439 - حدثنا ، عن أبو القاسم أبي الفتح قال : قرئ على أبي القاسم ابن بنت منيع وأنا أسمع ، حدثكم ، نا محمد بن حميد الرازي إبراهيم بن المختار قال : نا ، أن ابن جريج زمعة بن صالح أخبره ، أن سلمة بن وهرام أخبره ، عن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ابن عباس إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) " " إن من الغمام طاقات يأتي الله تعالى فيها محفوفا بالملائكة ، وذلك قوله تعالى : ( وإذا كان ظاهر القرآن والسنة يشهد له; وجب إمراره على ظاهره ، كما وجب إمرار غيره من الصفات ، إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته ، وذلك أنا لا نصف مشيه ووقوفه على أهل الدرجات وانتهاءه إلى مجلسه عن انتقال وزوال ، بل نطلق ذلك كما أطلقنا استواءه على العرش لا عن انتقال مع قوله : ( ثم استوى على العرش ) و " ثم " في كلام العرب للمهلة والتراخي ، وكما أثبتنا تجليه للجبل ولموسى لا عن انتقال ، كذلك ها هنا ويشهد لهذا الخبر على أصولنا نزوله إلى سماء الدنيا ووضعه القدم ، ووطيه بوج ، [ ص: 471 ] وقد تقدم الكلام في ذلك .
فإن قيل : وقع إليه كتب من يهود محمد بن كعب قريظة فكان ينظر فيها فيروي عنها ، وقيل : إن الذي رواه عنه زمعة وسلمة بن وهرام وعكرمة وكلهم ضعفاء قيل : هذا غلط ، لأن الحديث الذي رويناه غير موقوف على محمد بن كعب ، وإنما رواه عن وهو من أعيان التابعين وعلمائهم . عمر بن عبد العزيز
ولو كان موقوفا على لم يضر أيضا لأن محمد بن كعب من العلماء الثقات ، روى عن محمد بن كعب ، وعن جابر وغيرهما من الصحابة ، ولا يجوز أن يظن به أنه يروى في شرعنا ما هو باطل منسوخ ، ويجب أن يحسن الظن فيه ولأنا قد بينا فيما تقدم أن سائر الشرائع لا تختلف فيما يتعلق بصفات الله تعالى . ابن عباس
وأما قولهم : رواه زمعة ، وسلمة ، وعكرمة وهم ضعفى ، فلا يصح لأن الإسناد الذي رويناه من طريق ليس فيه واحد من هؤلاء ، وإنما ذلك في حديث محمد بن كعب ، وقد ذكرنا طريق إسناد ابن عباس مع أن هؤلاء ثقات عدول لا نعلم أحدا أطعن عليهم ولا قدح في عدالتهم ولا امتنع من الرواية عنهم فإن قيل : نحمل قوله : " يمشي " يرجع إلى أفعاله ، مثل قولنا : يعدل ويحسن ويخلق ويحرك ويشكر ، وقوله : ( محمد بن كعب في ظلل من الغمام ) معناه : [ ص: 472 ] مقدرها ومدبرها ، أو على فوق الغمام لا على أنه فيها كقوله : ( فسيحوا في الأرض ) أي : فوقها ، وقوله : ( ولأصلبنكم في جذوع النخل ) أي : على جذوعها ، ويحتمل أن يحمل وقوفه على أهل الدرجات يعني يكرم أهل الدرجات درجة بعد درجة ، وقوله : " حتى ينتهي إلى مجلسه " معناه العود إلى أفعاله قبل أن يحدث لهم ما أحدث ، كما يقال : جاء الخير يعدو عدوا ، والمراد به سرعة الإقبال عليك .
قيل : هذا غلط ، أما حمل المشي على أفعاله فلا يصح لأن فيه إسقاط فائدة التخصيص بذلك اليوم ، لأن أفعاله وأوامره جائزة قبل ذلك اليوم ، ولأنه أضاف ذلك إلى الغمام ، وذلك غير مختص به ، ولأنه إن جاز حمله على ذلك; وجب أن يحمل قوله : " ترون ربكم " على رؤية أفعاله وكذلك تجليه للجبل على ظهور أفعاله ، ولما لم يجز ذلك هناك كذلك ها هنا .
وأما تأويل قوله : ( في ظلل من الغمام ) على تدبيرها فلا يصح ، لأنه لم يزل مدبرا لها في دار الدنيا ، فيجب أن يكون لهذا التخصيص بذلك اليوم فائدة ، وقولهم لذا نحمل " في " بمعنى " على " ، فإنما يجب الامتناع من إطلاق ذلك إذا كان فيه إثبات الظرف والمكان ، ونحن لا نصفه بالظرفية والمكان ، بل نصفه بذلك على نحو ما وصفناه جميعا بالعلو على العرش ، لا على معنى الجهة ، وإن كنا نعلم أن العلو ضد السفل ، وكما نجيز رؤيته في الآخرة في جهة ، وكما نحن في علم الله لا على معنى الظرف .
وأما تأويلهم " الانتهاء إلى مجلسه " على العود إلى أفعاله; فلا يصح ، لأن الأفعال لا تسمى مجلسا في لغة العرب ، وعلى أنه إنما يجب الامتناع من إطلاق المجلس إذا أريد به المكان والجهة ، فأما إذا لم يرد به ذلك لم يمتنع إطلاقه ، كالاستواء على العرش [ ص: 473 ] .