[ ص: 54 ] باب آداب المعلم هذا الباب واسع جدا وقد جمعت فيه نفائس كثيرة لا يحتمل هذا الكتاب عشرها ، فأذكر فيه إن شاء الله تعالى نبذا منه ، فمن آدابه : منها أن يقصد بتعليمه وجه الله تعالى ، ولا يقصد توصلا إلى غرض دنيوي : كتحصيل مال أو جاه أو شهرة أو سمعة أو تميز عن الأشياء ، أو تكثر بالمشتغلين عليه ، أو المختلفين إليه ، أو نحو ذلك ، ولا يشين علمه وتعليمه بشيء من الطمع في رفق تحصل له من مشتغل عليه من خدمة أو مال أو نحوهما وإن قل ، ولو كان على صورة الهدية التي لولا اشتغاله عليه لما أهداها إليه . أدبه في نفسه وذلك في أمور
ودليل هذا كله سبق في ( باب ذم من أراد بعلمه غير الله تعالى ) من الآيات والأحاديث ، وقد صح عن - رحمه الله تعالى - أنه قال : " وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على أن لا ينسب إلي حرف منه " وقال - رحمه الله تعالى - : " ما ناظرت أحدا قط على الغلبة ، وددت إذا ناظرت أحدا أن يظهر الحق على يديه " وقال : " ما كلمت أحدا قط إلا وددت أن يوفق ويسدد ، ويعان ، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ " وعن الشافعي - رحمه الله تعالى - قال : " يا قوم أريدوا بعلمكم الله فإني لم أجلس مجلسا قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم ، ولم أجلس مجلسا قط أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أفتضح . ومنها : أن يتخلق بالمحاسن التي ورد الشرع بها وحث عليها ، والخلال الحميدة والشيم المرضية التي أرشد إليها من التزهد في الدنيا والتقلل منها ، وعدم المبالاة بفواتها والسخاء والجود ومكارم الأخلاق ، وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة ، والحلم والصبر والتنزه عن دنيء الاكتساب ، وملازمة الورع والخشوع والسكينة والوقار والتواضع والخضوع واجتناب الضحك والإكثار من المزح وملازمة الآداب الشرعية الظاهرة والخفية كالتنظيف بإزالة الأوساخ ، وتنظيف الإبط ، وإزالة الروائح الكريهة واجتناب الروائح المكروهة وتسريح اللحية . أبي يوسف
ومنها : الحذر من الحسد والرياء والإعجاب واحتقار الناس وإن كانوا دونه بدرجات ، وهذه أدواء وأمراض يبتلى بها كثيرون من أصحاب الأنفس الخسيسات ، وطريقه في نفي الحسد أن يعلم أن حكمة الله تعالى اقتضت جعل هذا الفضل في هذا الإنسان فلا يعترض ولا يكره ما اقتضته الحكمة بذم الله احترازا من المعاصي .
[ ص: 55 ] وطريقه في نفي الرياء : أن يعلم أن الخلق لا ينفعونه ولا يضرونه حقيقة فلا يتشاغل بمراعاتهم فيتعب نفسه ويضر دينه ويحبط عمله ويرتكب ما يجلب سخط الله ويفوت رضاه ، وطريقه في نفي الإعجاب : أن يعلم أن العلم فضل من الله تعالى ومنة عارية فإن لله تعالى ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ، فينبغي أن لا يعجب بشيء لم يخترعه وليس مالكا له ولا على يقين من دوامه .
وطريقه في نفي الاحتقار : التأدب بما أدبنا الله تعالى ، قال الله تعالى { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى } وقال تعالى : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فربما كان هذا الذي يراه دونه أتقى لله تعالى وأطهر قلبا ، وأخلص نية ، وأزكى عملا ، ثم إنه لا يعلم ماذا يختم له به ، ففي الصحيح : { } الحديث نسأل الله العافية من كل داء . ومنها : استعماله أحاديث التسبيح والتهليل ونحوهما من الأذكار والدعوات وسائر الآداب الشرعيات . ومنها : دوام مراقبته لله تعالى في علانيته وسره ، محافظا على قراءة القرآن ، ونوافل الصلوات والصوم وغيرها معولا على الله تعالى في كل أمره معتمدا عليه ، مفوضا في كل الأحوال أمره إليه . ومنها وهو من أهمها : أن لا يذل العلم ، ولا يذهب به إلى مكان ينتسب إلى من يتعلمه منه ، وإن كان المتعلم كبير القدر ، بل يصون العلم عن ذلك كما صانه السلف ، وأخبارهم في هذا كثيرة مشهورة مع الخلفاء وغيرهم . فإن دعت إليه ضرورة أو اقتضت مصلحة راجحة على مفسدة ابتذاله ، رجونا أنه لا بأس به ما دامت الحالة هذه ، وعلى هذا يحمل ما جاء عن بعض السلف في هذا . إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة
ومنها : أنه إذا فعل فعلا صحيحا جائزا في نفس الأمر ، ولكن ظاهره أنه حرام أو مكروه ، أو مخل بالمروءة ، ونحو ذلك ، فينبغي له أن يخبر أصحابه ومن يراه يفعل ذلك بحقيقة ذلك الفعل لينتفعوا ; ولئلا يأثموا بظنهم الباطل ; ولئلا ينفروا عنه ويمتنع الانتفاع بعلمه ، ومن هذا الحديث الصحيح : " إنها صفية " .