دعا : قال الله تعالى : وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ; قال أبو إسحاق : يقول ادعوا من استدعيتم طاعته ورجوتم معونته في الإتيان بسورة مثله ، وقال الفراء : وادعوا شهداءكم من دون الله ، يقول : آلهتكم ، يقول استغيثوا بهم ، وهو كقولك للرجل إذا لقيت العدو خاليا فادع المسلمين ، ومعناه استغث بالمسلمين ، فالدعاء هاهنا بمعنى الاستغاثة ، وقد يكون الدعاء عبادة : إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم ، وقوله بعد ذلك : فادعوهم فليستجيبوا لكم ، يقول : ادعوهم في النوازل التي تنزل بكم إن كانوا آلهة كما تقولون يجيبوا دعاءكم ، فإن دعوتموهم فلم يجيبوكم فأنتم كاذبون أنهم آلهة . وقال أبو إسحاق في قوله : أجيب دعوة الداع إذا دعان ; معنى الدعاء لله على ثلاثة أوجه : فضرب منها توحيده والثناء عليه كقولك : يا الله لا إله إلا أنت ، وكقولك : ربنا لك الحمد ، إذا قلته فقد دعوته بقولك ربنا ، ثم أتيت بالثناء والتوحيد ، ومثله قوله : وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي ; [ ص: 267 ] فهذا ضرب من الدعاء ، والضرب الثاني مسألة الله العفو والرحمة وما يقرب منه كقولك : اللهم اغفر لنا ، والضرب الثالث مسألة الحظ من الدنيا كقولك : اللهم ارزقني مالا وولدا ، وإنما سمي هذا جميعه دعاء لأن الإنسان يصدر في هذه الأشياء بقوله يا الله يا رب يا رحمن ، فلذلك سمي دعاء . وفي حديث عرفة : ، وإنما سمي التهليل والتحميد والتمجيد دعاء لأنه بمنزلته في استيجاب ثواب الله وجزائه كالحديث الآخر : أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفات لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأما قوله - عز وجل : إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين ; المعنى أنهم لم يحصلوا مما كانوا ينتحلونه من المذهب والدين وما يدعونه إلا على الاعتراف بأنهم كانوا ظالمين ; هذا قول أبي إسحاق . قال : والدعوى اسم لما يدعيه ، والدعوى تصلح أن تكون في معنى الدعاء ، لو قلت اللهم أشركنا في صالح دعاء المسلمين أو دعوى المسلمين جاز ; حكى ذلك ; وأنشد : سيبويه
قالت ودعواها كثير صخبه
وأما قوله تعالى : وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ; يعني أن دعاء أهل الجنة تنزيه الله وتعظيمه ، وهو قوله : دعواهم فيها سبحانك اللهم ، ثم قال : وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ; أخبر أنهم يبتدئون دعاءهم بتعظيم الله وتنزيهه ويختمونه بشكره والثناء عليه ، فجعل تنزيهه دعاء وتحميده دعاء ، والدعوى هنا معناها الدعاء . وروي عن وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي ; وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الدعاء هو العبادة ، ثم قرأ : مجاهد في قوله : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ، قال : يصلون الصلوات الخمس ، وروي مثل ذلك عن في قوله : سعيد بن المسيب لن ندعو من دونه إلها ; أي لن نعبد إلها دونه . وقال الله - عز وجل : أتدعون بعلا ; أي أتعبدون ربا سوى الله ، وقال : ولا تدع مع الله إلها آخر ; أي لا تعبد . والدعاء : الرغبة إلى الله - عز وجل - دعاه دعاء ودعوى ; حكاه في المصادر التي آخرها ألف التأنيث ; وأنشد سيبويه لبشير بن النكث :
ولت ودعواها شديد صخبه
