387 - وفي حديث آخر : رواه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبو هريرة " أسرف رجل على نفسه حتى إذا حضرته الوفاة قال لأهله : إذا أنا مت فاحرقوني ، ثم اسحقوني ، ثم ذروني في الرياح ، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا ، قال : ففعل ذلك به ، فقال الله جل اسمه لكل شيء أخذ منه شيئا : رد ما أخذت منه ، فإذا هو قائم بين يدي الله تعالى ، فقال له : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : خشيتك ، فغفر الله له " وفي لفظ آخر : وذكر الخبر [ ص: 417 ] وفي لفظ آخر : قال : " أن رجلا ممن كان قبلكم لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد " وذكر الخبر . " إذا أنا مت فحرقوني ، ثم اطحنوني ، ثم ذروني في البحر "
اعلم أن هذا الخبر وإن لم يرجع شيء من لفظه إلى ما هو صفة من صفات الله فإن لفظه مشكل ، وكان القائل له رجلا موحدا مغفورا له ، فوجب أن يوقف على معناه ليزول الإشكال أما قوله : " أضل الله" أي أنساه ، كما قال تعالى : ( لا يضل ربي ولا ينسى ) وقول : ( أن تضل إحداهما ) أي : تنساه ، وقيل في بعض الوجوه في تأويل قوله سبحانه : ( ووجدك ضالا فهدى ) أي ناسيا فذكرك ، والعرب تقول : ضللت كذا وأضللته ، أي نسيته وإذا كان ذلك معنى الضلال ها هنا; فمراده أن الله سبحانه يميتني ولا يبعثني فأستريح من عذابه ، والعرب تقول : ضل الماء في البئر ، إذا غاب فيه ولم يبن ، ويكون تحقيق معنى قوله : " أضل الله " أي : لعل الله لا ينشرني ولا يبعثني فأستريح من عذابه ، وهذا إظهار الجزع والخوف والخشية بأبلغ ما يكون في بابه ، لا أنه كان يعتقد قائله أنه يجوز أن ينسى الله أحدا ، أو يمكن أن يفوته شيء .