( 4467 ) فصل : أربعة : أحدها أن تكون باقية في ملك الابن ، فإن خرجت عن ملكه ، ببيع أو هبة أو وقف أو إرث أو غير ذلك ، لم يكن له الرجوع فيها ; لأنه إبطال لملك غير الوالد . وإن عادت إليه بسبب جديد ، كبيع أو هبة أو وصية أو إرث ونحو ذلك ، لم يملك الرجوع فيها ; لأنها عادت بملك جديد لم يستفده من قبل أبيه ، فلا يملك فسخه وإزالته ، كالذي لم يكن موهوبا له وللرجوع في هبة الولد شروط
وإن عادت إليه بفسخ البيع ، لعيب ، أو إقالة أو فلس المشتري ، ففيه وجهان أحدهما ، يملك الرجوع ; لأن السبب المزيل ارتفع ، وعاد الملك بالسبب الأول ، فأشبه ما لو فسخ البيع بخيار المجلس أو خيار الشرط .
والثاني لا يملك الرجوع ; لأن الملك عاد إليه بعد استقرار ملك من انتقل إليه عليه ، فأشبه ما لو عاد إليه بهبة . فأما إن عاد إليه للفسخ بخيار الشرط ، أو خيار المجلس ، فله الرجوع ; لأن الملك لم يستقر عليه .
( 4468 ) فصل : الثاني أن تكون العين باقية في تصرف الولد ، بحيث يملك التصرف في رقبتها ، فإن استولد الأمة ، لم يملك الأب الرجوع فيها ; لأن الملك فيها لا يجوز نقله إلى غير سيدها . وإن رهن العين ، أو أفلس وحجر عليه ، لم يملك الأب الرجوع فيها ; لأن في ذلك إبطالا لحق غير الولد
فإن زال المانع من التصرف ، فله الرجوع ; لأن ملك الابن لم يزل ، وإنما طرأ معنى قطع التصرف مع بقاء الملك ، فمنع الرجوع ، فإذا زال زال المنع ، والكتابة كذلك عند من لا يرى بيع المكاتب . وهو مذهب وجماعة سواه . فأما من أجاز الشافعي ، فحكمه حكم المستأجر والمزوج . وأما التدبير ، فالصحيح أنه لا يمنع البيع ، فلا يمنع الرجوع . وإن قلنا : يمنع البيع . بيع المكاتب
منع الرجوع . وكل تصرف لا يمنع الابن التصرف في الرقبة ، كالوصية والهبة قبل القبض فيما يفتقر إليه ، والوطء والتزويج والإجارة والكتابة والتدبير ، إن قلنا : لا يمنع البيع ، والمزارعة عليها ، وجعلها مضاربة ، أو في عقد شركة ، فكل ذلك لا يمنع الرجوع ; لأنه لا يمنع تصرف الابن في رقبتها ، وكذلك العتق المعلق على صفة . وإذا رجع وكان التصرف لازما ، كالإجارة والتزويج والكتابة ، فهو باق بحاله ; لأن الابن لا يملك إبطاله ، فكذلك من انتقل إليه
وإن كان جائزا ، كالوصية والهبة قبل القبض ، بطل ; لأن الابن يملك إبطاله . وأما التدبير والعتق المعلق بصفة ، فلا يبقى حكمهما في حق الأب ، ومتى عاد إلى الابن ، عاد حكمهما . فأما البيع الذي للابن فيه خيار ، إما لشرط ، أو عيب في الثمن ، أو غير ذلك ، فيمنع الرجوع ; لأن الرجوع يتضمن فسخ ملك الابن في عوض المبيع ، ولم يثبت له ذلك من جهته . وإن وهبه الابن لابنه ، لم يملك الرجوع فيه ; لأن رجوعه إبطال لملك غير ابنه . فإن رجع الابن في هبته ، احتمل أن يملك الأب الرجوع في هبته حينئذ
لأنه فسخ هبته برجوعه ، فعاد إليه الملك بالسبب الأول . ويحتمل أن لا يملك الأب الرجوع ; لأنه رجع إلى ابنه بعد استقرار ملك غيره عليه ، فأشبه ما لو وهبه ابن الابن لأبيه .