ذكر على معنى الدعاء . وفي الحديث : سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة ; يعني الشيطان الذي عرض له في صلاته ، وأراد بدعوة لولا دعوة أخينا سليمان - عليه السلام - قوله : وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ، ومن جملة ملكه تسخير الشياطين وانقيادهم له ; ومنه الحديث : إبراهيم وبشارة عيسى ; دعوة سأخبركم بأول أمري دعوة أبي إبراهيم - عليه السلام - قوله تعالى : ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ، وبشارة عيسى - عليه السلام - قوله تعالى : ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد . وفي حديث معاذ - رضي الله عنه - لما أصابه الطاعون قال : ليس برجز ولا طاعون ولكنه رحمة ربكم ودعوة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أراد قوله : ; وفي هذا الحديث نظر ، وذلك أنه قال لما أصابه الطاعون فأثبت أنه طاعون ، ثم قال : ليس برجز ولا طاعون ، فنفى أنه طاعون ، ثم فسر قوله ولكنه رحمة من ربكم ودعوة نبيكم فقال أراد قوله : اللهم اجعل فناء أمتي بالطعن والطاعون ، وهذا فيه قلق . ويقال : دعوت الله له بخير وعليه بشر . والدعوة : المرة الواحدة من الدعاء ; ومنه الحديث : اللهم اجعل فناء أمتي بالطعن والطاعون ; أي تحوطهم وتكنفهم وتحفظهم ; يريد أهل السنة دون البدعة . والدعاء : واحد الأدعية ، وأصله دعاو لأنه من دعوت ، إلا أن الواو لما جاءت بعد الألف همزت . وتقول للمرأة : أنت تدعين ، وفيه لغة ثانية : أنت تدعوين ، وفيه لغة ثالثة : أنت تدعين ، بإشمام العين الضمة ، والجماعة أنتن تدعون مثل الرجال سواء ; قال فإن دعوتهم تحيط من ورائهم : قوله في اللغة الثانية أنت تدعوين لغة غير معروفة . والدعاءة : الأنملة يدعى بها كقولهم السبابة كأنها هي التي تدعو ، كما أن السبابة هي التي كأنها تسب . وقوله تعالى : ابن بري له دعوة الحق ; قال : جاء في التفسير أنها شهادة أن لا إله إلا الله ، وجائز أن تكون ، والله أعلم ، دعوة الحق أنه من دعا الله موحدا استجيب له دعاؤه . وفي كتابه - صلى الله عليه وسلم - إلى الزجاج هرقل : ; أي بدعوته ، وهي كلمة الشهادة التي يدعى إليها أهل الملل الكافرة ، وفي رواية : أدعوك بدعاية الإسلام ; وهو مصدر بمعنى الدعوة كالعافية والعاقبة . ومنه حديث بداعية الإسلام عمير بن أفصى : ليس في الخيل داعية لعامل ; أي لا دعوى لعامل الزكاة فيها ولا حق يدعو إلى قضائه لأنها لا تجب فيها الزكاة . ودعا الرجل دعوا ودعاء : ناداه ، والاسم الدعوة . ودعوت فلانا أي صحت به واستدعيته . فأما قوله تعالى : يدعو لمن ضره أقرب من نفعه ; فإن أبا إسحاق ذهب إلى أن يدعو بمنزلة يقول ، ولمن مرفوع بالابتداء ومعناه يقول لمن ضره أقرب من نفعه إله ورب ; وكذلك قول عنترة :يدعون عنتر ، والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم
معناه يقولون : يا عنتر ، فدلت يدعون عليها . وهو مني دعوة الرجل ودعوة الرجل ، أي قدر ما بيني وبينه ، وذلك ينصب على أنه ظرف ويرفع على أنه اسم . ولبني فلان الدعوة على قومهم أي يبدأ بهم في الدعاء إلى أعطياتهم ، وقد انتهت الدعوة إلى بني فلان . وكان - رضي الله عنه - يقدم الناس في أعطياتهم على سابقتهم ، فإذا انتهت الدعوة إليه كبر أي النداء والتسمية وأن يقال دونك يا أمير المؤمنين . وتداعى القوم : دعا بعضهم بعضا حتى يجتمعوا ; عن عمر بن الخطاب اللحياني ، وهو التداعي . والتداعي والادعاء : الاعتزاء في الحرب ، وهو أن يقول أنا فلان بن فلان ، لأنهم يتداعون بأسمائهم . وفي الحديث : هو قولهم : يا لفلان ، كانوا يدعون بعضهم بعضا عند الأمر الحادث الشديد . ومنه حديث ما بال دعوى الجاهلية ؟ : فقال قوم يا زيد بن أرقم للأنصار ! وقال قوم : يا للمهاجرين ! فقال - عليه السلام : دعوها فإنها منتنة . [ ص: 268 ] وقولهم : ما بالدار دعوي ، بالضم ، أي أحد . قال : هو من دعوت أي ليس فيها من يدعو لا يتكلم به إلا مع الجحد ; وقول الكسائي العجاج :
