( 6429 ) مسألة : قال : ( ولو تزوج كبيرة وصغيرة ، فلم يدخل بالكبيرة حتى أرضعت الصغيرة في الحولين ، حرمت عليه الكبيرة ، وثبت نكاح الصغيرة . وإن كان قد دخل بالكبيرة ، حرمتا عليه جميعا ، ويرجع بنصف مهر الصغيرة على الكبيرة ) نص على هذا كله . في هذه المسألة فصول أربعة : ( 6430 ) الفصل الأول : أنه متى أحمد قبل دخوله بها ، فسد نكاح الكبيرة في الحال ، وحرمت على التأبيد . وبهذا قال تزوج كبيرة وصغيرة ، فأرضعت الكبيرة الصغيرة ، الثوري ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . وأبو ثور
وقال الأوزاعي : نكاح الكبيرة ثابت ، وتنزع منه الصغيرة . وليس بصحيح ; فإن الكبيرة صارت من أمهات النساء ، فتحرم أبدا ; لقول الله سبحانه : { وأمهات نسائكم } . ولم يشترط دخوله بها ، فأما الصغيرة ، ففيها روايتان ; إحداهما ، نكاحها ثابت ; لأنها ربيبة ، ولم يدخل بأمها ، فلا تحرم ; لقول الله سبحانه : { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } . [ ص: 147 ] والرواية الثانية ، ينفسخ نكاحها . وهو قول ، الشافعي ; لأنهما صارتا أما وبنتا ، واجتمعتا في نكاحه ، والجمع بينهما محرم ، فانفسخ نكاحهما ، كما لو صارتا أختين ، وكما لو عقد عليهما بعد الرضاع عقدا واحدا . وأبي حنيفة
ولنا ، أنه أمكن إزالة الجمع بانفساخ نكاح الكبيرة ، وهي أولى به ; لأن نكاحها محرم على التأبيد ، فلم يبطل نكاحهما به ، كما لو ابتدأ العقد على أخته وأجنبية ، ولأن الجمع طرأ على نكاح الأم والبنت ، فاختص الفسخ بنكاح الأم ، كما لو أسلم وتحته امرأة وبنتها . وفارق الأختين ; لأنه ليست إحداهما أولى بالفسخ من الأخرى ، وفارق ما لو ابتدأ العقد عليهما ; لأن الدوام أقوى من الابتداء . ( 6431 ) الفصل الثاني : أنه إن كان دخل بالكبيرة ، حرمتا جميعا على الأبد ، وانفسخ نكاحهما ; لأن الكبيرة صارت من أمهات النساء ، والصغيرة ربيبة قد دخل بأمها ، فتحرم تحريما مؤبدا ، وإن كان الرضاع بلبنه ، صارت الصغيرة بنتا محرمة عليه لوجهين ; لكونها بنته ، وربيبته التي دخل بأمها . ( 6432 )
الفصل الثالث : أن عليه نصف مهر الصغيرة ; لأن نكاحها انفسخ قبل دخوله بها من غير جهتها ، والفسخ إذا جاء من أجنبي كان كطلاق الزوج في وجوب الصداق عليه ، ولا مهر للكبيرة إن لم يكن دخل بها ; لأن فسخ نكاحها بسبب من جهتها ، فسقط صداقها ، كما لو ارتدت . وبهذا قال ، مالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . ولا نعلم فيه خلافا . وإن كان دخل بالكبيرة ، لم يسقط مهرها ; لأنه استقر بدخوله بها استقرارا لا يسقطه شيء ، ولذلك لا يسقط بردتها ولا بغيرها . ( 6433 ) الفصل الرابع : أنه يرجع على الكبيرة بما لزمه من صداق الصغيرة . وبهذا قال وأبو ثور . الشافعي
وحكي عن بعض أصحابه ، أنه يرجع بجميع صداقها ; لأنها أتلفت البضع ، فوجب ضمانه . وقال أصحاب الرأي : إن كانت المرضعة أرادت الفساد ، رجع عليها بنصف الصداق ، وإلا فلا يرجع بشيء . وقال : لا يرجع بشيء . ولنا أنه يرجع عليها بالنصف ، أنها قررته عليه ، وألزمته إياه ، وأتلفت عليه ما في مقابلته ، فوجب عليها الضمان ، كما لو أتلفت عليه المبيع . ولنا ، على مالك ، أن ما ضمن في العمد ضمن في الخطأ ، كالمال ، ولأنها أفسدت نكاحه ، وقررت عليه نصف الصداق ، فلزمها ضمانه ، كما لو قصدت الإفساد . أبي حنيفة
ولنا ، على أن الزوج إنما يرجع بالنصف ، أن الزوج لم يغرم إلا النصف ، فلم يجب له أكثر مما غرم ، ولأنه بالفسخ يرجع إليه بدل النصف الآخر ، فلم يجب له بدل ما أخذ بدله مرة أخرى ، ولأن خروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له ، وإنما ضمنت المرضعة هاهنا لما ألزمت الزوج ما كان معرضا للسقوط بسبب يوجد من الزوجة ، فلم يرجع هاهنا بأكثر مما ألزمته . [ ص: 148 ] فصل : والواجب نصف المسمى ، لا نصف مهر المثل ; لأنه إنما يرجع بما غرم ، والذي غرم نصف ما فرض لها ، فرجع به . وبهذا قال . وقال أبو حنيفة : يرجع بنصف مهر المثل ; لأنه ضمان متلف ، فكان الاعتبار بقيمته ، دون ما ملكه به ، كسائر الأعيان . الشافعي
ولنا ، أن خروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له ، بدليل ما لو قتلت نفسها ، أو ارتدت ، أو أرضعت من ينفسخ نكاحها بإرضاعه ، فإنها لا تغرم له شيئا ، وإنما الرجوع هاهنا بما غرم ، فلا يرجع بغيره ; ولأنه لو رجع بقيمة المتلف ، لرجع بمهر المثل كله ، ولم يختص بنصفه ; لأن التلف لم يختص بالنصف ، ولأن شهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا لزمهم نصف المسمى ، كذا هاهنا .