ لِغَلَبَةِ وُقُوعِهَا بِهِ ، وَالْجِنَايَةُ : كُلُّ فِعْلِ عُدْوَانٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ . لَكِنَّهَا فِي الْعُرْفِ مَخْصُوصَةٌ بِمَا يَحْصُلُ فِيهِ التَّعَدِّي عَلَى الْأَبْدَانِ ، وَسَمَّوْا الْجِنَايَاتِ عَلَى الْأَمْوَالِ غَصْبًا ، وَنَهْبًا ، وَسَرِقَةً ، وَخِيَانَةً ، وَإِتْلَافًا . ( 6580 ) فَصْلٌ : وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=25118_25124تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ ; أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=33وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً } . وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=93وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } . الْآيَةَ .
وَأَمَّا السُّنَّةُ ، فَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31395لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ ; الثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ } . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَرَوَى
عُثْمَانُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=25وَعَائِشَةُ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ ، فِي آيٍ وَأَخْبَارٍ سِوَى هَذِهِ كَثِيرَةٍ . وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي تَحْرِيمِهِ ، فَإِنْ فَعَلَهُ إنْسَانٌ مُتَعَمِّدًا ، فَسَقَ ، وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ ، إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ، وَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : إنَّ تَوْبَتَهُ لَا تُقْبَلُ . لِلْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، وَهِيَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : وَلَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ . وَلِأَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ لَفْظُ الْخَبَرِ ، وَالْأَخْبَارُ لَا يَدْخُلُهَا نَسْخٌ وَلَا تَغْيِيرٌ ; لِأَنَّ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَكُونُ إلَّا صِدْقًا .
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } . فَجَعَلَهُ دَاخِلًا فِي الْمَشِيئَةِ . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } . وَفِي الْحَدِيثِ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25041قَالَ : إنَّ رَجُلًا قَتَلَ مِائَةَ رَجُلٍ ظُلْمًا ، ثُمَّ سَأَلَ : هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَدُلَّ عَلَى عَالِمٍ ، فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ : وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَك وَبَيْنَ التَّوْبَةِ ، وَلَكِنْ اُخْرُجْ مِنْ قَرْيَةِ السَّوْءِ ، إلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ ، فَاعْبُدْ اللَّهَ فِيهَا . فَخَرَجَ تَائِبًا ، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فِي الطَّرِيقِ ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَبَعَثَ اللَّهُ إلَيْهِمْ مَلَكًا ، فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ ، فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ ، فَاجْعَلُوهُ مِنْ أَهْلِهَا . فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ بِشِبْرٍ ، فَجَعَلُوهُ مِنْ أَهْلِهَا } . وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ تَصِحُّ مِنْ الْكُفْرِ ، فَمِنْ الْقَتْلِ أَوْلَى . وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَتُبْ ، أَوْ عَلَى أَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ إنْ جَازَاهُ ، وَلَهُ الْعَفْوُ إذَا شَاءَ . وَقَوْلُهُ : لَا يَدْخُلُهَا النَّسْخُ . قُلْنَا : لَكِنْ يَدْخُلُهَا التَّخْصِيصُ وَالتَّأْوِيلُ .