إني لا أسعى إلى داعيه
مشددة الياء ، والهاء للعماد مثل الذي في سلطانيه وماليه ; وبعد هذا البيت :
إلا ارتعاصا كارتعاص الحيه
ودعاه إلى الأمير : ساقه . وقوله تعالى : وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ; معناه داعيا إلى توحيد الله وما يقرب منه ، ودعاه الماء والكلأ كذلك على المثل . والعرب تقول : دعانا غيث وقع ببلد فأمرع أي كان ذلك سببا لانتجاعنا إياه ; ومنه قول : ذي الرمة
تدعو أنفه الريب
والدعاة : قوم يدعون إلى بيعة هدى أو ضلالة ، واحدهم داع . ورجل داعية إذا كان يدعو الناس إلى بدعة أو دين ، أدخلت الهاء فيه للمبالغة . والنبي - صلى الله عليه وسلم - داعي الله تعالى ، وكذلك المؤذن . وفي التهذيب : المؤذن داعي الله والنبي - صلى الله عليه وسلم - داعي الأمة إلى توحيد الله وطاعته . قال الله - عز وجل - مخبرا عن الجن الذين استمعوا القرآن : ولوا إلى قومهم منذرين قالوا ياقومنا أجيبوا داعي الله . ويقال لكل من مات دعي فأجاب . ويقال : دعاني إلى الإحسان إليك إحسانك إلي . وفي الحديث : قريش والحكم في الأنصار والدعوة في الحبشة ; أراد بالدعوة الأذان جعله فيهم تفضيلا لمؤذنه الخلافة في بلال . والداعية : صريخ الخيل في الحروب لدعائه من يستصرخه . يقال : أجيبوا داعية الخيل . وداعية اللبن : ما يترك في الضرع ليدعو ما بعده . ودعى في الضرع : أبقى فيه داعية اللبن . وفي الحديث : أنه أمر ضرار بن الأزور أن يحلب ناقة وقال له دع داعي اللبن لا تجهده ; أي أبق في الضرع قليلا من اللبن ولا تستوعبه كله ، فإن الذي تبقيه فيه يدعو ما وراءه من اللبن فينزله ، وإذا استقصي كل ما في الضرع أبطأ دره على حالبه ; قال الأزهري : ومعناه عندي دع ما يكون سببا لنزول الدرة ، وذلك أن الحالب إذا ترك في الضرع لأولاد الحلائب لبينة ترضعها طابت أنفسها فكان أسرع لإفاقتها . ودعا الميت : ندبه كأنه ناداه . والتدعي : تطريب النائحة في نياحتها على ميتها إذا ندبت ; عن اللحياني . والنادبة تدعو الميت إذا ندبته ، والحمامة تدعو إذا ناحت ; وقول بشر :
أجبنا بني سعد بن ضبة إذ دعوا ولله مولى دعوة لا يجيبها
يريد : لله ولي دعوة يجيب إليها ثم يدعى فلا يجيب ; وقال النابغة فجعل صوت القطا دعاء :
تدعو قطا ، وبه تدعى إذا نسبت يا صدقها حين تدعوها فتنتسب !
أي صوتها قطا وهي قطا ، ومعنى تدعو تصوت قطا قطا . ويقال : ما الذي دعاك إلى هذا الأمر أي ما الذي جرك إليه واضطرك ؟ وفي الحديث : لو دعيت إلى ما دعي إليه يوسف - عليه السلام - لأجبت ; يريد حين دعي للخروج من الحبس فلم يخرج وقال : ارجع إلى ربك فاسأله ; يصفه - صلى الله عليه وسلم - بالصبر والثبات أي لو كنت مكانه لخرجت ولم ألبث . قال ابن الأثير : وهذا من جنس تواضعه في قوله يونس بن متى . وفي الحديث : لا تفضلوني على ; يريد من وجده فدعا إليه صاحبه ، وإنما دعا عليه لأنه نهى أن تنشد الضالة في المسجد . وقال أنه سمع رجلا يقول في المسجد من دعا إلى الجمل الأحمر فقال : لا وجدت الكلبي في قوله - عز وجل : ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ، قال : سل لنا ربك . والدعوة والدعوة والمدعاة والمدعاة : ما دعوت إليه من طعام وشراب ، الكسر في الدعوة لعدي بن الرباب وسائر العرب يفتحون ، وخص اللحياني بالدعوة الوليمة . قال الجوهري : كنا في مدعاة فلان وهو مصدر يريدون الدعاء إلى الطعام . وقول الله - عز وجل : والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ; دار السلام هي الجنة ، والسلام هو الله ، ويجوز أن تكون الجنة دار السلام أي دار