[ ص: 392 ] فصل : الثالث أن لا يتعلق بها رغبة لغير الولد ، فإن تعلقت بها رغبة لغيره ، مثل أن يهب ولده شيئا فيرغب الناس في معاملته ، وأدانوه ديونا ، أو رغبوا في مناكحته ، فزوجوه إن كان ذكرا ، أو تزوجت الأنثى لذلك ، فعن روايتان ; أولاهما ، ليس له الرجوع أحمد
قال ، في رواية أحمد أبي الحارث ، في الرجل يهب لابنه مالا : فله الرجوع ، إلا أن يكون غر به قوما ، فإن غر به ، فليس له أن يرجع فيها . وهذا مذهب ; لأنه تعلق به حق غير الابن ، ففي الرجوع إبطال حقه ، وقد قال عليه السلام : { مالك } . وفي الرجوع ضرر ، ولأن في هذا تحيلا على إلحاق الضرر بالمسلمين ، ولا يجوز التحيل على ذلك . والثانية ، له الرجوع ; لعموم الخبر ، ولأن حق المتزوج والغريم لم يتعلق بعين هذا المال ، فلم يمنع الرجوع فيه . لا ضرر ولا ضرار
( 4470 ) فصل : الرابع أن لا تزيد زيادة متصلة ، كالسمن والكبر وتعلم صنعة . فإن زادت ، فعن روايتان إحداهما لا تمنع الرجوع . وهو مذهب أحمد ; لأنها زيادة في الموهوب ، فلم تمنع الرجوع ، كالزيادة قبل القبض ، والمنفصلة . والثانية ، تمنع . وهو مذهب الشافعي ; لأن الزيادة للموهوب له لكونها نماء ملكه ، ولم تنتقل إليه من جهة أبيه ، فلم يملك الرجوع فيها ، كالمنفصلة ، وإذا امتنع الرجوع فيها ، امتنع الرجوع في الأصل . أبي حنيفة
لئلا يفضي إلى سوء المشاركة ، وضرر التشقيص ، ولأنه استرجاع للمال بفسخ عقد لغير عيب في عوضه ، فمنعه الزيادة المتصلة ، كاسترجاع الصداق بفسخ النكاح ، أو نصفه بالطلاق ، أو رجوع البائع في المبيع لفلس المشتري .
ويفارق الرد بالعيب من جهة أن الرد من المشتري ، وقد رضي ببدل الزيادة . وإن فرض الكلام فيما إذا باع عرضا بعرض ، فزاد أحدهما ، ووجد المشتري الآخر به عيبا ، قلنا : بائع المعيب سلط مشتريه على الفسخ ، ببيعه المعيب ، فكأن الفسخ وجد منه . ولهذا قلنا ، فيما إذا فسخ الزوج النكاح لعيب المرأة قبل الدخول : لا صداق لها ، كما لو فسخته . وعلى هذا لا فرق بين الزيادة في العين ، كالسمن والطول ونحوهما ، أو في المعاني ، كتعلم صنعة أو كتابة أو قرآن أو علم ، أو إسلام ، أو قضاء دين عنه . وبهذا قال محمد بن الحسن
وقال : الزيادة بتعليم القرآن وقضاء الدين عنه لا تمنع الرجوع . ولنا أنها زيادة لها مقابل من الثمن ، فمنعت الرجوع ، كالسمن وتعلم الصنعة . وإن زاد ببرئه من مرض أو صمم ، منع الرجوع ، كسائر الزيادات ، وإن كانت زيادة العين أو التعلم لا تزيد في قيمته شيئا ، أو ينقص منها ، لم يمنع الرجوع ; لأن ذلك ليس بزيادة في المالية . وأما الزيادة المنفصلة ، كولد البهيمة ، وثمرة الشجرة ، وكسب العبد ، فلا تمنع الرجوع بغير اختلاف نعلمه أبو حنيفة
والزيادة للولد ; لأنها حادثة في ملكه ، ولا تتبع في الفسوخ ، فلا تتبع هاهنا . وذكر وجها آخر ، أنها للأب . وهو بعيد ، فإن كانت الزيادة ولد أمة لا يجوز التفريق بينه وبين أمه ، منع الرجوع ; لأنه يلزم منه التفريق بينه وبين أمه ، وذلك محرم ، إلا أن نقول إن الزيادة المنفصلة للأب ، فلا يمنع الرجوع ; لأنه يرجع فيهما جميعا ، أو يرجع في الأم ، ويتملك الوالد من مال ولده . القاضي