والنزاع بين الناس في مسألة القدر مشهور .
، وأن الله تعالى خالق أفعال العباد . قال تعالى : والذي عليه أهل السنة والجماعة : أن كل شيء بقضاء الله وقدره إنا كل شيء خلقناه بقدر ( القمر : 49 ) . وقال تعالى : وخلق كل شيء فقدره تقديرا ( الفرقان : 2 ) . وأن الله تعالى يريد الكفر من الكافر ويشاؤه ، ولا يرضاه ولا يحبه ، فيشاؤه كونا ، ولا يرضاه دينا .
القدرية والمعتزلة ، وزعموا : أن الله شاء الإيمان من الكافر ، ولكن الكافر شاء الكفر ، فروا إلى هذا لئلا يقولوا : شاء الكفر من الكافر وعذبه عليه ! ولكن صاروا كالمستجير من الرمضاء بالنار ! . فإنهم هربوا من شيء فوقعوا فيما هو شر منه ! فإنه يلزمهم أن مشيئة الكافر غلبت مشيئة الله تعالى ، فإن الله قد شاء الإيمان منه - على قولهم - والكافر شاء الكفر ، فوقعت مشيئة الكافر دون مشيئة الله تعالى ! ! وهذا من أقبح الاعتقاد ، وهو قول لا دليل عليه ، بل هو مخالف للدليل . وخالف في ذلك
[ ص: 322 ] روى اللالكائي ، من حديث بقية عن ، حدثنا الأوزاعي العلاء بن الحجاج ، عن محمد بن عبيد المكي ، عن قال : قيل ابن عباس : إن رجلا قدم علينا يكذب بالقدر ، فقال : دلوني عليه ، وهو يومئذ أعمى ، فقالوا له : ما تصنع به ؟ فقال : والذي نفسي بيده ، لئن استمكنت منه لأعضن أنفه حتى أقطعه ، ولئن وقعت رقبته بيدي لأدقنها ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لابن عباس بني فهم يطفن بالخزرج ، تصطك ألياتهن مشركات ، وهذا ، والذي نفسي بيده لا ينتهي بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يقدر الخير ، كما أخرجوه من أن يقدر الشر أول شرك في الإسلام . قوله : وهذا أول شرك في الإسلام . إلى آخره ، من كلام كأني بنساء . وهذا يوافق قوله : القدر نظام التوحيد ، ابن عباس . فمن وحد الله وكذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده
[ ص: 323 ] وروى عمر بن الهيثم قال : خرجنا في سفينة ، وصحبنا فيها قدري ومجوسي ، فقال القدري للمجوسي : أسلم ، قال المجوسي : حتى يريد الله فقال القدري : إن الله يريد ، ولكن الشيطان لا يريد ! قال المجوسي : أراد الله وأراد الشيطان ، فكان ما أراد الشيطان ! هذا شيطان قوي ! ! وفي رواية أنه قال : فأنا مع أقواهما ! ! . ووقف أعرابي على حلقة فيها ، فقال : يا هؤلاء إن ناقتي سرقت فادعوا الله أن يردها علي ، فقال عمرو بن عبيد : اللهم إنك لم ترد أن تسرق ناقته فسرقت ، فارددها عليه ! فقال الأعرابي : لا حاجة لي في دعائك ! قال : ولم ؟ قال : أخاف - كما أراد أن لا تسرق فسرقت - أن يريد ردها فلا ترد ! ! . عمرو بن عبيد
وقال رجل لأبي عصام القسطلاني : أرأيت إن منعني الهدى وأوردني الضلال ثم عذبني ، أيكون منصفا ؟ فقال له أبو عصام : إن [ ص: 324 ] يكن الهدى شيئا هو له فله أن يعطيه من يشاء ويمنعه من يشاء .
وأما : فقد قال تعالى : الأدلة من الكتاب والسنة ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( السجدة : 13 ) . وقال تعالى : ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ( يونس : 99 ) . وقال تعالى : وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ( التكوير : 29 ) . وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما ( الدهر : 30 ) . وقال تعالى : من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ( الأنعام : 39 ) . وقال تعالى : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ( الأنعام : 125 ) .