السلامة والبقاء ، ودعاء الله خلقه إليها كما يدعو الرجل الناس إلى مدعاة أي إلى مأدبة يتخذها وطعام يدعو الناس إليه . وفي الحديث : . وفي العرس دعوة أيضا . وهو في مدعاتهم : كما تقول في عرسهم . وفلان يدعي بكرم فعاله أي يخبر عن نفسه بذلك . والمداعي : نحو المساعي والمكارم ، يقال : إنه لذو مداع ومساع . وفلان في خير ما ادعى أي ما تمنى . وفي التنزيل : أنه - صلى الله عليه وسلم - قال إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل ولهم ما يدعون ; معناه ما يتمنون وهو راجع إلى معنى الدعاء أي ما يدعيه أهل الجنة يأتيهم . وتقول العرب : ادع علي ما شئت . وقال اليزيدي : يقال لي في هذا الأمر دعوى ودعاوى ودعاوة ودعاوة ; وأنشد :
تأبى قضاعة أن ترضى دعاوتكم وابنا نزار ، فأنتم بيضة البلد
قال : والنصب في دعاوة أجود . وقال : يقال لي فيهم دعوة أي قرابة وإخاء . وادعيت على فلان كذا ، والاسم الدعوى . ودعاه الله بما يكره : أنزله به ; قال : الكسائي
دعاك الله من قيس بأفعى إذا نام العيون سرت عليكا
القيس هنا من أسماء الذكر . ودواعي الدهر : صروفه . وقوله تعالى في ذكر لظى - نعوذ بالله منها : تدعوا من أدبر وتولى ; من ذلك أي تفعل بهم الأفاعيل المكروهة ، وقيل : هو من الدعاء الذي هو النداء ، وليس بقوي . وروى الأزهري عن المفسرين : تدعو الكافر باسمه والمنافق باسمه ، وقيل : ليست كالدعاء تعال ، ولكن دعوتها إياهم ما تفعل بهم من الأفاعيل المكروهة ، وقال محمد بن يزيد : تدعو من أدبر وتولى أي تعذب ، وقال ثعلب : تنادي من أدبر وتولى . ودعوته بزيد ودعوته إياه : سميته به ، تعدى الفعل بعد إسقاط الحرف ; قال ابن أحمر الباهلي : [ ص: 269 ]
أهوى لها مشقصا جشرا فشبرقها وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا
أي أسميه ، وأراد أهوى لها بمشقص فحذف الحرف وأوصل . وقوله - عز وجل : أن دعوا للرحمن ولدا ; أي جعلوا ، وأنشد بيت أيضا وقال أي كنت أجعل وأسمي ; ومثله قول الشاعر : ابن أحمر
ألا رب من تدعو نصيحا ، وإن تغب تجده بغيب غير منتصح الصدر
وادعيت الشيء : زعمته لي حقا كان أو باطلا . وقول الله - عز وجل - في سورة الملك : وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ; قرأ أبو عمرو تدعون ، مثقلة ، وفسره الحسن تكذبون من قولك تدعي الباطل وتدعي ما لا يكون ، تأويله في اللغة هذا الذي كنتم من أجله تدعون الأباطيل والأكاذيب ، وقال الفراء : يجوز أن يكون تدعون بمعنى تدعون ، ومن قرأ تدعون ، مخففة ، فهو من دعوت أدعو ، والمعنى هذا الذي كنتم به تستعجلون وتدعون الله بتعجيله ، يعني قولهم : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ، قال : ويجوز أن يكون تدعون في الآية تفتعلون من الدعاء وتفتعلون من الدعوى ، والاسم الدعوى والدعوة ، قال الليث : دعا يدعو دعوة ودعاء وادعى يدعي ادعاء ودعوى . وفي نسبه دعوة أي دعوى . والدعوة ، بكسر الدال : ادعاء الولد الدعي غير أبيه . يقال : دعي بين الدعوة والدعاوة . وقال : الدعوة في الطعام والدعوة في النسب . ابن شميل : المدعى المتهم في نسبه ، وهو الدعي . والدعي أيضا : المتبنى الذي تبناه رجل فدعاه ابنه ونسبه إلى غيره ابن الأعرابي فأمر الله - عز وجل - أن ينسب الناس إلى آبائهم وأن لا ينسبوا إلى من تبناهم زيد بن حارثة فقال : ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - تبنى ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ، وقال : وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم . أبو عمرو عن أبيه : والداعي المعذب ، دعاه الله أي عذبه الله . والدعي : المنسوب إلى غير أبيه . وإنه لبين الدعوة والدعوة ، الفتح لعدي بن الرباب ، وسائر العرب تكسرها بخلاف ما تقدم في الطعام . وحكى اللحياني : إنه لبين الدعاوة والدعاوة . وفي الحديث ; الدعوة في النسب ، بالكسر : وهو أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه وعشيرته ، وقد كانوا يفعلونه فنهى عنه وجعل الولد للفراش . وفي الحديث : لا دعوة في الإسلام ، وفي حديث آخر : ليس من رجل ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ، وفي حديث آخر : فالجنة عليه حرام ، وقد تكررت الأحاديث في ذلك ، والادعاء إلى غير الأب مع العلم به حرام ، فمن اعتقد إباحة ذلك فقد كفر لمخالفته الإجماع ، ومن لم يعتقد إباحته ففي معنى كفره وجهان : أحدهما أنه قد أشبه فعله فعل الكفار ، والثاني : أنه كافر بنعمة الله والإسلام عليه ; وكذلك الحديث الآخر : فليس منا ; أي إن اعتقد جوازه خرج من الإسلام ، وإن لم يعتقده فالمعنى لم يتخلق بأخلاقنا ; ومنه حديث فعليه لعنة الله علي بن الحسين : المستلاط لا يرث ويدعى له ويدعى به ; المستلاط المستلحق في النسب ، ويدعى له أي ينسب إليه فيقال : فلان بن فلان ، ويدعى به أي يكنى فيقال : هو أبو فلان ، وهو مع ذلك لا يرث لأنه ليس بولد حقيقي . والدعوة : الحلف ، وفي التهذيب : الدعوة الحلف يقال : دعوة بني فلان في بني فلان . وتداعى البناء والحائط للخراب إذا تكسر وآذن بانهدام . وداعيناها عليهم من جوانبها : هدمناها عليهم . وتداعى الكثيب من الرمل إذا هيل فانهال . وفي الحديث : ; كأن بعضه دعا بعضا من قولهم تداعت الحيطان أي تساقطت أو كادت ، وتداعى عليه العدو من كل جانب : أقبل ، من ذلك . وتداعت القبائل على بني فلان إذا تألبوا ودعا بعضهم بعضا إلى التناصر عليهم . وفي الحديث : كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمى ; أي اجتمعوا ودعا بعضهم بعضا . وفي حديث تداعت عليكم الأمم : ثوبان . وتداعت إبل فلان فهي متداعية إذا تحطمت هزالا ; وقال يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها : ذو الرمة
تباعدت مني أن رأيت حمولتي تداعت ، وأن أحنى عليك قطيع
والتداعي في الثوب إذا أخلق ، وفي الدار إذا تصدع من نواحيها ، والبرق يتداعى في جوانب الغيم ; قال : ابن أحمر
ولا بيضاء في نضد تداعى ببرق في عوارض قد شرينا
ويقال : تداعت السحابة بالبرق والرعد من كل جانب إذا أرعدت وبرقت من كل جهة . قال أبو عدنان : كل شيء في الأرض إذا احتاج إلى شيء فقد دعا به . ويقال للرجل إذا أخلقت ثيابه : قد دعت ثيابك أي احتجت إلى أن تلبس غيرها من الثياب . وقال الأخفش : يقال لو دعينا إلى أمر لاندعينا مثل قولك بعثته فانبعث ، وروى الجوهري هذا الحرف عن الأخفش ، قال : سمعت من العرب من يقول لو دعونا لاندعينا أي لأجبنا كما تقول لو بعثونا لانبعثنا ; حكاها عنه . والتداعي : التحاجي . ودعاه : حاجاه وفاطنه . والأدعية والأدعوة : ما يتداعون به . أبو بكر بن السراج : صحت الواو في أدعوة لأنه ليس هناك ما يقلبها ، ومن قال أدعية فلخفة الياء على حد مسنية ، والأدعية مثل الأحجية . والمداعاة : المحاجاة . يقال : بينهم أدعية يتداعون بها وأحجية يتحاجون بها ، وهي الألقية أيضا ، وهي مثل الأغلوطات حتى الألغاز من الشعر أدعية مثل قول الشاعر : سيبويه
أداعيك ما مستحقبات مع السرى حسان ، وما آثارها بحسان
أي أحاجيك ، وأراد بالمستحقبات السيوف ، وقد داعيته أداعيه ; وقال آخر يصف القلم :
حاجيتك يا خنساء في جنس من الشعر
وفيما طوله شبر وقد يوفي على الشبر
[ ص: 270 ] له في رأسه شق نطوف ، ماؤه يجري
أبيني ، لم أقل هجرا ورب البيت والحجر